
صور الجو تعكس حجم الكارثة،
في ثلاث رحلات داخلية في المغرب أتيحت لي فرصة إلقاء نظرة من الجو على مناطق من المغرب، كانت إلى عهد قريب بها خضرة شبه عامة، والآن أصبح يأتيك الخوف منها بسبب الجفاف.
شجر أركان المعروف بتحمله قلة المطر والمقاومة الشديدة لعوامل الطقس إلى درجة أنها سميت الشجرة الصبورة، هزمها الجفاف أخيرا، وأصبح الماعز لا يطيق الرعي عليها نظرا لقساوة الشوك وانعدام أثر الماء في الغصون، منظر يعكس انكسار سلسلة التوازن البيئي. ويكفي لمعرفة قلة محصول زيت أركان أن ثمنه وصل 500 درهم إن وجد للتر الواحد.
كذلك منتوج النحل لعسل من أجود الأنواع عالميا وأعلاها قيمة غذائية قد قل بسبب هلاك صناديق النحل التي كانت منتشرة على امتداد جغرافية واسعة تشمل جزءا من سلسلة الأطلس الكبير، ومساحة مهمة من الأطلس الصغير ولا أتحدث عن الأطلس المتوسط الذي لازالت به باقية منه إن أحسن تدبيرها ورعايتها وحمايتها من كثافة المبيدات المستعملة بالضيعات الفلاحية المنغرسة هنا وهناك داخل غابات الاطلس المتوسط.
فعلا الجفاف عبر الصور بالأقمار الاصطناعية والتصوير بالطائرات يلقي بشبح مخيف وحجم كبير للتغيرات التي عرفها المغرب، ومن كان يتوقع ظهور صحراء كبيرة على أبواب مدينة الناظور.
الخطاب الملكي رشد وترشيد ورشاد،
ليس هناك استنزاف للكلمات، بل كل كلمة بحمولتها ومعناها، فقصدنا لكلمة الرشد في الماء أي قمة النضج والعقلانية في التعامل مع هذه المادة الحيوية الأساسية للحياة، ومقولة ظهرت الحضارات على ضفاف الأنهار لازالت قائمة إلى الآن، وبالتالي لابد من الرشد في تدبير الماء أي لابد من بلوغ وعي جماعي عام.
إن موضوع الماء يقتضي الجدية والشعور بالحياة المشتركة عبر هذه المادة الحيوية، وهناك كان النداء الملكي إلى ضمير المغاربة أن يستيقظ ويرشد في التعامل مع الموارد المائية بمسؤولية تامة، أما الفعل الرشيد فهو فعل زيادة على الرشد فيه قدر من النباهة والذكاء من خلال إبداع العقل لكل وسائل استعمال الماء سواء من خلال التحلية أو من خلال حمايتها من الضياع في الصحراء أو البحر، أو من خلال إنتاج وسائل فلاحية تقلل من الحاجة إلى الماء بنفس الجودة والمردودية. ويأتي الترشيد هو قمة خلاصة الحكامة في موضوع الماء فهذه المادة لها تكلفة وبالتالي لابد من أدائها وتحقيق عدالة مجالية فيها وخاصة العالم القروي الذي وصلت كما يقول المثل المغربي السكين إلى العظم في موضوع صرخة الماء والحاجة إليه لأن قلته أو انعدامه معناه هجرة كثيفة واختلالات ديمغرافية يتبعها إرهاق اجتماعي واقتصادي في قطاعات متعددة.
عبرة ودرس عشته أثناء رحلتي إلى إحدى مناطق المغرب
ارتحت نسبيا في شريط ساحلي جميل يعرف استثمارات سياحية ذكية، لأسباب سأعود لها لاحقا في مقال وسياق مناسب، وقد دفعني الفضول إلى زيارة معرض للمنتجات المحلية، وقد كنت زرته من قبل، وأردت شراء أشياء رمزية ومساهمة ولو بالقليل في دعم نساء المعرض، وهنا قيل لي الدخول مع الخامسة مساء لأننا نهيئ لاستقبال “شخصيات محلية” من أجل الافتتاح، وقلت لهم قد زرته البارحة والأصل أن يكون قد تم افتتاحه، فأخبروني أن الزمن الإداري اليوم هو الأنسب، واستنتجت أن هناك رمزية لدعم هذه الفئة المنتجة وهو أمر محمود وجميل ومغربي في رمزيته ورسائله، لكن الذي أثار انتباهي واستيائي وسخطي هو رش الطريق المؤدية إلى بوابة المعرض بشاحنات الماء الصالح للشرب، الطريق التي سيمر منها الوفد وتساءلت هل كل هذا حرصا على أحذيتهم ألا يمسها غبار الطريق؟ وذلك بعد خطاب العرش حول الماء، فإما واحد من ثلاثة:
الغباء وعدم الوعي بحجم الخطاب ومضامينه، أو الروتين في السلوك والأفعال ونسيت الناس أننا نودع زمن رش الأزقة والشوارع بالماء، أو النفاق الإداري فقد تعود مجموعة من البشر أن يقوموا بخدمات هي أسوأ الخدمات ومنها تبذير مادة حيوية لا زال الحديث عنها في غليانه.
والخلاصة وفي كل الأحوال، وجب التنبيه والتذكير والتحذير. حيث أنه ومن رسائل الخطاب الملكي لعيد العرش سنة 2024 المطوية بين ثناياه القدوة في العلاقة مع الماء، وأنه انتهى زمن ودخلنا زمنا يحتاج إلى رشد وترشيد ورشاد في مادة جعلها الله مفتاح الحياة وأصل الحياة، وطبعا استمراريتها.





