الاحتجاجات بالمغرب.. من يُصدر التعليمات ويفرق المظاهرات وفق الإجراءات المعمول بها بالمغرب؟

في خضمّ النقاش الدائر حول تفريق المظاهرات التي يشهدها المغرب في إطار ما بات يُعرف باحتجاجات “جيل Z”، تبرز حاجة ملحّة لتوضيح الإطار القانوني والمؤسساتي الذي يؤطر كيفية التعامل مع مختلف أشكال التعبير الاحتجاجي في الفضاء العام، ومن هي الجهة المسؤولة مباشرة عن إصدار التعليمات الخاصة بتدبيرها وضبطها.
وهكذا، فوفقا للإجراءات المعمول بها في بلدنا، فإن تنظيم الاحتجاجات والوقفات والمسيرات السلمية يخضع لمقتضيات الظهير الشريف المنظم للتجمعات العمومية، الذي ينصّ بوضوح على ضرورة إشعار السلطات الإدارية المحلية الممثلة في الولاة والعمال والباشوات والقياد، قبل تنظيم أي تجمّع أو مسيرة أو وقفة في الشارع العام، حيث تقتصر هنا مهمة المنظمين على الإخبار المسبق وهو ما يمكن أن تتجاوب معه السلطات المحلية بالرفض أو القبول حسب قراءتها لظروف وحيثيات ونوعيات الاحتجاجات، وهنا يمكن أن تحدث عن التجمعات المرخص وغير المرخص لها.
ومن ثَمَّ، فإنّ الجهة المخوَّل لها قانونًا بإعطاء التعليمات للتعامل مع الاحتجاجات والتجمعات هي وزارة الداخلية في شخص ممثليها الترابيين، أي الولاة والعمال، وفي المستويات الأدنى الباشوات والقياد، باعتبارهم المسؤولين عن تدبير الملك العام داخل دوائر نفوذهم. وهؤلاء يُصدرون التعليمات والتوجيهات إلى الأجهزة الأمنية الميدانية، بما في ذلك الشرطة والدرك الملكي والقوات المساعدة، لضمان احترام القانون والحفاظ على النظام العام، سواء عبر تأمين الاحتجاجات المرخص لها، أو تدخّلها لتفريق التجمعات غير القانونية بالأساليب والوسائل التي تصدر بخصوصها التعليمات.
وانطلاقا من هذه الزاوية، فإن مسؤوليات الضبط بخصوص الاحتجاج داخل المجال الحضري أو القروي تظل إجراءاتها مرتبطة بشكل مباشر بوزارة الداخلية، وبما يمكن أن يحدثه المسؤولون الترابيون من لجان أمنية لليقظة والمتابعة تتكون في الغالب من مختلف الأجهزة الأمنية والوقائية، التي تتولى أيضا إخبار المسؤولين المركزيين عبر تقارير حول مجريات الأمور.
وعلى المستوى المركزي فإن لجنة أمنية وطنية تضطر للاجتماع عند الضرورة للتشاور والتنسيق وتقديم التصورات، وهي اللجنة التي غالبا ما تستدعيها أيضا وزارة الداخلية، وغالبا ما تتكون بشكل أساسي من وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني وقائد الدرك الملكي وقادة القوات المساعدة، وتتولى وزارة الداخلية تعميم توجيهاتها إلى الولاة والعمال، كما تتولى، عن طريق متحدث باسمها، إخبار الرأي العام بمجريات الأمور.
ويُستشفّ من هذا الإطار دور ومسؤولية وزارة الداخلية التي تبقى الجهة الرئيسية والمحورية لتتبع وتقييم وضبط الأجواء الميدانية داخل وخارج المجال الحضري، وفي ظل هذا الواقع، يبرز تحدٍّ يجب التنبيه إليه بشدة، ويتمثّل في ضرورة الرفع من كفاءة الولاة والعمال ورجال السلطة في مجال التدبير الأمني والسلطوي في مجال تدبير الأزمات وإعطاء التعليمات الصائبة لتفريق الاحتجاجات بعيدا عن التدخلات المعيبة التي تسيء أحيانا للأساليب المتبعة في معالجة بعض التظاهرات، بل تؤدي أحيانا إلى انزلاقات وانفلاتات كان من الممكن تفاديها، وبالتالي، فلا يكفي أن يكون المسؤول الترابي ذا تكوين علمي عالي فحسب (مهندس، أستاذ جامعي، طبيب، إطار إداري…) ليكتسب القدرة على تدبير أزمات مركبة ومعقدة أحيانا، بل من الضروري إخضاعه لتكوينات عملية وتوجيهات مستمرة ليكون في مستوى بعض التحديات، ويكون قادرا على التعامل مع الأزمات والاحتجاجات وضبط الشارع العام بالحكمة والحنكة اللازمتين. وهنا تجب الإشارة الى الوضع الحرج الذي يكون عليه بعض المسؤولين الجدد بالرغم من تعدد المساعدين في محيطه الإداري والسلطوي، خاصة أمام الظروف المفاجئة التي تستدعي التدبير العاجل وتهدئة الأوضاع.





