الأخبارسياسةمستجدات

لهذه الأسباب لن تنجح الحكومة في حل أزمة مدينة جرادة..

الخط :
إستمع للمقال

حينما خرجت ساكنة مدينة الحسيمة للاحتجاج في الشارع رافعة في وجه الحكومة جملة من المطالب الاجتماعية والاقتصادية، لم يستطع عبد الإله بن كيران ومساعديه من الوزراء والمستشارين والوسطاء حل الأزمة ومعالجة الأمور إلى أن تدخل الملك محمد السادس بتوجيهاته، ومحاسبته للمتورطين والمتقاعسين عن أداء الواجب المستحق.

وبسبب فشل عبد الإله بن كيران في تدبير أزمة الحسيمة، وإيجاد الأجوبة المناسبة والمقنعة، استغل بعض الأفراد من ذوي النوايا السيئة هذه الثغرة، وحاولوا توجيه الأزمة إلى وجهة غير معروفة، لولا ألطاف الله، ويقظة الساهرين على أمن الوطن.

والآن، وقد هدأت الأمور في مدينة الحسيمة، ها هي حكومة سعد الدين العثماني تكرر نفس الأخطاء، وتعزف بنفس الإيقاع، لإيجاد حلول ترقيعية لأزمة مدينة جرادة، التي خرج مواطنوها بدورهم ليرفعوا مطالب اجتماعية واقتصادية، من أجل تنمية مدينتهم التي كانت يوما تستفيد من مداخيل مناجمها،ا أو من بقايا ما يخلفه لهم المستغلون لخيرات مدينتهم.

إن ما لا يعرفه سعد الدين العثماني ومساعدوه من أصحاب الفتاوي الفضفاضة، هو أن سكان الحسيمة وجرادة وكرسيف وفكيك وزاكورة ممن خرجوا إلى الشارع، سكان باقي المدن والقرى المغربي، فكوا ارتباطهم بالنخبة السياسية المحلية، ووضعوا آمالهم في المركز الذي هو عاصمة المملكة، وهذا هو أخطر ما أفرزته الأزمات الاجتماعية الأخيرة.

إن سعد الدين العثماني الذي تناقلت وسائط الاتصال صورة مفبركة له، وهو يحملق بعينيه صامتا وكأنه مصاب بالخرس، لم يستوعب إشارات المواطنين ورسائلهم بما يجب من تدبر وحكمة في معالجة مشاكلهم، وها هو يسمح لنفسه وحكومته بإقرار أجوبة غريبة عبر القانون المالي لسنة 2018، وهي  أجوبة تنسجم فعلا مع دلالات الصورة الخرساء التي يتداولها مستخدمو وسائط الاتصال، في حين لا تنسجم مع مطالب سكان جرادة أو غيرهم.

فالقانون المالي الذي صادقت عليه الأغلبية بالبرلمان، هو في حد ذاته صفعة قاسية موجهة إلى وجوه المحتجين في المدن والقرى، بل هو سوط طويل موجه إلى أضلعهم وأجسادهم النحيلة، بكل ما يحمله من ضرائب وغرامات، وذعائر وزيادات، وإصلاحات تصب في الاتجاه المعاكس لمصالح الشعب المغربي.

إن الشعب المغربي فقد الثقة في كل الأحزاب، وهذا استنتاج بديهي يعرفه العادي والبادي، ونتيجة لذلك، فقد عزفت فئة من المواطنين عن التجاوب مع السياسة، والتزمت بيوتها أثناء التصويت، ولم تشارك في الانتخابات، أما الفئة الأخرى، فقد وجهت رسالة للدولة باختيارها لحزب لا يستجيب لطموحات البلد وانتظاراته، وتلك اعتبرناها ردة فعل وجبت معالجتها في حينها، بينما انقسمت الفئة ضعيفة العدد على باقي الأحزاب ضعيفة الأداء، فنتجت عن ذلك حكومة غريبة الأطوار، تحملها المواطن المغربي على مضض أربع سنين كاملة قبل أن يخرج إلى الشارع مطالبا بحقوقه الاجتماعية والاقتصادية.

وما بين هذه الخيبة وتلك، تبين أن النخب السياسية المحلية عاجزة على تلبية مطالب المواطنين، فهي لا تتقن سوى الوعود والتلاعب بقضايا وهموم الشعب، وبالتالي، فهذه النخب تتحمل بشكل مباشر مسؤولية ما يقع في مدنها وقراها، خاصة أن الساكنة ظلت تطالب دوما بالحوار، فتواجه بسياسة الصم والبكم.

أمر كهذا، كان يفرض على سعد الدين العثماني وسلفه أن يتوجها نحو إقرار تشخيص واقعي للوضع، ولا يمكن لهذا التشخيص أن يتأتى بعيدا عن الحوار الجاد المصحوب بالمصارحة.

والتشخيص المنشود في هذا الكلام سيأتي لا محالة بخلاصة ميدانية، وهي وجوب التسريع بتنزيل نظام الجهوية وتطبيقه على أرض الواقع، كي لا يظل المركز هو الوجهة المنشودة.

والحل الثاني، هو إعادة الاعتبار للعمل السياسي ولدور المنتخب والمجالس والبرلمان، خارج الوعود الفضفاضة والكاذبة، وعبر منهج للتأطير الدائم والمواكبة المستمرة للمواطنين.

إن  أزمتي الحسيمة وجرادة وغيرهما من المدن، لم تفرز فقط عيوبا واختلالات كثيرة في نظامنا الحزبي والانتخابي والديمقراطي، بل أفرزت أيضا عمق جهل المسؤولين بحقيقة الأمور أو تجاهلهم لها.

فالعثماني سارع إلى إيفاد الوزير الرباح الذي ذهب بدوره ليتعامل مع الأزمة باعتبارها أزمة مناجم وليست أزمة اقتصادية واجتماعية وبنيوية وسياسية، ولذلك فقد كان كلامه عبارة عن صرخة في واد من وديان الصحارى المقفرة.

فعزيز الرباح ذهب ليتحدث مع الناس حول رخص استغلال المناجم، لكن الساكنة عبرت عن مطالب تتعدى وزارة الطاقة والمعادن، فهل استوعب سعد الدين العثماني الرسالة أم نبعث له هذه المقالة بالبريد المضمون؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى