أسعار وهمية في الفيسبوك.. ونهب ممنهج في الأسواق وتهرب أحزاب التحالف الحكومي من المسؤولية!

يعيش المغاربة يوميًا في مشهد يثير السخرية والاستغراب، مفارقة صارخة بين الأسعار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي والأسعار الحقيقية في الأسواق. فبينما تمتلئ صفحات الفيسبوك بمنشورات تُظهر انخفاض أسعار مجموعة من المواد الأساسية، يصطدم المواطن بالواقع وبالأسعار المضاعفة في الأسواق، على غرار بيع السردين على الفايسبوك بخمسة دراهم، في حين أن ثمنه بمعظم أسواق المملكة يترواح بين 14 و20 درهمًا!
هذه الظاهرة تعيد إلى الأذهان الحملة التي رافقت الشاب عبد الإله، بائع السمك في مراكش، الذي أثار جدلًا واسعًا بعدما عرض السردين بسعر خمسة دراهم، في وقتٍ كانت الأسواق تبيعه بأضعاف ذلك. حيث انتشر مقطع فيديو له كالنار في الهشيم، ليصبح حديث الساعة، لكن بدلًا من أن يشكل مبادرة لإعادة التوازن للأسعار، تحول إلى قضية أفرزت نقاشًا بين من يرى أن الأسعار في الأسواق مبالغ فيها، ومن يعتبر أن عرض السردين بهذا الثمن لم يكن سوى استثناء لا يعكس الواقع الحقيقي لسوق الأسماك.
وكان موقع “برلمان.كوم” قد كشف نقلا عن مصادره، أنه ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التشريعية، سعى حزب التجمع الوطني للأحرار في محاولة لتلميع صورته السياسية، من خلال استعمال مختلف وسائل الانتهازية والتوظيف السياسي لتحقيق أهدافه، حيث قام باستغلال قضية عبد الإله الحجوت، أو ما عُرف بـ”بائع السمك” كأداة لتحقيق مكاسب انتخابية، في وقت يواجه فيه الحزب انتقادات واسعة بسبب مسؤوليته المباشرة عن الارتفاع الحاد في الأسعار.
إجراءات حكومية على الورق بلا أثر.. والأسعار تواصل حرق جيوب المغاربة!
ورغم سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بدعوى التخفيف من وطأة الغلاء، لم يلمس المواطن المغربي أي تحسن يُذكر، بل على العكس، ازدادت الأسعار ارتفاعًا، وازدادت معها معاناة الأسر، بينما تضخمت ثروات المستفيدين من كبار رجال الأعمال من بينهم رئيس الحكومة، وبرلمانيون تحولوا إلى أباطرة في السوق، مستفيدين من هذه السياسات التي يُفترض أن تحمي المستهلك، لا أن تُغني المحتكرين.
دعم مهنيي النقل، تخفيض الرسوم الجمركية على الاستيراد، تقديم دعم مباشر لمستوردي الماشية بـ500 درهم للرأس خلال عيد الأضحى الماضي… كلها قرارات تم الترويج لها باعتبارها حلولًا عملية لكبح جماح الأسعار، لكن النتائج على أرض الواقع كانت عكسية تمامًا. أسعار اللحوم واصلت تحليقها، والخضر والفواكه والأسماك لم تتوقف عن استنزاف جيوب المغاربة، وسط حالة من الصمت الحكومي المريب.
من يتحكم في الأسعار؟
وتطرح المفارقة بين الأسعار الافتراضية والواقعية تساؤلات مشروعة من قبيل، من المسؤول عن هذا التفاوت؟ هل هي المضاربة والاحتكار؟ أم أن هناك تلاعبًا متعمدًا بالرأي العام من خلال حملات ممنهجة تهدف إلى توجيه غضب الشارع؟ الأكيد أن المواطن المغربي، وسط كل هذا، هو الخاسر الأكبر، بين واقع معيشي يزداد صعوبة، وأرقام زائفة تملأ الفضاء الرقمي، لا تسمن ولا تغني من جوع.
حكومة بلا بوصلة.. وأحزاب الأغلبية تتقاذف المسؤولية!
وفي ظل هذا الواقع المتأزم، حيث تستمر الأسعار في الارتفاع والقدرة الشرائية للمغاربة في التآكل، لا تجد أحزاب الأغلبية سوى تبادل الاتهامات والتهرب من المسؤولية. بدلًا من تقديم حلول عملية وإجراءات صارمة لكبح جشع المضاربين، انخرطت مكونات الحكومة في سجالات سياسية عقيمة، وكأنها تتنصل من وعودها الانتخابية التي رفعتها بالأمس القريب.
ويكشف التراشق بين الحلفاء السياسيين داخل التحالف الحكومي، عن غياب رؤية واضحة للخروج من هذه الأزمة، ويطرح تساؤلات حول مدى جدية هذه الأحزاب في تحمل مسؤولياتها أمام المواطنين، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة الغلاء دون سند أو حماية. وبينما يعاني المغاربة من نار الأسعار، تستمر الحكومة في حالة من التردد والعجز، وكأنها مجرد متفرج على مشهد فوضوي يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.
لمن تشتغل الحكومة؟
ويطرح هذا الواقع تساؤلات جوهرية من قبيل، أين الحكومة من كل هذا؟ ولماذا لم تؤدِ إجراءاتها إلى أي انفراج؟ وهل المواطن فعلاً ضمن أولوياتها، أم أن السياسات الاقتصادية المعتمدة تخدم مصالح لوبيات بعينها، فيما يُترك المواطن وحيدًا في مواجهة غول الأسعار؟ الحقيقة التي بات يدركها الجميع أن الأزمة ليست مجرد تقلبات سوق، بل نتيجة مباشرة لاختلالات بنيوية، حيث يستفيد قلة من الأثرياء بينما يُترك ملايين المغاربة لمواجهة الغلاء بجيوب فارغة وأمل يتآكل يومًا بعد يوم.