حتى الامس القريب كان مجال الدفاع عن حقوق الانسان ينبعث من أرضية سياسية أو حزبية أو نقابية، وفي هذه الفترة بالضبط كان الفاعلون في هذا المجال يستأنسون بالخطاب النضالي، ويضعون نصب أعينهم تحقيق بعض المكاسب في مجال ترسيخ الحريات العامة، والإعتراف بالحقوق المدنية.
أما اليوم، فقد تحول نضال الأمس الى احتراف، وأصبح مجال حقوق الإنسان ساحة خصبة للتدافع والرهان قصد التموقع أو قصد كسب مزيد من المال، فتوالدت الجمعيات عبر كل المدن، وتكاثرت الدراسات والأبحاث والتقارير التي تدر على أصحابها مكاسب وتسميات وأوسمة وجوائز، بل وتغدق عليهم بمناصب ومقاعد وكراسي وأوسمة في الداخل والخارج، فأصبح الحال على شاكلة “أينما وليت وجهك” فتمة تقرير أو تشخيص او تحقيق يؤهل صاحبه ليكون فاعلا يزهو بفعله في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
أما في الجانب الرسمي، فقد انتقل المغرب من فترة إنشاء وزارة لحقوق الإنسان في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وهيئة للإنصاف والمصالحة في بداية عهد محمد السادس إلى أكثر من مؤسسة وزارية واستشارية وإدارية. فمن جهة هناك وزارة لحقوق الإنسان يجلس صاحبها على أريكة مريحة لوزير دولة وهو وزير العدل السابق مصطفى الرميد، ومندوبية وزارية مكلفة بحقوق الانسان في زاوية بين شارع ابن سينا ووادي المخازن يديرها رجل مغمور اسمه المحجوب الهيبة ويعمل إلى جانبه مجموعة من المديرين والموظفين، كما أن هناك مجلس وطني لحقوق الانسان يسيره على متن طائرة إدريس اليزمي ومعه الامين العام محمد الصبار، وتضاف كل هذه المؤسسات إلى وزارة العدل التي كانت في الحكومة السابقة تحتضن حقيبة الحريات العامة. هذا بالإضافة إلى لجان بمجلس النواب وأخرى بمجلس المستشارين وهلم جرا.
ومن كثرة هذه المؤسسات التي “تسهر على الدفاع على حقوق الانسان”، تكاد لا تعرف أين تتوقف اختصاصات هذه وأين تبدأ اختصاصات الأخرى، وكيف لا تتداخل مهامها فيما بينها؟ وماذا يعني وجود مندوب وزاري مكلف بحقوق الانسان، ووزير دولة مكلف بحقوق الانسان، ومجلس وطني لحقوق الانسان، ومع ذلك يظل المغرب متهما بخرق حقوق الانسان؟ فإما أن هذه المؤسسات جامدة ولا تعمل، وإما أن أصحابها غير مؤهلين ويستأنسون بتحقيق مصالحهم الذاتية وإنفاق أموال الدولة في السفريات والمشاركة الفضفاضة في عشرات الانشطة الوطنية والدولية التي لا تغني ولا تسمن ولا تجني منها البلاد أية منفعة؟ ولعل التساؤل الأخير موجه أكثر إلى إدريس اليزمي الذي آن الأوان أن يقدم للمغاربة حصيلته على رأس مؤسستين دستوريتين، مجلس حقوق الإنسان و مجلس الجالية المغربية. الحقيقة الصادمة أنه لم يفلح و لم يقدم شيأ يذكر، عدا السفريات و الثرثرة، لا في هذا و لا في ذاك!
إن الجمود القاتل الذي يطبع أسوار مؤسسات حقوق الإنسان هو نفسه الجمود الذي يقبع في صدور الساهرين على تسيير هذه المؤسسات وهم يقرؤون ما ينشر عن المغرب أو يسمعون ما يردد عنه بمناسبة احتجاجات الحسيمة فلا يحركون ساكنا، ونحن نعرف أن إدريس اليزمي يملك أكثر من قبعة و أكثر من ميزانية تساعده على كثرة التحرك دون أن نلمس للأمر نتائج تذكر. فهاهو يترك مجالا أوسع لكاتبه العام في مجلس الجالية المغربية في الخارج السيد بوصوف، هروبا من المواجهة مع الفعاليات المغربية خاصة في أوروبا.
ليركز وجوده في اللقاءات الدولية حول حقوق الإنسان التي تدور في الصالات المكيفة في العواصم الأوربية و الأمريكية.
إذن فإن ما ينفق على تسيير وتدبير مجال حقوق الإنسان لا ينعكس ابدا على النتائج المحققة، ويكاد القلم لا يسعفنا لنتساءل مع كل المتسائلين عن مغزى وجود كل هذه المؤسسات مادامت جمعية خديجة الزومي تتقوى وتقتات من ضعف وجمود كل هذه المؤسسات، ومادامت المنظمات الاوروبية والدولية تستل نبالها وتحرك منابرها، أحيانا بايعاز من الجارة الجزائر، لتصفع المغرب بتقارير يشهد الجميع أنها قاسية، إن لم نقل متحاملة أحيانا في حق هذا الوطن، ومادامت لجان أممية لمحاربة التعذيب تبعث بنظرات تعبر عن انعدام الرضى في حق كل المنجزات التي قام بها المغرب، ومادامت مواقع الأنترنيت ومدونات الفايسبوك وتغريدات تويتر تعمل أحسن بكثير من مندوبية الهيبة ووزارة الرميد ومجلسي اليزمي…
وأخيرا نتخوف أن يكون ما تفوه به أحدهم، و هو فاعل في هذا المجال، صحيحا حين قال إن لا قيمة لوجود كل هذه المؤسسات ومن على رأسها، إلا بالتقارير السلبية التي تصدر حول المغرب. ومعناه واضح وضوح الشمس، أن الذين يقتاتون على ضعف الوطن هم في الحقيقة قي وضع أوهن من خيوط العنكبوت. والفاهم يفهم.
تصلح لتكديس الاموال والحصول على الامتيازات