الأخبارسياسةمستجدات

إفريقيا ترفع شعار”فرنسا ديكاج”: ماكرون ونخبته في قفص الاتهام..!

الخط :
إستمع للمقال

منذ وصول “امانويل ماكرون” الى السلطة، في سياق عملية «خيال سياسي» غير مسبوقة في فرنسا، أصبح شعار القارة الافريقية هو «ارحل»، التي رفعتها شعوب عديدة، ونخب كثيرة ضد باريس وتواجدها في ما كانت تسميه «محميتها الحضارية».
والجديد في القضية، ليس هو فقط، تزايد عدد الدول التي تطرد فرنسا شر طردة من ترابها، وآخرها بوركينا فاسو التي أمهلت قوات فرنسا مدة شهر لمغادرة البلاد، بل هو أيضا الصدى الواسع الذي لقيته هذه الدعوة، في صفوف الخبراء والمحللين والاعلام الفرنسي .. وهو صدى يحمِّل المسؤولية ـ ضمنا أوصراحة ـ للرئيس ماكرون ويفسر عجزه عن تدبير علاقات تاريخية …
منابر كثيرة محسوبة على اليمين التقليدي أو اليمين الجديد من قبيل أسبوعية«لوبوان« أو الفيغارو، اللسان غير الرسمي لحزب ماكرون «النهضة»، تناسلت فيها المقالات التي تعري الأبوية الفرنسية إزاء افريقيا، مما ضاعف من النفور الأسمر من التواجد الفرنسي.

وأول ملاحظة يمكن الخروج بها هو الاتفاق على أن فرنسا غير مرغوب فيها، prsona non grata باللغة الديبلوماسية، بل أن عناوين الصحافة اجتمعت على التعبير نفسه.. فقد كتبت «لوبوان» في افتتاحية نشرتها على موقعها الإلكتروني «لماذا إفريقيا تجافي فرنسا»، وهو صدى لمقال في الفيغارو ليوم 24 يناير ، حيث كان عنوان مقالها«فرنسا في افريقيا …. لماذا كل هذا الحقد؟»..

ليس عفوَ خاطرٍ أن المنافسين الأساسيين في القارة قد خرجوا بانطباع أن «امانويل ماكرون»، رجل «غير نزيه، ولا يمكن بناء علاقات ثقة ومستقبل معه»، ، كما هو الأمر مع الرئيس التركي الطيب اردوغان، فهذا قد يعتبره البعض من تحصيل الحاصل، لكن الذي لم يكن يتوقع هو أن تُقام محاكمة للرئيس الفرنسي، على ما سمته «لوبوان» بالابوية المقيتة والنزعة المصلحية الضيقة…

أول الملاحظة التي يخرج بها القاريء والمتتبع للكتابات ذات الصلة بالموضوع هو :

1 شبه الاجماع الحاصل حول «غياب سياسة» واعية ومسؤولة فرنسية تخص افريقيا،. وهو أمر غريب بعض الشيء عن دولة بدأت هيمنتها على القارة مند القرن السابع عشر، وتعود بدايات تواجدها الى 1624 مع الشروع في إنشاء مراكزها التجارية في السينغال..

وهذا البلد الذي قال أول رئيس له بعد الاستقلال «ليوبولد سيدار سنغور» أن الحل الامثل للسينغال هو المحافظة على موقعها داخل الامبراطورية الفرنسية، هي التي بدأ بها الكاتب والصحافي ستيفان سميت، مقاله عن فرنسا في افريقيا .

وفي مقدمته يعود أستاذ الدراسات الافريقية في جامعة ديوك«DUKE الامريكية، الى مشاهد مفارِقة في شوارع دكار، عاصمة السنغال ما بين مونديال 2018 و2022 حيث يقول :« خلال كأس العالم 2018 ، كان الانصار المتحمسون يغزون شوارع دكار في كل مرة كان «الزرق» يحققون فوزا الى أن تم تتويجهم. أما في نهاية السنة الماضية (مونديال قطر ) فقد كان الامر مختلفا للغاية ففي كل مباراة للمنتخب الفرنسي كان الصمت المخيف يُطْبق على العاصمة، كما ان الشاشة الكبيرة كانت تجلب قليلا جدا من المشاهدين في حين تم التعبير عن الفرح بخسارة المنتخب للنهائيات».. وهو وما جعل احد المعلقين الفرنسيين يصرح للكاتب : «من حسن حظنا أننا لم نلتق بأسود الاطلس»..

2 ـ الموقف الصريح الذي يصدر اليوم عن الشعوب والنخب والذي مثلت بوركينا فاسو تعبيره الأخير، كما خرج السينغاليون إبان الاحداث التي هزت العاصمة في مارس 2021 ، فتم الهجوم على رموز الدولة الاقتصادية، (أوشان وطوطال واورانج الخ) ، كما طُليت الجدران بعيارات «فرنسا ديكاج» France dégage! لم تنفع جهود الحكومة السينغالية في مسحها كلها لكثرتها..

3 ـ العجز الفرنسي لدى نخبة ماكرون، عن الانتباه الى الحجم الكبير للرفض والصد الافريقيين لفرنسا، كما كتب ستيفان سميت. واول شجرة أخفت بها فرنسا الغابة كانت هي ما سمَّتْه بالحرب على الارهاب، حيث «قضت 10 سنوات بدون أن تنجح في ذلك في مالي والنيجر وبوركينا فاسو موخرا«.. وفي كل مراحل العُشرية التي مضت «كانت دولة صديقة تتحول الى زبون غير راض تستقطبه القوة الروسية»..
وبالنسنة لأسبوعية «لوبوان» ويومية «الفيغارو»، فالامر احتاج الى عبارات قاسية ضد ايمانويل ماكرون لاستخلاص العبر ، عندما كتبتا أن فرنسا استخدمت تدخلها في منطقة الساحل لتعزيز صورتها الدولية، والترويج لأداتها العسكرية، وللظهور بمظهر بطلة في مكافحة الإرهاب لكن القوة الاستعمارية السابقة اعطت انطباعا بأن الأحداث في إفريقيا تجاوزتها..!
ـ ازدياد العنف الجهادي في القارة بنسبة 300 ٪ خلال عقد من الزمن  في 
ـ عجز الجيش الفرنسي أجج إحباط السكان الذين انقلبوا عليه، و بدأ ينظر إليهم الآن على أنهم غزاة …
ـ عجز ماكرون عن تحقيق ما سبقه اليه سلفه «فرانسوا هولاند» في مالي عندما استطاع محاصرة الجهادين في شمال مالي 

4 ـ لم يعد بمقدور فرنسا نفسها «ان توثر في مجرى الاحداث، في قارةٍ افريقية كانت تضم 280 مليون نسمة عندما استقلت ، وهو رقم اقل بـ5 مرات عن عدد السكان الحالي. والمفارقة في لمحاولة الفرنسية ، حسب الفيغارو هو أن ماكرون يطلب من الجيش الفرنسي الابتعاد عن الظهور البارز حتى« لا يقوم باشهار سيء للتواجد الفرنسي » و في القوت ذاته يطالب بعض «الفرانكو ـ افارقة» النشاط في الوسائط الاجتماعية من اجل تجديد الشبكات التواصلي» لتلميع صورة بلاده…
ولعل عنصر الازمة البارزة في المحاولة الباريزية الجديدة هي أنها تعيد الى الذاكرة « تشوها وراثيا » يتمثل في «تعاقد مابعد الاستعمار ( أو فرانسافريقيا) التي كان سلف ماكرون والنخبة الافريقية قد أعلنا دفنه ..

إن من مظاهر العجز في الوعي الباريسي هو أنه ما زال يعتقد بأن «القادة الافارقة عاجزون عن بناء مستقبل بلدانهم بدون وصاية من فرنسا ». والحال أن الشعوب والنخب « لم تعدْ تعرف فرنسا ولا تريد أن تعرفها كما تريدها باريس أن تفهمها» ، واذا كان الافارقة قد تعبوا من فرنسا، فلأنهم لم يعودوا يعرفونها ، إلا اذا اقتضى الامر … طردها» كما كتبت الفيغارو.
إن العقدة المتعالية الموروثة عن الاستعمار لم تستسغ أن «ينضج» الافارقة ويتحلَّقوا حول شعار«افريقيا للافارقة» الذي رفعه المغرب في قمم عديدة وتبنته النخب الافريقية وصار شعارا« يحشد الجماهير عبر دول الساحل الإفريقي، في حين تظل فرنسا ضحية غرورها المطلق »..
ومن حسن حظ ماكرون أن هناك فرنسيين صناع رأي ومواقف يفكرون بعقلانية الأنوار وبمصلحة فرنسا ذاتها، وينبهون الإليزيه و«الكي دورسيه»، إلى أن هذه المصلحة لن تتم على حساب بلدان وشعوب القارة السمراء وضدا على استقلالية قرارها وسيادتها ومستقبل أبنائها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى