إقتصادالأخبارمستجدات

قرار تعويم الدرهم.. مخاطر ورهانات في ظل تذبذب الموقف الرسمي

الخط :
إستمع للمقال

اعتبر والي بنك المغرب عبد اللطيف الجوهري، في تصريحات أخيرة له أن قرار تعويم الدرهم(نظام تحرير سعر صرف الدرهم )، ” قرار اختياري” يأتي في وقت يعيش فيه المغرب وضعاً مالياً واقتصادياً عاديا، مشيرا إلى أن المغرب يتوفر على كل الضمانات من أجل إنجاح هذا التعويم الذي سيكون بشكل تدريجي، لكنه لفت في الوقت ذاته إلى أن القرار يحمل بعض ” المخاطر”، وأن المملكة ستعتمد قرار تعويم الدرهم بشكل رسمي خلال يوليوز المقبل.

تصريحات الجواهري، قابلتها تصريحات أخرى لعبد الرحيم بوعزة المدير العام لبنك للمغرب، في الملتقى الدولي الماكرو اقتصادي والمالي الذي نظم مؤخرا في مراكش، والتي قال فيها إن ” قرار اللجوء إلى التعويم التدريجي للدرهم أملته التحولات التي يمر منها الاقتصاد الوطني والتي حتمت ضرورة اللجوء إلى إدخال تعديلات هيكلية على نظام صرف العملة المحلية من أجل المحافظة على تنافسية الاقتصاد المغربي”.

وأضاف المسؤول ببنك المغرب، أن “الاقتصاد المغربي ليس في منأى عن الهزات الاقتصادية التي يشهدها العالم، سواء تعلق الأمر بالطلب العالمي أو أسعار المواد الأولية التي يكون لها انعكاس على التوازنات الداخلية والخارجية.

التذبذب والاختلاف بين تصريحات مسؤولي بنك المغرب، يظهر بأن القراءة المستقبلية لقرار تعويم الدرهم ليست ثايتة بالشكل الذي يجب أن تكون عليه، حيث ستكون الأنظار متجهة إلى أدائه خلال النصف الثاني من 2017، وهي عملية بدون شك ستكون مصيرية بالنسبة للعديدين المنقسمين ما بين متشائم ومتفائل بهذه الخطوة التي كان المغرب فيها مجبرا على اتخاذها.

وكالة فيتش الدولية للتصنيف الإئتماني، نشرت يوم الإثنين 19 يونيو من السنة الجارية، تقريرا جديدا حول نظام تحرير سعر صرف الدرهم، حيث أوضحت أن التحرير الجزئي لعملية الصرف، سيأثر ” بشكل محدود ” على القطاع البنكي بالمغرب، وهو ما يتجلى في تعامل البنوك بشكل ” قليل جدا ” بالعملات الأجنبية في أنشطتها الداخلية، مضيفة أن إيداع العملات الأجنبية يبقى نادرا، في حين ترتبط قروض العملات الخارجية، أساسا، بقطاع التجارة، معتبرة أن المرور إلى نظام تعويم الدرهم، سيكون له أثر طفيف على استقرار الإقتصاد الكلي على المدى القصير والمتوسط.

و كان صندوق النقد منتصف سنة 2016، قد منح الحكومة المغربية قرضا قيمته 3.47 مليار دولار أمريكي، لكنه بالمقابل اشترط على الحكومة المغربية أن تتوقف عن دعم المحروقات، وتعزيز القطاع الخاص على حساب القطاع العام، وإعادة النظر في ملاءمة التعليم لسوق العمل، هذا بالإضافة إلى تحرير سعر الصرف وهو ما يعرف بمصطلح ” تعويم الدرهم “، وهذا ما يتعارض مع تصريحات مسؤولي بنك المغرب الذي وصفوا التحرير “بالقرار الاختياري”.

ما يراه الخبراء الاقتصاديين في قرار تعويم الدرهم

أكد مكتب الصرف المغربي وجود ارتفاع في عجز الميزان التجاري بنسبة 21.7 في المائة في فبراير 2017، ليرتفع إلى 26.71 مليار درهم مقابل 21.95 مليار درهم العام الماضي.

وبحسب الخبراء، فإن الأزمات المقبلة التي ستنتج عن قرار تعويم الدرهم، تتجلى في اتكال المغرب على الأسواق العالمية لتلبية حاجاته من السلع الأساسية كسلع التجهيز، البترول، القمح والأدوية، خصوصا وأن عجز الميزان التجاري ” سنة 2016 ” بلغ 106.7 مليار درهم بزيادة 29.2 مليار درهم بالمقارنة مع سنة 2015 رغم انخفاض فاتورة المنتجات الطاقية ب 11.9 مليار درهم.

وتكمن الأزمات المرتقبة حسب الخبراء أيضا في المنحى التصاعدي للدَّين العمومي الخارجي الذي بلغ 301 مليار درهم نهاية سنة 2015 مقابل 122 مليار سنة 2007، ليمثل 30.6 في المئة من الناتج الداخلي الخام، ما سيجعل خدمة هذا الدين في ارتفاع مستمر وكل ” هبوط في قيمة الدرهم ” سيرفع من تكلفة الدين العام، ومن ثم سيرتفع عجز الموازنة.

فئة أخرى من الخبراء اعتبروا أن رفع معدل الفائدة كإجراء لمواجهة التضخم سيرفع من كلفة الدين الداخلي العمومي الذي بلغ 509 مليار درهم سنة 2015 ممثلا نسبة 63 في المائة من الدين العمومي الإجمالي ما سيساهم في إبطاء النمو، وهو نفس الوضع الذي ستعرفه مديونية القطاع الخاص الذي لا مناص له من اللجوء للاقتراض حتى يتمكن من مباشرة استثماراته.

من جهتهم قال خبراء في الاقتصاد الدولي، إن احتياطي النقد الأجنبي بالمغرب، لن يكون بمقدوره امتصاص الصدمات ” القوية ” التي ستطيح بقيمة العملة المحلية، خصوصا أن النسبة الكبيرة للمعاملات في أسواق الصرف العالمية عبارة عن مضاربات في العملة ليس لها أية علاقة بالاقتصاد الحقيقي، مما سيساهم في تسريع تدني قيمة الدرهم على حساب اقتصاد البلد، في حين سيتعسر على المغرب أن يستدين أكثر نتيجة مطالبة الأسواق المالية بسعر فائدة أكبر يأخذ بعين الاعتبار المخاطر المتنامية الناتجة عن تراجع المؤشرات الاقتصادية.

ومن الطبيعي أيضا بعد الإعلان عن تحرير سعر الدرهم، أن تنخفض قيمته أمام الدولار والعملات الأساسية في العالم، حاليا 1 دولار أمريكي = 9.7771 درهم مغربي وهذا السعر الرسمي اليوم 20 يونيو 2017 المعلن من طرف بنك المغرب، ومن الطبيعي أن نرى الدولار بهذه القيمة بعد أن كان يساوي خلال السنوات الماضية 8 دراهم وهذا لأن الدولار ارتفعت قيمته لأعلى مستوى في 14 عاما، وإذا استمر انهيار الدرهم، ستفقد الدولة القدرة على السيطرة على الأسواق، وستهرب منها الاستثمارات، مما سيترتب عنه ضرورة اتخاذ قرار رفع أسعار الوقود، والطاقة، وأسعار المواد الغذائية، واللحوم والدواجن… حينها يكون المغرب قد سار بإرادته إلى الانهيار.

تبعية المغرب للخارج لسد احتياجاته وخطورة قرار التعويم على المغاربة

كشفت بنية مشتريات الدواء في المغرب عن دخول أدوية باهظة الثمن إلى السوق، تمثل قيمتها 2.7 مليار درهم، أي ما نسبته 55.3 في المائة من إجمالي المشتريات، يتعلق الأمر بأدوية موجهة لعلاج أمراض السرطان والاستعمال الآني، لتبلغ نسبة ما يتم استيراده من لقاحات وأدوية أمراض مزمنة 70 في المائة من قيمة فاتورة الدواء المغربية، و تجدر الإشارة، أن الواردات تطورت بشكل مهم ضمن اتفاقيات التبادل الحر، خصوصا مع الاتحاد الأوربي، إذ انتقلت قيمتها من مليار درهم في 2000 إلى 4.4 مليار درهم برسم سنة 2014، فيما لم تتجاوز الواردات في اتجاه الاتحاد، سقف 700 مليون درهم، والوضع نفسه بالنسبة إلى الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه الأرقام، بالنسبة للخبراء، تبين مدى تبعية المغرب إلى الخارج لسد احتياجات المرضى من الدواء، ومدى انعكاس أي انخفاض لسعر الدرهم على أسعار الدواء المستورد التي سيشكل ارتفاعها تعميقا لأزمة قطاع الصحة العمومية بالمغرب.

لا يجب على المسؤولين التستر على الانعكاسات السلبية لتعويم العملة على الأوضاع الاجتماعية للبلد، كما أن الترويج لقدرة المغرب على إنجاح الانتقال لنظام سعر الصرف المرن وتثبيته لا يثير بالمطلق النقاش حول الفئات التي ستتحمل كلفة التعويم.

علاقة تقرير مؤشر التنمية البشرية لسنة 2016 وعلاقته باتخاذ قرار التعويم

لا زال المغرب متأخرا في مؤشر التنمية البشرية الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة، حيث جاء خلف كل من الجزائر وتونس ودول مثل ليبيا والعراق التي تعيش حروبا، واحتل المغرب المركز 123 في التنمية البشرية، وجاء وراء الجزائر التي احتلت المركز 83 ثم تونس في الصف 97 وليبيا في المرتبة 102 ورغم مشاكل مصر فقد احتلت المرتبة 111، بينما لم يتجاوز المغرب سوى دول فقيرة عربية مثل موريتانيا اليمن والسودان، علما أن البلدين الأخيرين أنهكتهما الحروب.

وأهم المعايير التي تعتمدها الأمم المتحدة لإعداد هذه التقارير هي التعليم، معدل الحياة للمواطنين، الصحة، ومستوى الفقر ثم الدخل الفردي، كما أن أهمية هذه التقارير، تتجلى في الحقائق الموضوعية التي توفرها للجمعيات المدنية والحقوقية لمراقبة عمل الحكومات وأدائها، ولتحميل مدبري الشأن العام مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بسبب سوء التدبير.

ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت الحكومة المغربية لتعويم الدرهم؟

استمرار أشكال الاستغلال والاستحواذ على ثروات وخيرات المغرب، وانطلاقا من كون قضايا نهب المال العام والفساد شكلت على الدوام خطرا محدقا وتهديدا صريحا لمستقبل الوطن ومؤسساته، لما لها انعكاسات سلبية مباشرة على اقتصاد الوطن المنهك بالريع والتهرب الضريبي في ظل استمرار نهج “سياسة عفا الله عما سلف”، ما تسبب في تأزم الأوضاع الاقتصادية، وعرقلة إنجاح أي مخطط إصلاحي للنهوض بالدولة في مختلف المجالات، ليجد المغرب نفسه راضخا لقرار تعويم الدرهم.

في السنوات الأخيرة، ربط الرأي العام الوطني، قبة البرلمان بقلعة الفساد والرفاهية التي يسبح فيها المسؤولون والنخب السياسية، ومجلا للحصول على الأجور الضخمة والتعويضات الخيالية التي تضاهي أجور وزراء ونواب دول أوروبية متقدمة ذات اقتصادات عظمى، فمعاشات البرلمانيين المغاربة الذين يستلمون تقاعدهم بمجرد مغادرتهم البرلمان، دون انتظار بلوغهم سن التقاعد كباقي بلدان العالم، من بين الأسباب التي تساهم في تأزم الأوضاع الاقتصادية في المغرب، في الوقت الذي تعيش فيه فئة واسعة في مستنقع الفقر والبطالة.

ليست هناك احصائيات دقيقة بخصوص حجم النهب والهذر والتبذير، لكن هناك مؤشرات دالة بامتياز، ولعل الفضائح المالية المرتبطة بأغلب المؤسسات والشركات العمومية والمكاتب الوطنية لدليل صارخ، علما أن ما تم كشفه، في هذا الصدد إلى حدود الآن، لا يعدو أن يكون بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة، بالإضافة للتقارير الأجنبية التي كشفت على مر السنين جملة من الهفوات في تدبير القروض والعبث بالمال العام.

ماذا بعد التعويم؟

استنفذ المغرب تقريبا كل الحلول لإصلاح الوضعية الاقتصادية واستنفد معه البنك الدولي كل مخططاته التي اقترحها عليه منذ سنوات لتحقيق قفزة ونمو اقتصادي، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بوجود آليات فاعلة وفعالة للمساءلة والمحاسبة في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة، سياسيا، إداريا، ماليا وقضائيا، هذا يعني أن الناخب يحاسب البرلماني والبرلماني يحاسب الحكومة في البرلمان والحكومة تحاسب الإدارة عبر آليات الرقابة والتفتيش والقضاء يحاسب الجميع على الالتزام بالقوانين والأنظمة.

فهل الناخب يحاسب المنتخب؟ وهل البرلمان يحاسب الحكومة؟ وهل الحكومة تحاسب الإدارة؟ وهل القضاء يحاسب الحكومة على الالتزام بالقوانين؟ إنها أسئلة أجوبتها معروفة لدى الجميع بالإدراك وبالمعاينة وبالمعايشة اليومية.

مع ضبابية المشهد المستقبلي في ظل قرار المغرب تعويم الدرهم لتفادي أزمة اقتصادية، يجعل كل الاحتمالات ممكنة، خصوصا وأن الأنظار ستكون متجهة إلى أداء الدرهم خلال النصف الثاني من سنة 2017، وهذه العملية بدون شك ستكون مصيرية بالنسبة للملايين من المغاربة المنقسمين حاليا ما بين متشائم ومتفائل بهذه الخطوة التي فرضها البنك الدولي على المملكة المغربية نتيجة تراكم الديون وتردي الأوضاع الاقتصادية بسبب الريع، التهرب الضريبي، اختلاس المال العام بدون محاسبة و لا متابعة قضائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى