الأخبارثقافةمستجدات

وفاء… رسامة تنقل صرخات وهواجس بنات جنسها عبر الألوان

الخط :
إستمع للمقال

معرض رياض وفاء للوحات التشكيلية، هو رياض خلاب يجسد أسمى معاني الوفاء للفن التشكيلي، في أشد تجلياته حسنا وفتنة.

رسامة تشكيلية، دخلت عقدها الخامس، نشأت وترعرت بالعاصمة، أحبت الألوان منذ نعومة أظافرها، أسرتها الفنية عززت هذا الحب، وجعلتها أقرب فأقرب للفرشاة والورق.

قريبها الذي درس بإسبانيا، جعلها مولعة بالفنانين ونزعاتهم ومدارسهم وتوجهاتهم، والدها كان مصورا بدوره، ما جعلها محاطة بالصور والألوان التي صارت قدرها فيما بعد.

درست القانون الفرنسي بالرباط، وتخلت عن حلم المكتب والمداومة في وظيفة بساعات محددة، لتحمل ريشتها وتتوجه للمشغل.

1920216_598433056958118_6372720378372853533_n

رغم تعثر خطواتها من أجل تعلمه تارة بسبب بُعد معاهد الفنون الجميلة، وتارة بسبب الاجراءات الكثيرة والمرهقة، إلا أنها عادت بعد رحلة يأس دامت 5 سنوات، لتتفتق من شرنقة الألم والكبت، فراشة بديعة الألوان، مستعدة لنشر الجمال في كل مساحة ممكنة.

عادت وفاء للرسم من جديد، فالإبداع لا يقتضي بالضرورة شهادة من معهد الفنون الجميلة، لا تتذكر بالضبط أولى لوحاتها، لكنها تتذكر الإرهاصات الأولى، الأشكال، المنحنيات، محيط لوحاتها البكر، وأول الألوان تبادرا لذهنها، لتلفت الأنظار نحوها، هي التي تحمل الريشة بشكل جديد وغير معتاد.

قلة الموارد، ضعف التشجيع الجماهيري لهذا الفن الذي بات نخبويا، غياب الدعم إلا من أسرتها المؤازرة، جعل الشرارة تخفت من جديد، وبين دوامة المهنة والأولاد ظلت الريشة تتحرك في الظلام، في ركن منزو داخل البيت.

سنة 1992، عادت بقوة، نفضت عنها الإحباط، الأعذار والمشاعر السلبية التي قيدت أناملها، تركت عملها كمساعدة صيدلانية، وهو العمل الذي زاولته 17 سنة، دون سابق انذار، “أنا بحاجة للتركيز على الرسم”.. عادت مستجيبة للعشق الذي لم يفارقها مراكمة خلفها سنوات من المكتسبات.

12112390_723468417787914_5515832820928443865_n

“لعل سنة 2011 كانت الانطلاقة الحقيقية لي، كانت اللحظة الفارقة كما يقولون، كانت الوقت الذي قررت فيه أو ربما أدركت أن مصيري هو الرسم أو يجب أن يكون كذلك.

تفقدت لوحاتي السابقة، محاولاتي الاولى، وخربشاتي، تلك الإرهاصات الأولى للرسامة التي أنا عليها اليوم، تفقدت أول رسمة لي، كانت عبارة عن محاكاة متواضعة “للجوكاند” أنا المولعة بدافينتشي وبعبقريته التي مزجت العين العلمية الملاحظة، بالخيال الدافق والواسع.

رسمت ورسمت، وفي كل لوحة تبين لي أنني أرسم شيئا واحدا، ولكن بوجوه جديدة وعوالم مختلفة… المرأة كانت محور اتجاهات ريشتي ومركزها كلما جنح بها الخيال.

راقتني الفكرة، وطورتها أكثر، من مجرد اختيار دقيق للألوان، للأشكال، إلى قماشات معبرة كالدانتيل والحرير، وظفت الرمل لانسيابيته، ونوعت بين اللوحات المائية والزيتية، أتلقف أطياف عدد من النساء اللواتي قابلتهن في مسيرتي، أعبر بالدانتيل عن جمالهن وثرائهن وتدفقهن، وبال”خيش” أحيانا عن معاناتهن وآلامهن وأنواع الحيف التي تحاصرهن”.

كانت وفاء تسرد لنا تفاصيل عالمها الخلاب، الذي كان يفيض سحرا ورقة، محاولين خلفها تسجيل هاته العبارات الشيقة والتفاصيل المثيرة قبل أن تفر إلى الفراغ، توقفت لإطعام قطة، وعادت محاطة بلوحاتها تشرح لنا قصص هاته اللوحات الماتعة.

  • ماذا ترسمين؟ أو عما ترسمين؟ ماهي مدرستك؟ ماهي مواضيعك بالتحديد؟

10306477_740627435980031_7153602438812618466_n

“أرسم ما أراه، وكما قلت معظم رسوماتي حول المرأة أو عن المرأة، توجهي تجريدي، لكنني متأثرة كثيرا بالمدرسة السريالية، قد أرسم بورتريهات إذا طُلب مني ذلك بقلم الرصاص، المهم أني أعبر عن المرأة في النخل، في الشواطئ، في أسقف البنايات المغربية القديمة، في انسيابات الريشة بألوان تمثلها درجات الأحمر والوردي والبرتقالي والأبيض والترابي، أرسمها متجلية كسماء، وأحيانا متوارية خلف قناع، في كل لوحة لها قصة جديدة ومختلفة”.

12744394_771116089689813_6690996502290257882_n

12369047_743888529079236_3057511676120574912_n

  • كيف يقرأ الناس هاته اللوحات؟

10629804_531236203677804_6414259736090941601_n

“لايهم، المهم أن يقرؤوها، أن يشعروا بها، غالبا تلفت لوحاتي أنظار المارة، أحيانا يتسمرون امامها، أحيانا يمرون على عجل وعيونهم معلقة ببعضها، لكن في كثير من الاحيان يمرون فقط، مخلفين نظرة عابرة، البعض يستحي من الوقوف والتأمل، أو السؤال، مع أن ذلك متاح”.

  • ألم يعد الناس يتذوقون الفن؟

ربما الزمن اختلف، الناس سريعون جدا ولا يحظون بجرعاتهم اليومية من الجمال، لوحة كانت او عزفا أو أسطرا من الشعر او الرواية أو غيرها، ربما يخشون لو توقفوا لتأمل اللوحة فعليهم شراؤها، ربما يخشون من الاضطلاع على ما تقوله اللوحة”.

  • حضور مفاهيم الغموض والسلطة والخصوبة والطبيعة والحسن متجلية في لوحاتك، هل قرأتها بشكل صحيح؟

12605489_760789837389105_7483846876386868462_o

اللوحة لها قراءات متعددة، وكلها صحيحة، بمجرد أنك وجدت مسلكا يدخلك لعالم جديد من باب أحاسيس أكون بشكل ضروري أنا وأنت مشتركين فيها بحكم تشاركنا للإنسانية، فإن قراءتك مصيبة، الطبيعة،  الجمال،  الخصوبة والتدفق، الانطلاق، الحرية، الانعتاق، كلها معان تعكس روح المراة، ألا نتشارك ذلك جميعا كنساء؟

  • قلت إن تذوق هذا الفن تراجع نوعا ما، كيف تنظر عائلتك الصغيرة لأعمالك؟

10891524_595443303923760_7593231052208692003_n

لم يتراجع بالضرورة، لكن ثمة اهمال لكن لازلت أرى الأطفال تقف مشدوهة امام الألوان، سواء كانت لوحاتي أو لوحات زملائي، يسألون ويلتقطون صورا، عدد من الشباب يطالع باهتمام المشغل والمعرض في نفس الوقت الخاص بي، إنهم فقط لا يعيرون هذا النشاط أهمية، إنه مهم جدا أن ترسم أن تطالع لوحة أو تقتنيها ، هو أمر مهم وأساسي لروحك، كسماع الموسيقى أو مطالعة الكتب.

بخصوص عائلتي، سبق وقلت أن أحد أقربائي رسام، والدي مصور، وأخي سارم توبوغرافي ، كما أن أطفالي الثلاثة يرسمون، ربما لن يختاروه مسارا في حياتهم، لكنهم مهتمون به، الكبرى لديها بكالوريا فنون تطبيقية، والتي تليها في الاعدادي ولها صوت جميل وربما ستحترف الغناء، الطفل الأصغر مولع بكرة القدم، لا مانع لدي، إن اتخذت حياتهم مسارات أخرى، المهم انهم يحبون الرسم ويزاولونه من حين لآخر، هو وصفة ممتازة للترويح واعادة التوازن النفسي بعد اللحظات الصعبة، زوجي ليس رساما، لكنه ناقد محترف وعينه نادرا ما تخطئ، يعطيني دائما أراءه في لوحاتي يقول لي: هاته يجب ان تزال، هاته لم تكن موفقة، ولكوني عنيدة فإني أصر على اختياري أنا، ولكن وبصراحة غالبا ما تكون أراؤه قويمة.. هو قارئ لوحاتي الأول، الناقد الأول، ولكن بالأساس أول داعم وأول سند.

  • ما هو أفق الفن التشكيلي في المغرب اليوم؟

12027201_731128957021860_668595311021762796_o

“الآفاق دوما مفتوحة، وعلى الانسان أن يتحلى بالأمل، نحظى بفرص العرض في المهرجانات والرواقات الوطنية، كما أحظى بدعم كبير من جمعية رباط الفتح التي أخصها بالشكر الجزيل، فهي توفر لنا هذا الفضاء وسط الرباط (قرب مسرح محمد الخامس) مشتل الزهور سابقا، نبيع أحيانا لوحات، وأحيانا تمر شهور ولا نبيع، تخلي شريحة مهمة من الطبقة المتوسطة عن هاته الحاجة الروحية، وقلة الموارد، وكثرة “السماسرية” جعل الصمود في هذا المجال أكثر صعوبة، لكننا نتحلى بالأمل”.

  • ماهي أنشطتك اليومية؟

11800132_689916164476473_8086300622950952074_n

إلى جانب نشاطات الأم والزوجة، إما أرسم، أو أشارك بأروقة ومعارض، سبق وشاركت بمهرجان الرمال بوجدة، ومهرجان العيون الأخير الذي احتفينا فيه انا وثلة من زملائي بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، شاركت بمعرض خاص نظمته مكتبة مسجد الحسن الثاني بالبيضاء، كما شاركت بليالي الأروقة، ومعارض أخرى عامة وفردية اضطررت للإنفاق عليها من جيبي الخاص، كما اقيم ورشات لمحبي الرسم منها للأطفال ومنها للباليغن، لمن يحب أن يتعلم او يحترف الرسم، أنقل من خلالها تجربتي للمواهب الجديدة.

  • في يوم 8 مارس ماهي التحديات أو العوائق التي تأمل وفاء أن ترُفع أمام الفنانات التشكيليات المغربيات؟

10641055_663861310415292_5047457199942599394_n

تحديات كثيرة، نحتاج دعما أكثر، كي نستمر في الرسم، وفي الإبداع، كامراة هناك تحديات من نوع خاص، فالرسم شأنه كشأن عدد من المجالات، له طابع ذكوري محض، والمرأة غالبا ما تشعر داخله بأنها دخيلة، فتشعر بأن الضغط أكبر وأثقل من أجل تخصيص مساحة خاصة لها باستحقاق.

الرجال بعقليتهم الشرقية والذكورية يمقتون فكرة تفوقك كامراة، إلى جانب أنه وفي وسطنا تغدو احيانا مجرد صفة “فنانة” فرصة لإطلاق المرضى العنان لأفكارهم في كونك قد تكونين متحررة من كل قيد أخلاقي وقيمي، أتمنى ان تملأ الساحة فنانات نساء، ألا يصير غريبا على أحد أن لوحة رائعة هي من صنع امراة، أن يحترم الجميع هذا الفن ويشجعوا النساء على أن يكن رائدات فيه.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى