اخبار المغربركن الميداويمستجدات

أنياب النبّاحين.. كابوس يقض مضاجع الفرنسيين وقد تجاوز 500 ألف ضحية في السنة

الخط :
إستمع للمقال

فرق شاسع بين كلاب فرنسا التي كانت تعيش بالأمس حياة “كلبية” حقيقية، وكلاب اليوم التي هي أهنأ بالاً، وأرغد عيشا من كثير من الآدميين. كلاب تحظى بنفس الخدمات والحقوق المخولة للإنسان من تامين وضمان اجتماعي ورعاية صحية وتعويضات عن الوفاة وغيرها.


وتعمقت مكانة الكلب الاجتماعية في فرنسا نتيجة تزايد نسبة العجزة، وتراجع قيم التلاحم والتكافل العائلي، وكذا العزلة حيث كل في بيته غريب عن محيطه يسعى إلى خلق مناخه الخاص المستقل كليا عن الآخرين والبعيد عنهم أيضا.


ففرنسا التي تحضن أزيد من عشرة ملايين من “النبّاحين” وتسعة ملايين من “الموائين”، هي البلد الأول في العالم من حيث الحيوانات الأليفة، ومن حيث النفقات المرتبطة بها والتي تجاوزت سنة 2023 ثلاثة مليارات أورو (أزيد من 30 مليار درهم)، وهو ما يكفي لتغذية مئات الآلاف ممن يموتون جوعا كل يوم في إفريقيا وآسيا وجهات أخرى من العالم.

وعندما تنتابه حالة قلق أو اكتئاب تهم العائلة مذعورة إلى الأخصائي لمعرفة السبب. ويوجد اليوم بفرنسا حوالي مئة طبيب أخصائي في سلوك الكلاب مهمتهم طرح أسئلة محددة على أصحابها للتيقن من مصادر الداء وتقديم الوصفة العلاجية المناسبة. ولتلبية حاجيات هذه الكائنات من الدم، فتحت المدرسة البيطرية بباريس قبل سنتين، مركزا لتحاقن الدم يمكّن الكلاب من التبرع بالدم لفصيلتها.


ومقابل اعتناء الفرنسيين المفرط بـ”النبّاحين” الذين لم يعودوا يكتفون بفتات المائدة، بل يشترطون غداء غنيا ومتنوعا تتوفر فيه شروط النكهة والتوازن الصحي معا، لا تترك كلابهم فرصة تضيع، دون أن تعترض سبيل مئات الآلاف من الأشخاص، حيث سجلت سنة 2024 وحدها، أزيد من 500 ألف اعتداءً كلبيا نقل على إثرها 120 ألف شخص إلى المستشفى بإصابات متفاوتة الخطورة والعاهة.


وتفيد آخر أرقام المصالح البيطرية بوزارة الصحة الفرنسية بأن الكلاب أتت على 34 شخصا خلال السنة الماضية، مسجلة ثاني رقم في سجل الموتى ضحايا الأنياب، بعد الرقم القياسي لسنة 2013 التي شهدت 37 حالة وفاة من جراء الاعتداءات “الكلبية”.


وتأتي هذه الاعتداءات بالخصوص على الأقارب، حيث 67 في المائة من المستهدفين هم إما من أفراد العائلة أو جيران أو أصدقاء. كما أن 40 في المائة من الضحايا هم أطفال من دون الرابعة عشر من العمر.


ولا يستثني أصدقاؤنا الكلاب قطيع الخرفان من القاعدة، إذ أعلن المركز الفرنسي للدراسات البيطرية والأغذية أن الكلاب الضالة تأتي سنويا على ما بين 70 إلى 80 ألف من الخرفان، وأزيد من 100 ألف من الدجاج والطيور الأليفة الأخرى.


وتشكل هذه الكلاب عبئا حقيقيا على أصحابها المرغمين يوميا للتنزه بها، وهي في أبهى أناقتها من أحذية لامعة ومعطف صوفي ناعم في الشتاء، وقبعة ونظارة تصونان شدة الشمس في المصيف. ولتغوطه جهزت له مراحيض خاصة بعدد من نقط المدينة، كما ازدهرت بشأنه تجارة التجميل من صالات للحلاقة ومستلزمات الأناقة. ولم يبق له سوى عقد القران وحفل العقيقة.


ولأن ثلاث عائلات من أصل أربع تملك ابنا إضافيا هو الكلب، فقد اجتهد طب الكلاب في خلق تخصصات جديدة في أمراض القلب والعيون والبول والجلد والسرطان وحتى طب الأسنان والطب الاستعجالي… وتتراوح النفقات المخصصة للكلب الواحد ما بين 2000 إلى 3000 أورو سنويا (ما بين 20 ألف إلى 30 ألف درهم) بالنسبة للعائلات الميسورة، أي ثلاثة أضعاف الدخل السنوي المتوسط بالبلدان النامية.


وأمام هذا الوضع الذي يثير موجات استنكار كبيرة في أوساط مربي الماشية، تأخذ وسائل الإعلام على الساسة موقفهم السلبي والمتناقض أحيانا أمام استفحال الظاهرة. غير أنه في بلد يُعتبر مواطنوه أول مالكي الحيوانات الأليفة في العالم، يحتار أصحب القرار لأي حيوان يميلون، الإنسان أم الكلب. وإلى اليوم، لم يجرؤ أي من رؤساء فرنسا السابقين، على استصدار قانون يحُد من الاعتداءات “الكلبية”، أو على الأقل من انتشار النجاسات التي يخلفها على أطراف الأزقة والشوارع الفرنسية. ربما رفقا بها، أو خوفا من تكشير أنيابها، وتضييع أصوات مالكيها إبان الاستحقاقات المختلفة.  
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى