الأخبارسياسةمستجدات

قراءة في خطاب ثورة الملك والشعب.. شراكة المغرب مع إفريقيا دعم لقضية الصحراء ومستقبل اقتصادي واعد

الخط :
إستمع للمقال

استحسن الكثيرون تخصيص خطاب العرش في الذكرة 18 للقضايا والألويات الداخلية -وهي أوليات ملحة وهامة- بالنظر للطرفية الراهنة، والتطورات التي تعرفها البلاد. وهو ما يدل على التجاوب الملكي مع مطالب المواطنين، وإحساسه بنبض الشارع المغربي.

وقد أشار الملك، في خطاب العرش، إلى أنه لم يتناول ملفات السياسة الخارجية، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للمملكة، وإفريقيا.. إلا أن الملك، من منظور متكامل، كان يعرف أن هذه القضايا لا يمكن أن تغيب عن اهتماماته الوطنية والدولية. لذا، وفي ما يمكن اعتباره تكملة لخطاب العرش، خصص الملك خطاب ذكرى 20 غشت ال64 للقضية الوطنية الأولى للمغرب ولإفريقيا.

وفي هذا الخطاب يربط الملك بأسلوب واضح، وبتسلسل منطقي، هذه الثورة المجيدة، بإفريقيا وبقضية الصحراء المغربية،  لأن هذه الثورة مكنت من استقلال المغرب، وساهمت في تحرير الدول الإفريقية، وأعطت الانطلاقة لبناء إفريقيا المستقلة الواثقة من نفسها والمتطلعة نحو المستقبل بكل عزم وثقة وعمل ؛ ثم بعد ذلك العمل على النهوض بتنميتها.

وتكتمل هذه العلاقة الثلاثية بالربط بين توجه المغرب نحو القارة، ومدى تأثيرها الإيجابي على قضية الوحدة الترابية للمملكة.

ومما يدفع باتجاه تخصيص خطاب للسياسة الخارجية هو أن سنة 2016 – 2017 كانت سنة دبلوماسية بامتياز، بفضل الانخراط الشخصي للملك في الفعل الدبلوماسي، والتحرك الفعال الذي قامت به الدبلوماسية الوطنية. وهو ما تكلل برجوع المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، والموافقة المبدئية على انضمامه إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

فالملك في خطابه أبرز الدور الذي لعبته ملحمة ثورة الملك الشعب خصوص في أبعادها الجهوية والقارية، حيث استحضر أنها ألهمت بشكلها الشعبي التلقائي، وبقيم التضحية والوفاء، التي قامت عليها، حركات التحرير في المنطقة المغاربية وفي إفريقيا. وقد سبق للملك في خطابه بنفس المناسبة، خلال السنة الماضية، أن أبرز تأثيرها على الثورة الجزائرية، والروح التي بعثتها فيها، لمقاومة الاستعمار.

كما تناول الملك في خطابه الانعكاسات الإيجابية التي كانت لثورة الملك والشعب، كمنارة مشعة في تاريخ تحرير القارة الإفريقية، والارتباط الوثيق بين المغرب وقارته، في مختلف المراحل التاريخية.

فقد عمقت الوعي والإيمان بوحدة المصير المشترك، بداية من الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، ثم بعد ذلك في بناء الدول الإفريقية المستقلة، على أساس احترام سيادة بلدانها ووحدتها الوطنية والترابية. وهو ما يتواصل اليوم، من خلال العمل التضامني مع بلدان القارة، من أجل تحقيق التنمية والتقدم المشترك لفائدة شعوب القارة.

ووفاء لانتمائه الإفريقي ولالتزامه بالدفاع عن قضايا القار، يؤكد الملك أنه ليس بغريب أن تكون أولى قرارات المغرب المستقل في خدمة إفريقيا وشعوبها. ومن هنا فقد استعرض الملك، بعض المواقف المشهودة للمغرب تجاه قارته : ومن بينها المشاركة في أول عملية لحفظ السلام بالكونغو سنة 1960، واحتضان مدينة طنجة لأول اجتماع للجنة تنمية إفريقيا، وإحداث وزارة مكلفة بالشؤون الإفريقية في حكومة 1961.

ومن خلال هذه القرارات فإن المغرب كان يهتم بكل القضايا التي تهم القارة، سواء في مجال توطيد الأمن والاستقرار، أو في مجال النهوض بالتنمية إضافة إلى دعم حركات التحرير، ونصرة قضايا شعوب القارة. وقد تم تتويج تلك الجهود باجتماع الدار البيضاء، الذي وضع اللبنة الأولى لقيام منظمة التحرير الإفريقية.

من جهة أخرى أبرز الملك أن توجه المغرب نحو إفريقيا لم يكن قرارا عفويا، ولم تفرضه حسابات ظرفية عابرة. بل هو وفاء للتاريخ المشترك، وإيمان صادق بوحدة المصير.

وهو ما تجسده السياسة الملكية التضامنية تجاه دول القارة، من خلال اعتماد منظور استراتيجي اندماجي بعيد المدى، يقوم على التوافق وعلى تحقيق النفع المشترك لشعوبها.

وهذه السياسة الملكية قائمة على معرفة دقيقة بالواقع، وبانشغالات المواطن الإفريقي وتطلعاته. فمنذ توليه العرش، قام الملك بأكثر من 50 زيارة لأزيد من 29 دولة.

ولهذا، فالزيارات الملكية لبلدان القارة تحمل معها دائما المشاريع والبرامج التنموية. منها ما هو استراتيجي كأنبوب الغاز الأطلسي نيجيريا – المغرب، وإقامة مركبات كبير لإنتاج الأسمدة، والتي ستساهم في ضمان الأمن الغذائي للقارة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال. ومنها ما هو مرتبط بالمعيش اليومي للأفارقة كبناء المرافق الصحية ومؤسسات التكوين المهني وقرى الصيادين، وذلك إدراكا من الملك بأن هذه المشاريع هي التي تساهم في تحسين المعيش للمواطنين. وقد مكن هذا العمل المتواصل، لأزيد من 17 سنة، على تعزيز مكانة المغرب بالقارة اقتصاديا وسياسيا.

فعلى المستوى الاقتصادي : أتاحت الاتفاقيات التي تم توقيعها من تعزيز الشراكات الاقتصادية بين المغرب ودول القارة، وانخراط القطاعين العام والخاص في الاستثمار على أساس رابح – رابح. حيث تقوم الشركات المغربية بالاعتماد على مكاتب الدراسات واليد العاملة المحلية، وهو ما يساهم في النهوض بالتنمية المحلية بالدول المعنية.

أما على المستوى السياسي، فقد مكنت السياسة الإفريقية للملك من عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، ومن الحصول على الموافقة المبدئية للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

ويؤكد الملك في خطاب ثورة الملك والشعب أن انخراط المغرب في إفريقيا لم يكن من أجل تحقيق هذه المكاسب السياسية، وإنما من منطلق إيمانه القوي بأن إفريقيا هي المستقبل، وبأن المستقبل يبدأ من اليوم. أما من أهملها أو قلل من مكانتها، جهلا بقدرات القارة ومؤهلاتها، أو احتقارا لشعوبها، فهذه مشكله تخصه وحده.

وانطلاقا من منظور استراتيجي، ورؤية واضحة، يبرز الملك بأن انضمام إلى هاتين المنظمتين يشكل علامة بارزة على درب تحقيق الاندماج الإفريقي، الذي لا يمكن تصوره إلا كنتاج لكل التكتلات الإقليمية، خاصة في سياق أصبحت فيه التجمعات الجهوية قوة وازنة ومؤثرة في السياسة الدولية.

وهنا يؤكد الملك أن المملكة المغربية ستعمل من موقعها على إرساء دعائم اندماج حقيقي في خدمة إفريقيا، وتحقيق تطلعات شعوبها إلى التنمية والعيش الكريم في ظل الوحدة والأمن والاستقرار.

أما بالنسبة لمواقف المغرب وقضاياه الوطنية فقد أكد الملك في هذا الموضوع بالذات أن التوجه نحو إفريقيا لن يغير من مواقف المغرب، ولن يكون على حساب الأسبقيات الوطنية.

ويأتي الخطاب الملكي كإجابة واضحة وصريحة على الادعاءات التي تقول بأن المغرب يصرف أموالا طائلة على إفريقيا، ومن الأولى صرف هذه الأموال على المغاربة.

وهنا أراد الملك أن يوضح بأن هؤلاء لا يريدون مصلحة الوطن، لأن الانفتاح على إفريقيا والاستثمارات التي تقوم بها الشركات المغربية هناك، تشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وتساهم في تطور هذه المقاولات، وزيادة أرباحها. وهو ما سيخلق المزيد من فرص الشغل للمغاربة بهذه الدول، وبتوسيع مجال نشاطها في المغرب.

كما كان له أثر إيجابي ومباشر على قضية الوحدة الترابية للمملكة، سواء من على مستوى مواقف الدول (سحب الاعتراف أو اعتماد الحياد) أو على مستوى قرارات الاتحاد الإفريقي. وهو ما عزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف على مستوى الأمم المتحدة.

وفي هذا الإطار، يؤكد الملك أن سنة 2017 هي سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء. وهو ما مكن من وضع مسار التسوية على الطريق الصحيح، ومن الوقوف في وجه المنارات التي كانت تسعي للانحراف به إلى المجهول.

وهو ما أكده تقرير الأمين العام المتحدة وقرار مجلس الأمن لأبريل الماضي، سواء في ما يخص تثمين مبادرة الحكم الذاتي، كإطار للتفاوض، أو في تحديد المسؤوليات القانونية والسياسية للجزائر باعتبارها الطرف الحقيقي في هذا النزاع الإقليمي.

كما تطرق الملك للطريقة الهادئة والحازمة لأزمة الكركرات، والتي مكنت من إفشال محاولات تغيير الوضع بالصحراء المغربية، ومن دفن وهم “الأراضي المحررة” التي ظل أعداء المغرب يروجون لها منذ سنوات. والحقيقة التي يقرها مجلس الأمن الدولي هي أن هناك منطقة مغربية عازلة فقط.

فالمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والمغاربة مجندون للدفاع عنها والتضحية بأرواحهم من أجلها، في التحام قوي بين العرش والشعب، كما كان خلال ثورة الملك والشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى