استخبارات إسبانيا تحذّر من تمدد الإرهاب في الساحل وتكشف تورط مقاتلين من البوليساريو في قيادة داعش والقاعدة

كشف جهاز الاستخبارات الإسباني عن معطيات صادمة بشأن تصاعد التهديدات الجهادية في منطقة الساحل الأطلسي، محذرا من تحولها إلى بؤرة خارجة عن السيطرة على مقربة من أوروبا، حيث أفاد تقرير سري أعدّه مركز الاستخبارات الوطني الإسباني (CNI)، ونقله موقع “NicolaPorro.it” عن صحيفة “La Vanguardia”، أن مقاتلين صحراويين متطرفين انضموا إلى صفوف تنظيمي القاعدة وداعش، مما ينذر بمرحلة أكثر تعقيدا في خريطة الإرهاب العالمي.
ويرصد التقرير وفق ذات الموقع، تطور الأزمة في ما يُعرف بـ”مثلث الساحل” الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي منطقة عُرفت منذ أكثر من عشر سنوات بأنها من بين أخطر البؤر في العالم، حيث تتصارع جماعات جهادية مع حكومات تعاني من الضعف والانقسام، كما يشير التقرير إلى أن أفرادا منحدرين من مخيمات تندوف بالجزائر، من بينهم مستفيدون سابقون من برنامج “عطلات السلام” الإسباني، صعدوا إلى مناصب قيادية داخل التنظيمات الإرهابية، مستغلين إقامتهم السابقة في إسبانيا وإتقانهم للغتها وثقافتها.
وبحسب ما أفاد به موقع “NicolaPorro.it” نقلا عن مصادر استخباراتية إسبانية، فإن بعض هؤلاء المقاتلين الذين ربطتهم سابقا علاقات بأسر إسبانية، باتوا يشغلون مناصب تنفيذية في التنظيمات الجهادية، ما يجعلهم قادرين على التحرك بسهولة داخل أوروبا. ويركز التقرير على جماعتين أساسيتين هما جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة، والتي تسعى للتوسع باتجاه شمال إفريقيا، وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، المعروف بتطرفه وبارتفاع نسبة الصحراويين في صفوفه القيادية.
وتشير الوقائع الميدانية، وفق ما نشره الموقع، إلى تصعيد خطير تزامن مع عيد الأضحى، حيث شهدت مناطق في جنوب مالي وشمال بوركينا فاسو موجة هجمات دموية أسفرت عن مقتل أكثر من 400 جندي مالي. ويتزعم الهجمات المتطرف إياد أغ غالي، الذي يقود أكثر من 6000 مقاتل، ويعتمد استراتيجية ترتكز على السيطرة على المناطق الريفية تمهيدا للزحف نحو العواصم، مستلهما نماذج سيطرة طالبان وداعش في مدن كبرى كسِرت دمشق وكابول.
وفي هذا الصدد، أبرز التقرير، وفقا لما أورده “NicolaPorro.it”، خطورة تنامي دور مخيمات اللاجئين في تندوف كحاضنة للتطرف. إذ تعاني المخيمات، التي تأوي نحو 90 ألف لاجئ تحت سيطرة جبهة البوليساريو وبعيدا عن رقابة الأمم المتحدة، من التهميش وفقدان الأمل، ما يجعلها بيئة خصبة لتجنيد العناصر الجهادية، من بين من خرجوا منها عدنان أبو الوليد الصحراوي، القائد السابق لداعش في الساحل، فضلا عن عناصر خطيرة من جماعات أخرى تم تفكيكها في إسبانيا.
ويربط التقرير أيضا بين تدهور الأوضاع السياسية في بلدان الساحل وبين تفاقم التهديد الإرهابي، مشيرا إلى اتهامات موجهة للجزائر بدعم الانفصاليين والجماعات المتطرفة. كما يوضح التقرير أنه رغم انسحاب مجموعة فاغنر، فإن موسكو تواصل تدخلها من خلال “الفيلق الإفريقي”، وهو تشكيل شبه عسكري جديد يسعى للسيطرة على الثروات الطبيعية، وعلى رأسها الذهب في مالي.
وسجل الموقع الإيطالي كذلك أن أوروبا تواجه ضغوطا متزايدة لا تقتصر على موجات الهجرة، بل تمتد إلى تهديد أمني متنامٍ، خصوصا في ظل إعادة تشكيل صفوف الجماعات الإرهابية، التي وإن كانت تعاني من ضعف داخلي مؤقت، فإنها قد تستخدم طرق الهجرة غير النظامية لاختراق الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.
ويُسلط التقرير الضوء على دور الفولانيين (Peul) الذين يشكلون النسبة الأكبر من مقاتلي التنظيمات الجهادية، ويتعرضون بدورهم لاستهداف متواصل يدفع الآلاف منهم إلى الفرار نحو موريتانيا، حيث يقع مخيم “إمبرا” الذي يستضيف أكثر من 200 ألف لاجئ في أوضاع إنسانية مأساوية. من هناك، تنطلق قوارب الصيد التقليدية نحو جزر الكناري، فيما يتصدر الماليون أعداد المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى الأرخبيل الإسباني خلال العام الأخير.
ويختتم التقرير، الذي نشره موقع “NicolaPorro.it”، بالإشارة إلى أن الساحل بات نقطة ارتكاز للإرهاب الدولي، حيث سُجّل في 2024 ما نسبته 19% من الهجمات الإرهابية في العالم، وأكثر من نصف الوفيات ذات الصلة. إذ فتح انهيار العلاقات بين الغرب والدول العسكرية في المنطقة الباب على مصراعيه أمام التنظيمات المتطرفة، التي وسّعت نشاطها نحو دول غرب إفريقيا الساحلية مثل السنغال وغانا وساحل العاج.
وليس هذا أول تحذير من تواطؤ جبهة البوليساريو مع الإرهاب، فقد سبقتها تقارير من مؤسسات أمريكية، منها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) التي تحدثت عن دور الجبهة في تسهيل اختراق حزب الله وإيران لشمال إفريقيا، كما كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن وجود عشرات من مقاتلي البوليساريو في سجون سوريا بعدما حاربوا إلى جانب ميليشيات حزب الله. وفي يونيو، أكد مركز “المصلحة الوطنية” الأمريكي أن الجزائر تسهّل اختراق البوليساريو للعمق الساحلي.
في ضوء هذه المعطيات، يرى تقرير “NicolaPorro.it” أن على أجهزة الاستخبارات الأوروبية، خاصة الإيطالية، أن ترفع مستوى التنسيق مع شركاء موثوقين في المنطقة مثل المغرب، الذي يلعب دورا فعالا في محاربة الإرهاب ويملك حضورا دبلوماسيا فاعلا في الساحل، كما شدّد ذات المصدر على أن التعاون مع المغرب يُعد مفتاحا للحد من تداعيات التهديد الجهادي المتعاظم، مبرزا أن جبهة البوليساريو، في هذا السياق، لم تعد مجرّد حركة انفصالية، بل باتت عنصرا فاعلا في شبكة زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.





