إعلامي وباحث تونسي يتنبأ بنهاية نظام الإنقلابي قيس سعيّد

تنبأ الباحث والاعلامي التونسي، جمال الطاهر، بنهاية نظام من وصفه بالانقلابي قيس سعيد، مستعرضا جملة من المؤشرات التي تؤكد ذلك.
وفي مقال له تحت عنوان “مؤشرات تنبئ بنهاية حكم قيس سعيّد في تونس”، قال الباحث التونسي الذي يقطن في مونتريال بكندا، إن ما كان متوقعًا، قد حدث، في تعليقه على الأحكام الصادرة عن الدائرة الجنائية الخامسة المختصّة في قضايا الإرهاب بتونس فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، كبرى القضايا السياسية في تونس ما بعد انقلاب 25 يوليوز 2021، مؤكدا أن هذه المحاكمات عرفت “خروقات إجرائية جسام أفقدتها أدنى شروط المحاكمة العادلة”، مضيفا أن “ذلك أصبح معلومًا لدى الجميع داخل تونس وخارجها”.
وأكد جمال الطاهر أن الأحكام شملت أربعين “متهمًا” بين موقوف وفي حالة سراح وبحالة فرار، وتراوحت ما بين 66 و8 سنواتٍ سجنًا، بلغت في مجملها تسعة قرون، “حسب تصريح الأستاذ سمير ديلو عضو هيئة الدفاع في ندوة صحفية لتلاوة نص قرار الحكم، منها أربعة قرون مبنية على إفادات شاهدين بقيت هويتاهما محجوبتَين، ولم تتم مكافحتهما مع المشمولين كما لم يتم استنطاقهما من طرف هيئة المحكمة التي اعتمدت شهادتَيهما لإصدار أحكامها”.
وأضاف الطاهر بالقول “لن نتوقف عند هذه الخروقات لا لعدم أهميتها، ولكن لأنها أصبحت معلومة ووصفة مشتركة بين كل المحاكمات منذ الانقلاب بعد أن أحكم قيس سعيّد وضع يده على القضاء، وحوّله من سلطة لها هياكلها وتقاليدها وآلياتها إلى وظيفة لدى السلطة التنفيذية السياسية تخضع للتعليمات”.
في ذات السياق، تابع الكاتب والباحث التونسي، وصف المشهد القضائي بدولة تونس بالقول “في مشهد يصفه كثيرون بأنه ما فوق “سريالي” وغير مسبوق في تاريخ القضاء التونسي منذ زمن البايات، مرورًا بزمنَي بورقيبة، وبن علي الاستبداديَين، أصرّت هيئة المحكمة على أن تكون الجلسات عن بعد أي “سرية”، رغم رفض المشمولين (المتهمين) وعائلاتهم واعتراض المحامين؛ لإخلالها بأبسط قواعد المحاكمة العادلة من حضور المشمولين والشهود والإعلام والرأي العام”.
وأضاف الطاهر “كانت المحاكمة على مستوى الشكل أشبه بمرور بالقوة من هيئة المحكمة جعل المعنيين بها والمتابعين لها في الداخل والخارج، من منظمات وهياكل وشخصيات، يصفونها بالمهزلة ويرفضون أحكامها”.
إلى ذلك أكد الباحث التونسي أنه بعد أسبوع من هذه المحاكمة “المسخرة”، انتصبت هيئة أخرى للنظر في قضية ما يسمّى “التسفير”، تسفير تونسيين إلى بؤر التوتر مثل العراق وسوريا (2012-2013) من بين المشمولين فيها المهندس علي العريض وزير الداخلية ورئيس الحكومة السابق، ونائب رئيس حركة النهضة، وعدد من الإطارات الأمنية من بينهم “متهمون” بالانتماء لحركة النهضة. جاءت الجلسة هي الأخرى عن بعد، وانطلق فيها الاستنطاق قبل أن تقرر هيئة المحكمة رفعها لمواصلتها خلال أسبوع.
في قاعة أخرى من جنبات محكمة تونس، يضيف الطاهر “انتصبت في نفس اليوم جلسة محاكمة الأستاذ نور الدين البحيري وزير العدل السابق والنائب بمجلس النواب المنتخب في 2019، ونائب رئيس حركة النهضة لمقاضاته استئنافيًا بعد أن تمّ الحكم عليه ابتدائيًا بعشر سنوات سجنًا من أجل ما نُسب إليه من تدوينة أثبتت كل الاختبارات الفنية أنها غير موجودة أصلًا. تمّ تأجيل الجلسة إلى موعد لم يحدّد بعدُ بطلب من هيئة الدفاع”.
واعتبر الباحث والإعلامي التونسي أن حصاد المسار القضائي في تونس قيس سعيّد يزداد ثقلًا وسوادًا نتيجة خطورة الاتهامات التي تصل فيها “العقوبات” إلى الإعدام، وتواصل التنكيل بالمعتقلين وعائلاتهم مع تهميش منظمات الدفاع عن الحقوق والحريات وتجاهل بياناتها ومطالبها.
وحسب نفس الباحث فسلطة قيس سعيّد ماضية في قرارها تصفيةَ كل معارضيها من كل الاتجاهات والقطاعات بتغييب البعض في السجون والمعتقلات، وبفرض الهجرة القسرية على بعضهم الآخر، وقد أصمّت أذنيها عن اعتراضاتهم وصيحاتهم، وأغمضت عينيها عن وقفاتهم الاحتجاجية المتتالية والمتصاعدة.
من خلال نفس المقال، قال الإعلامي جمال الطاهر أن “أبشع” ما تقوم به السلطة في هذا المجال يتمثل على المستوى الأول في تماديها في اعتقال المعارضين، وعلى المستوى الثاني، تواصل التعتيم الإعلامي والحرص على عدم إطلاع الرأي العام على حقيقة القضايا وملفاتها بمنع التداول الإعلامي، وسرية جلسات المحاكمة، فيما يتمثل الأمر الثالث، في إسكات المشمولين ومنعهم من الدفاع عن أنفسهم منذ فتح الملف بإصرار قاضي التحقيق على عدم الاستماع إليهم إلا في دقائق معدودة، وعدم تمكينهم من مكافحة المبلّغَين اللذين بقيا محجوبي الهوية.
“بهذا الحصاد الثقيل في ميزان الحقوق والحريات، تكون منظومة قيس سعيّد التنفيذية والتشريعية وأداتها القضائية وروافدها الأخرى السياسية والإعلامية، قد كتبت سجلًا لم يسبقها إليه أحد من الحكام السابقين، كما لن يتبعها فيه أحد من الحكام اللاحقين، سجلّ غاية في قتامة السواد سيبقى يلاحقهم أحياء وأمواتًا، وسيكون تعبيرًا عن مرحلة منبوذة في تاريخ تونس” يضيف الكاتب التونسي جمال الطاهر.
وعطفا على ما سبق، اعتبر الطاهر أن نظام قيس سعيد يتدحرج نحو النهاية، مشيرا إلى أنه في الأنظمة الاستبدادية بكل أشكالها، يحرص الحكّام بمن فيهم من جاءت بهم الديمقراطية إلى الحكم مثل قيس سعيّد، إلى فعل كلّ شيء “بغيض” لوضع اليد على الدولة ومؤسساتها وإمكاناتها؛ لفرض تواصل حكمهم بدءًا بتغيير هيئة الدولة ونظام حكمها، مرورًا بتصفية كل معارضيهم من سياسيين وقوى مدنية، وتجريف الفضاء العام وإخلائه من كل “أسلحته”، وترهيب الجميع لالتزام الصمت، وانتهاءً بتغييب الشعب عبر نشر المغالطات، وبيع الأوهام، وإطلاق الشعارات المضلّلة والحروب الوهمية ضد أعداء وهميين يتمّ وصفهم ووصمهم بكل نقيصة ورذيلة.
“هذا بالضبط ما تقوم به منظومة قيس سعيّد منذ انقلاب 25 يوليوز 2021، وقد تعزّز وترسّخ بعد 6 أكتوبر 2024. تاريخ “إعادة” انتخاب قيس سعيد لعهدة رئاسية ثانية حفّت بها العديد من التجاوزات والخروقات، ورفض نتائجها العديد من الأطراف” يقول الطاهر، مشيرا إلى أن المعارضة تصف قيس سعيد بأنه اختار نهج المستبدين في إدارة الحكم، وأعرض عن نهج المصلحين الديمقراطيين، واختار أن تكون شرعية حكمه انتخابات مطعونًا فيها، وأن تكون أدوات حكمه عصا البوليس وقضاء التعليمات والسجون والمعتقلات.
وحسب الباحث التونسي فالمشهد العام في تونس، يبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى، “مؤذنًا بتسارع خطوات تدحرج حكم سعيد نحو نهايته، وبتطور الأوضاع سلبيًا بشكل يجعلها غير قابلة للتدارك. يبدو ذلك واضحًا من خلال مجموعة من المؤشرات، أبرزها تجريف الفضاء العام وقتل السياسة، وضرب الحريات والتعدّي على الحقوق وتهميش الجمعيات، وإلغاء دورها في الدفاع المدني والحقوقي معطوفًا عليه إقصاء الأحزاب وتدجين الإعلام الخاص بعد وضع اليد على الإعلام العمومي، وغلق أبوابهما أمام أي صوت معارض أو حتى مساند إلا من بعض الأصوات التي “انتقتها” منظومة قيس سعيّد للدفاع عن خياراتها ومهاجمة معارضيها والتنكيل الإعلامي بهم في برامج “الرأي الواحد” الفاقدة لأي مهنية، ومصداقية أصبحت محلّ استياء شعبي وذات مفعول عكسي.
وقال الطاهر إن قيس سعيّد اختار أن يملأ وحده الفضاء العام والإعلام، يفعل ويقول ما يشاء، وحده المخاطب للشعب لا يقبل أن يسأله أو أن يعقّب عليه أحد، مبرزا أن القاسم المشترك بين سعيّد وكل من استحوذ على السلطة وحرص على الاستمرار فيها هو الإيهام بأنهم قادة من كوكب آخر يعرفون مصلحة شعوبهم أكثر من شعوبهم نفسها، وأنهم جاؤوا ليقوموا بأدوار تاريخية لم يسبقهم إليها أحد وليقدّموا حلولًا تتجاوز جغرافية بلدانهم لتمتدّ إلى البشرية والإنسانية جمعاء، بينما شعوبهم مسحوقة تعاني القمع وضيق العيش وانسداد الأفق.
وخلص الكاتب والباحث التونسي في مقاله إلى أن الواقع اليوم يشير إلى تغير في المشهد التونسي بشكل يوحي بقرب نهاية نظام قيس سعيد، فعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، سجل تراكم مجموعة الأزمات وارتفاع المديونية، إلى جانب تعطل مجموعة من المشاريع وتراجع النمو وتفشي الفقر والبطالة وانهيار البنية التحتية، الأمر الذي فجر احتجاجات شعبية، كحادثة المزونة التي كشفت التهميش والغضب الشعبي، وتزايد المطالب بتنمية عادلة وكرامة وطنية.
من بين المؤشرات الدالة على انهيار نظام قيس سعيّد الهش، وفق نفس الكاتب اختياره للغة القمع الأمني الشديد، حيث قابلت السلطات الاحتجاجات الشعبية بالقمع، مما أعاد للذاكرة ممارسات نظام بن علي وأشعل الغضب الشعبي.
إلى جانب ما سبق أكد الطاهر أن التحوّل الذي وقع في موقف المعارضة التي قام بإقصائها قيس سعيّد من خلال اعتماده على قانون انتخابي عقيم، وبرلمان ضعيف، وتجاهله لتأسيس المحكمة الدستورية، ما جعل دعم المعارضة سابقا ينقلب إلى الرفض القاطع لمسار 25 يوليوز، وتطور شعاراتها إلى حد المطالبة برحيل قيس سعيّد، لدليل آخر على قرب نهاية هذا النظام، فضلا تدهور صورته دوليا، وتزايد الإدانات الدولية لانتهاكاته، وفتور في العلاقات الخارجية، خاصة مع شركاء سابقين.
ويبقى أكبر مؤشر على قرب نهاية نظام قيس سعيّد حسب نفس الكاتب، شلل مؤسسات الدولة وغياب التنسيق بينها وتراجع فاعلية السلطات، مقابل استعراض دعائي من سعيّد دون نتائج حقيقية، ما ينذر بتغير في معادلات المشهد التونسي وانهيار التعاقد بين الرئيس والشعب، وضعف شرعيته، وكذا تصاعد الغضب الشعبي.
ولتسريع طي صفحة الإنقلابي قيس سعيّد، قال الكاتب والباحث التونسي جمال الطاهر، إن المعارضة أمام فرصة للتوحد، مشيرا إلى ضرورة تأسيس جبهة ديمقراطية موحدة تقوم على مبادئ الاعتراف المتبادل والحريات لإنهاء المسار الإنقلابي.