اخبار المغربسياسةمستجدات

الثقة في المغرب المستقر: استثمارات عالمية كبرى في محيط إقليمي مضطرب

الخط :
إستمع للمقال

ترأس الملك محمد السادس، اليوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 بالنواصر، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، حفل تقديم وإطلاق أشغال إنجاز المركب الصناعي لمحركات الطائرات، التابع لمجموعة “سافران”، المشروع المهيكل الذي يعزز مكانة المغرب كقطب استراتيجي عالمي لصناعة الطيران.

وسيضم هذا المركب، الذي ستحتضنه المنصة الصناعية المندمجة المخصصة لمهن الطيران والفضاء “ميدبارك” بالنواصر، مصنعا لتجميع واختبار محركات الطائرات لمجموعة “سافران”، وآخر مخصص لأنشطة صيانة وإصلاح محركات الطائرات من الجيل الجديد LEAP.

وبفضل الإرادة الملكية، أصبح المغرب منذ سنوات وجهة استثمارية مفضلة لدى كبريات الشركات العالمية، بفضل استقراره السياسي ومناخه الاقتصادي المتوازن، وبفضل كذلك الرؤية الملكية التي أرست أسس دولة المؤسسات الحديثة القائمة على الانفتاح، والاستباقية في الإصلاح، وضمان الأمن والاستقرار. هذا المسار جعل المغرب يتفرد في محيطه الإقليمي باعتباره البلد الأكثر استقراراً في شمال إفريقيا، وهو ما انعكس بشكل مباشر على حجم الاستثمارات الأجنبية التي باتت تتدفق بثقة نحو المملكة من مختلف القارات، سواء من القوى الكبرى أو من الدول الصاعدة الباحثة عن فضاء آمن ومربح لتوسيع أنشطتها.

ولعل ما يتبث ذلك، هو ما كشفه تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) لسنة 2024، عندما أشار إلى أن صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المغرب بلغ حوالي مليار دولار خلال سنة 2023، فيما بلغ المخزون الإجمالي للاستثمارات الأجنبية ما يناهز 69.3 مليار دولار، وهو رقم يعكس استمرار الثقة في الاقتصاد المغربي رغم الظرفية العالمية المعقدة.

كما أن المعطيات الصادرة عن مكتب الصرف تؤكد أن عائدات الاستثمارات الأجنبية عرفت ارتفاعاً بنسبة 24.7 في المائة خلال سنة 2024 لتصل إلى 43.19 مليار درهم، مقابل 34.62 مليار درهم في السنة التي سبقتها، بينما ارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي بنسبة 55.4 في المائة، منتقلاً من 11.09 إلى 17.23 مليار درهم، وهي مؤشرات تؤكد أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح، وأن الثقة التي يحظى بها من قبل المستثمرين تتعمق سنة بعد أخرى.

هذه الأرقام ليست مجرد معطيات مالية، بل هي شهادة دولية على فعالية السياسة الاقتصادية للمغرب، وعلى قوة المؤسسات التي تواكب التحولات وتضمن الاستقرار التشريعي والتنظيمي، فالمملكة تصدرت مؤشر الجاذبية والاستقرار في القارة الإفريقية لسنة 2024 بحصولها على 77.45 نقطة في الجاذبية و76.04 في الاستقرار، متفوقة على باقي دول شمال إفريقيا التي تعاني من أزمات سياسية أو اجتماعية متكررة تحدّ من قدرتها على جذب الرساميل الأجنبية.

هذه الدينامية الاقتصادية ليست صدفة، بل نتيجة مسارٍ متدرجٍ نحو التصنيع المتقدم والابتكار، فالمغرب لم يعد مجرد بلدٍ يستورد التكنولوجيا، بل أصبح من الدول القليلة في إفريقيا التي دخلت فعليًا عالم الصناعات عالية القيمة، مثل صناعة أجزاء ومحركات الطائرات، وصناعة السيارات والسيارات الكهربائية، وصناعة الأدوية، والطاقات المتجددة، والرقمنة الصناعية، فاليوم تُصنّع في الدار البيضاء والنواصر ومكناس وطنجة مكونات دقيقة تُركّب في طائرات “إيرباص” و”بوينغ”، ومحركات سيارات تُصدَّر إلى أوروبا وأمريكا، وسيارات تصدر إلى دول عربية وإفريقية وأوروبية، وأدوية مغربية تُباع في أسواق إفريقية وأوروبية بفضل الجودة والمراقبة الصارمة، هذه الطفرة التصنيعية جعلت من المغرب مركزًا قارّيًا للتكنولوجيا والصناعة النظيفة، وأعطته مكانة متقدمة في سلاسل التوريد الدولية.

ولا يمكن فهم هذا التميز دون التوقف عند السياسة الملكية الرشيدة التي جعلت من الاستثمار رافعة أساسية للتنمية، فالمغرب بنى خلال العقدين الأخيرين منظومة قانونية متطورة لتشجيع المبادرة الخاصة، وأحدث مناطق صناعية ولوجيستيكية كبرى، وأطلق إصلاحات جبائية وإدارية قلّصت من تعقيدات المساطر ورفعت من تنافسية الاقتصاد الوطني، كما أنه استطاع أن يربط بين الاستقرار السياسي والأمني من جهة، والانفتاح الاقتصادي والتكنولوجي من جهة أخرى، في وقت ما تزال فيه العديد من الدول المجاورة تعاني من هشاشة مؤسساتها أو من ضبابية في الرؤية الاقتصادية.

وتكشف خريطة الاستثمارات في المغرب عن تنوع واضح في القطاعات المستقطبة، وتنوع في شركائه الاقتصاديين من الولايات المتحدة وفرنسا والإمارات وبريطانيا والهند إلى ألمانيا وإسبانيا ودول أخرى، مما يؤكد أن المغرب اختار تنويع مصادر الثقة، وتحرير قراره الاقتصادي من أي تبعية، مما يعكس نضج تجربته واستقلالية قراراته.

هذا التميز المغربي لا يمكن فصله عن البنية التحتية الحديثة التي راكمتها المملكة خلال السنوات الأخيرة، من موانئ ومطارات وشبكات طرق وقطارات فائقة السرعة، جعلت من المغرب بوابةً حقيقية لإفريقيا نحو أوروبا والعالم، كما أن قربه الجغرافي من القارة الأوروبية، وتوقيعه على عشرات اتفاقيات التبادل الحر، منحاه موقعاً استراتيجياً يؤهله ليكون منصةً صناعية وتصديرية رئيسية للشركات متعددة الجنسيات.

غير أن المغرب، رغم هذه الإنجازات، لا يتعامل مع النجاحات كغاية نهائية، بل كمرحلة ضمن مسار مستمر نحو تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، وتحسين مناخ الأعمال، وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، فالرهان اليوم لم يعد فقط على جلب الرساميل الأجنبية، بل أيضاً على ضمان استدامتها، وتشجيع نقل التكنولوجيا، وخلق مناصب الشغل ذات القيمة المضافة العالية.

فالمغرب استطاع إذن أن يثبت للعالم أنه بلد الثقة والاستقرار في منطقة تعصف بها الأزمات، وأن الملكية المغربية، الممتدة في التاريخ لأكثر من اثني عشر قرناً، تظل صمام الأمان وضمانة الاستمرارية في زمن التقلبات، وهو ما يجعل المملكة اليوم في موقع متقدم ضمن خريطة الاستثمارات العالمية، باعتبارها دولة تجمع بين العمق الإفريقي، والانتماء العربي، والانفتاح الأوروبي، وتؤكد يوماً بعد آخر أن الرهان على المغرب هو رهان على الاستقرار والمردودية معاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى