

ندد برلمان المملكة المغربية بمجلسيه -في بيان خجول صادر عنهما هذا اليوم- بالحملة التي تتعرض لها المملكة، والتي برزت بشكل واضح في تصويت البرلمان الأوروبي على توصية بتاريخ 19 يناير 2023.
والغريب في البيان الإنشائي الصادر عن البرلمان المغربي ان الذي صاغه ظل – ربما – يتقلب ذات الشمال وذات اليمين ليعبر عن مشاعر الحسرة والأسى والألم التي أصابت البرلمان المغربي بكل مكوناته، فقال إن برلماننا “لم يخف اندهاشه وامتعاضه من هذه التوصية، التي أجهزت -ياسلام- على منسوب الثقة بين المؤسستين التشريعيتين المغربية والأوروبية، ومست في الصميم بالتراكمات الإيجابية التي استغرق إنجازها عدة قرون، عفوا عقود”.
وحتى وإن لم يصرح البيان بهذه التراكمات “الإيجابية” فإن الواقع يتحدث عن السفريات والمهمات وتوقيع المذكرات والاتفاقيات والعهود والمواثيق، التي كانت نتيجتها هي هذه الحصيلة المؤلمة، التي صوت فيها منتخبو برلمانهم ب356 من ضمن 430 كانت حاضرة في المجلس.
نعم لقد أعرب البرلمان المغربي عن أسفه، كما عبر أيضا، “بكل مكوناته وأطيافه السياسية، عن خيبة أمله إزاء الموقف السلبي، والدور غير البناء الذي لعبته، خلال المناقشات في البرلمان الأوروبي والمشاورات بشأن مشروع التوصية المعادية لبلادنا، بعض المجموعات السياسية المنتمية لبلد يعتبر شريكا تاريخيا للمغرب”.
لكن برلماننا المتردد لم يجرؤ بكل هذه الأطياف والمكونات السياسية عن الإفصاح عن اسم البلد أو الشريك التاريخي للمغرب، الذي تنتمي إليه تلك المجموعات السياسية، يعني أن البرلمان المغربي بكل حجمه لم يكتسب الشجاعة ليصرح في بيانه باسم الدولة الفرنسية، التي أصبحت هي وإعلامها يكنان العداء المكشوف للمغرب.
وظل البرلمان المغربي يتوجع في بيانه، ويئن بمداده المعبر عن والخطب الفواهة التي صدح بها ممثلو الفرق البرلمانية في جلسته إلى أن خلص إلى هذه العبارة الأنيقة: ” ويأسف لتلك المواقف والممارسات التي لا علاقة لها بالصدق والإخلاص اللذين تقتضيهما روح الشراكة”.
وحتى لا يظل البرلمان الأوروبي هائما في غيه، وسابحا في مغالطاته، فإن البرلمان المغربي “اليقظ”، ذكره بكل واقعية بمن يكون، وبأنه “يُعد فاعلا أساسيا في العديد من المنظمات البرلمانية والإقليمية والجهوية والدولية، ويتمتعُ بصفةِ العضوية فيها..”لأن هذه المؤسسة الأوروبية لو كانت تعلم بهذا الحضور، وتدرك هذا الفعل والفعالية الموازية، لما تجرأت و” تجاوزت اختصاصاتِها وتجرأت على دولة ذات سيادة ومؤسساتها وتدخلت في شؤونها الداخلية، بل تَلْتَزِم باحترام استقلالها وترسيخ الثقة المؤسساتية المشتركة”.
وهنا يجب أن نسجل شجاعة برلماننا الذي كشف بالعد والتعداد حجم حضوره في المنظمات البرلمانية، لأنه لو لم يكن بهذا الحضور لكانت نتيجة التصويت فظيعة ولشارك فيها المواطنون المارون في الشارع من أمام بوابة البرلمان الأوروبي…
ومن أوجه البسالة “باللغة العربية وليست الدارجة” والشجاعة لدى برلماننا الصنديد أنه استجمع قواه بسرعة، بل كل قواه، ليسجلها مدوية في تاريخ المواقف البرلمانية بقرار له ما قبله وما بعده: “وتأسيسا على ما سبق قرر البرلمان المغربي بمجلسيه، ابتداءً من اليوم إعادةَ النظر في علاقاته مع البرلمان الأوروبي وإخضاعِها لتقييمٍ شاملٍ لاتخاذ القرارات المناسبة والحازمة، وتَبْليغَ رئاسةِ البرلمان الأوروبي بمحضر هذه الجلسة…” “بشاااخ” على قوة وشجاعة هذا البرلمان: فقد قرر أن يفكر ثم يفكر كي يفكر في التفكير في اتخاذ قرار حازم ومناسب ..لكن بعد ماذا؟ بعد إخضاع علاقاته مع البرلمان الأوروبي إلى تقييم شامل…
آه كم لم يعان البرلمان الأوروبي في توجيه إدانته المتطاولة للمغرب، وآه كم يعاني اليوم برلماننا قبل أن يتخذ قرارا حازماو متأخرا، لما يتطلبه الأمر من تقييمات شاملة “للخسائر التي ستنتج عن هذه القرارات ولعلها طبعا مجموعة من الرحلات والسفريات والمهام والتعويضات والفنادق والمطاعم والاستقبالات والتعويضات بالعملة الحنونة والمشتريات والمقتنيات والهدايا… والله إن التكلفة تبدو كثيرة والخسائر جمة، وصدق الله العظيم الذي يقول في كتابه الكريم: “إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ…”صدق الله العظيم.
ففكروا يا أعزائنا البرلمانيين وقدروا ثم انظروا ودبروا، واعبسوا وادبروا واستكبروا، لأنه يبدو أن أكثر من نصف مجلسكم لا يعرف صلاحيات البرلمان الأوروبي، ولا يفرق بينه وبين الاتحاد الأوروبي، ولا يستوعب مهام اللجان والهياكل العاملة بالمؤسسات المنبرية أو المنتخبة أو التنفيذية في أوروبا. فالكثير من نوابنا ومستشارينا ما يزالون في طور مصارعة الأمية اللغوية، فكيف يا ترى بالأمية المعرفية، والشغل الشاغل عند الكثير منهم هو تمكين أبنائهم، وحتى قططهم، من الكراسي البرلمانية أو المناصب السامية أو الصفقات العمومية.
لقد كان بإمكان البرلمان المغربي أن يصوت بالإدانة على العنف الذي يمارسه البوليس الفرنسي ضد السترات الصفراء والمحتجين في شوارع باريس، وكان بإمكانه أن يصوت بالإجماع ضد سلوكيات المخزن الفرنسي المنتمي للدولة العميقة الموجهة لنصب العداء للمغرب، وكيل الاتهامات تلو الاتهامات له، وكان بإمكانه أن يصوت على بداية التخلص التدريجي من اللغة الفرنسية في المغرب، وكان بإمكانه أن يصوت على التعجيل بتوقيف الاتفاقيات المبرمة مع الشركات الفرنسية في مجال التدبير المفوض… واللائحة طويلة.
وخلاصة الأمر فإن بيان البرلمان الصادر هذا اليوم، لا يشرف مكانة المملكة المغربية، وليس يماثل حجم التصويت الأوروبي، ولا يمكن أن يشفي غليل المواطن المغربي.. لك الله يا وطني.