الاستبداد الجزائري.. يفضح النفاق الفرنسي – برلمان.كوم

استمعوا لبرلمان راديو

10:00 - 4 يناير 2023

الاستبداد الجزائري.. يفضح النفاق الفرنسي

بقلم : أبو علي

يفضح الاستبداد المتصاعد في الجارة الشرقية، خصوصا حملات استهداف الصحافيين وتطويع قوانين الإرهاب لمحاكمة “الحراكيين”، (يفضح) النفاق الفرنسي المتغلغل في الصالونات الرسمية وفي أعمدة الجرائد الصحافية المقربة من قصر الإيليزيه.

ويكاد يسيل الغاز الجزائري من ثنايا معظم القرارات الرسمية الفرنسية الأخيرة التي تتناول قضايا حقوق الإنسان بالمستعمرة القديمة، بل ما انفكت رائحة المحروقات الجزائرية تزكم أنف كل من يطالع التقارير الإعلامية والافتتاحيات الأخيرة التي تفردها الصحافة الفرنسية لقضايا الجزائر.

وهذه المزاوجة بين براغماتية الفرنسيين، وحيوية الغاز الجزائري في ظل أزمة البرد والطاقة التي تعصف بأوروبا حاليا، وكذا قابلية الفرنسيين لتلطيف مواقفهم حسب الظروف والحاجة، أخذت مؤخرا أبعادًا جديدة وتجلت في مظاهر “نفاق” صارخ، جعلت فرنسا الرسمية تغمض أعينها عن “الاستبداد الجزائري”، ودفعتها للإيعاز لصحافتها المقربة من أجل التعامل “الانتقائي” مع قضايا حقوق الإنسان التي ترزح تحت نير نظام عبد المجيد تبون.

ولئن كانت جريدة لوفيغارو الفرنسية قد اختارت الارتماء في براثن الدعاية السمجة للرئيس الجزائري في حوار صحافي مفصل على هوى قصر المرادية، حيث اقتصر دور الصحافي الفرنسي على ترديد ما يتماهى مع أجوبة عبد المجيد تبون، فإن جريدة لوموند التي أصبحت مؤخرا ناطقة بلسان إمانويل ماكرون آثرت أن تلعب دور “المدح في صيغة الذم”.

فجريدة لوموند، التي تم انتدابها منذ أشهر قليلة لنشر وتسريب “الابتزاز الفرنسي للجزائر في قضية إنكار إيمانويل ماكرون لوجود أمة جزائرية”، أفردت مؤخرا افتتاحية موغلة في السطحية لقضية اعتقال الصحافي الجزائري إحسان القاضي وإيداعه في السجن بتهم جنائية عبثية.

فالمتمعن في هذه الافتتاحية يخرج بقناعة راسخة مؤداها أن الكاتب، ومن يهمس في أذنه من داخل الصالونات الرسمية، سقطا معا في امتحان التوفيق بين حرية الصحافة التي تنادي بها فرنسا، وبين حاجة فرنسا الرسمية للمحروقات الجزائرية. بل إن هذه الافتتاحية فضحت نفاق شعارات “الحرية والاستقلالية والموضوعية”، التي تنثرها الصحافة الفرنسية التي باتت ترتجف مؤخرا بسبب أزمات البرد المستفحلة.

ومن المفارقات الغريبة أيضا، أن جريدة لوموند لم تعالج قضية اعتقال الصحافي الشهير إحسان القاضي بسطحية مفضوحة فقط، متجاهلة بذلك تشميع وإعدام منبر إعلامي كان ينطق بلسان حال الحراك الشعبي، وإنما تعاملت مع هذا الاعتقال بانتقائية مكشوفة ومبتورة من السياق العام، وكأنها حالة معزولة واستثناء وحيد في ظل الاستبداد الجزائري.

فهذه الافتتاحية التي تلهج بلسان جريدة “لوموند” وامتداداتها داخل الأوساط الفرنسية الرسمية، تجاهلت الحديث عن السياق الحقوقي العام داخل الجزائر، حيث أصبحت تهمة الإرهاب هي “تهمة من لا تهمة له”، وحيث أصبح مركز عنتر التابع للمديرية العامة للأمن الداخلي يضج بالمعتقلين السياسيين بدون تهمة، حتى أن المحامي الجزائري المنفي في كندا سفيان اشويطر كتب مؤخرا في إحدى تدويناته “الجزائر الجديدة: نعتقلك، ونحتجزك، ومن بعد نبحث إذا ما كاش ارتكبت شيئا ما يجرمه القانون”.

ولعل هذا النفاق الفرنسي هو الذي دفع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى التساؤل عن مآل الموضوعية التي تتدثر بها وسائل الإعلام الفرنسية، وإلى التذكير كذلك بأن اعتقال إحسان القاضي هو واحد فقط من ضمن جيش عرمرم من المعتقلين السياسيين الذين يرزحون حاليا في سجون نظام تبون، التي هرعت للأسف الشديد جريدة لوفيغارو الفرنسية لتحسين صورته المخدوشة في الداخل والخارج.

وإذا كان في رحم كل أزمة فرصة، كما يقال، فإن فرصة الفرنسيين في ظل أزمات أوروبا الجديدة هي مهادنة الجزائر والسكوت عن استبدادها الحقوقي، مقابل زيادة حصصها من الغاز لتحريك عجلة الاقتصاد المتعثر وتدفئة أجساد الفرنسيين، ولو كان ذلك على حساب مطالب الحرية التي أرساها فلاسفة عصر الأنوار.

اترك تعليقا :
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *