الأخبارربورطاجات

الجنس: بين ما قاله الله وما قاله الرجل

الخط :
إستمع للمقال

برلمان.كوم-سكينة ب

يعيش المجتمع المغربي ازمة الوقوع في مغالطات كثيرة، ومن اهم هذه المغالطات تلك التي تختص بالجانب الديني، فكثيرة هي الفتاوى والمواقف المختلف حولها في عديد من القضايا، والتي قد يدخل فيها كذلك جانب غرائبي لا علاقة له بهذا الفقيه او ذاك، وقد ينسب هذا الخلط الى ابتعاد الناس عن العلوم الشرعية، كما يمكن ان ينسب الى كون النص الديني توقف في محطة ما، تاركا للناس مهمة التشريع لأنفسهم، لاهمال الفقهاء او عجزهم او تحرجهم من قضايا معينة. نضيف الى ذلك كون المجتمعات الشرقية اليوم تعيش تضاربا مثقلا يتمثل في ترسيخها للسلوكات التحررية والحداثية المنسجمة مع روح شعوب قررت موقفها بخصوص ما يجب وما لا يجب، في حين لا زلنا كشرقيين مصرين على الوقوف على حبلين متوازيين لكن متباعدين هما: مظاهر الحرية الغربية وضوابط الدين، خصوصا فيما يتعلق بالحريات الجنسية.

المغربي بين المعيار والسلوك

يقول الدكتور عبد الصمد الديالمي عالم الاجتماع في حديث منشور على مدونته بخصوص وصول المجتمع المغربي الى مرحلة تناقض السلوك والمعيار: ” نظرية الانتقال الجنسي هي نظرية مهمة لا تسري على المغرب فحسب، بل على العلاقة بين الدين والجنس في التاريخ بشكل عام. نظرية تميز بين مراحل ثلاث. المرحلة الأولىمرحلة أبوية صرفة تتميز بمطابقة تامة بين المعايير الدينية والسلوكات الجنسية، معظم الممارسات والسلوكات الجنسية تنتظم وفق الدين في إطار الزواج، مع سيادة الرجل، وطابو البكارة… أما المرحلة الثانية فتتميز بكون المعايير الجنسية تظل دينية لكن السلوكات الجنسية تنتظم وفق مبادئ غير دينية، بمعنى أن الانسان يستمر في الاعتقاد أن الجنس قبل الزواج إثم، لكنه يمارسه انطلاقا من الضرورة وظروف العصر. هنا يحصل طلاق بين المعايير الجنسية والسلوكات الجنسية. أما المرحلة الثالثةفتتميز بعلمنة المعايير الجنسية وعلمنة السلوكات الجنسية، بمعنى أن الدين يفقد سلطته في تنظيم الحياة الجنسية العمومية لتنتظم تلك الحياة وفق مبادئ عقلانية تميز الدولة المدنية. في المرحلة الثالثة، تطابق بين المعايير الجنسية والسلوكات الجنسية، كلاهما معلمن، لكن لمن أراد أن يخضع جنسانيته للدين فله ذلك كفرد في حياته الخاصة. في الدولة المدنية، لا قوانين دينية كقوانين عمومية تؤسس النظام الديني كنظام عام”.

وتتجلى مظاهر المرحلة الثانية التي تشهد قطيعة بين السلوك والمعيار، كون عدد من المغاربة ولا مجال لتعيين ارقام في غياب دراسات واحصاءات، يلتزم بالاعتقاد بحرمانية الخمر والميسر والزنا والسفور، ومع ذلك يظل الاقبال شديدا عليها، فهل مرد هذا التردد، تردد الشباب المغربي في الانسلاخ عن موروثه ام حاجته الانية فقط لتلبية نداءات الرغبة؟

ان ازدواجية الشرقي “المغربي” خطيرة. خصوصا فيما يتعلق بالجنس، حيث ان الشاب يعتقد بحرمانية الجنس خارج مؤسسة الزواج ولا يرضاه لأخته وابنته وأمه، لكنه لا ينكر علاقاته الحميمة ويعتبرها ضرورة لا مفر له منها، كما يراها امرا عاديا “طبيعيا” في وسطه.

ويعتبر هذا الازدواج ظاهرة خطيرة في شتى القضايا، وعلى عدد من الأصعدة، لا القيمية او النفسية منها فقط، بل حتى على الصعيد المادي المحسوس، حيث ان حالة الازدواج تتسم بطابع الانية لكونها مثقلة على النفس، ضاغطة عليها، لذا يصير من المتوقع ان تكون لهذه الحالة نتائج حاسمة، تتمثل في الرجوع الى الالتزام بعادات الشرق ونصوصه الإلهية بصرامة مع حل الزواج او عدمه، او الاستمرار في تلبية الحاجة والخضوع لداعي الضرورة بعد اعتراف تراجيدي بالفشل على المستوى المجاهداتي.

وينتج عن ذلك بالضرورة، وعند عدد من الصادقين اختيار واضح، يفرض العيش على احدى الضفتين، لكن المثير هو ان اخرين يرفضون ذلك، ويجدون بدائل ملفتة.

التلاعب… كحل ذكوري وسط

لا مجال الى نسب المغالطات الدينية بخصوص الحقل الجنسي الى شيء اخر غير غياب الشجاعة في الطرح واللجوء من طرف افراد معينين الى خلق ساحات رمادية مربكة يعيشون في ظلها، مرضين بذلك داعي النفس ووازع الله على السواء. فالحديث عن زيجات بين شباب الجامعة عن طريق ما يعرف ب “الزواج العرفي” ليس الا تجليا لهذا الخلط، ولسنا هنا بصدد تضخيم القضية او قلبها لصفة الظاهرة، فهي تظل في حيز ضيق يجب التطرق له وعدم تجاهله قبل ان يصبح كائنا ضخما، أضخم من الظاهرة يوما ما.

اما عن هذا النوع من الزواج، فقد يلجأ له الشباب بدافع الحب او الشهوة او الحاجة، التي تفتقد الشرعية والمصداقية، لذلك فان غطاء الشاهدين والتوثيق على ورقة يتيمة وقراءة الفاتحة بصوت خافت قد يكون كافيا للبعض. لكن من يسأل عن مأل هذا الزواج، او طريقة التعامل معه في حالة قدوم أطفال غير مخطط لهم؟

هذا الزواج السري الذي يلقى رفض الاهل، ورفض الدين مع انه يتلون بألوانه، في غالبية الأوقات مأساوي النهايات، فهو ارتباط ناقص وغير جدي ومهدد، لكونه غير مريح ماديا لافتقاده الاستقرار وغير مريح نفسيا لافتقاده عناصر الشرعية كالإشهار والمهر وموافقة الولي، ومع ذلك فهناك من يلجأ اليه، كضرر أخف من الزنا، مع انه لا يختلف في عين المشرع عنه كثيرا، وبإمكان القارئ ان يضيف كذلك لقائمة التلاعبات الجنسية تلك، كلا من زواج المتعة وزواج المسيار وغيره من أنواع الزواج المشبوهة والمرفوضة بالخصوص داخل المجتمع المغربي.

التعدد المباح…ألا كفى بشرط العدل ناهرا !!!

ومن التلبيسات الغريبة والذكورية بامتياز كذلك في مجتمع شرقي ابيسي، يسعى لامتلاك امتيازات جنسية تفوق ما اهداه النص الالهي، قضية تعدد الزوجات التي يسعى فيها كثير من الرجال والمشايخ الى جلد كل لسان يقترب منها، في تشديد على كونها سنة كونية، واباحة من الله تعالى لهم، بل يفزعك توجه بعضهم الى وجوبها في مجتمع كثرت فيه العنوسة، ضاربين عرض الحائط شروط التعدد الشرعية وظروفه الإنسانية ومؤهلات مختاريه وقدراتهم. فلا تهم دوافع التعدد، ولا أهلية الشخص ولا الظروف الإنسانية في اسرته الأولى، المهم ان يتم الاهتمام برغبته وتكريس الرضا لنزعته في احتقار للزيجة الثانية وافراغها من أي محتوى انساني، لربطها الخالص بالجنس. اما عن مخاطر التعدد في حالات معينة مرتبطة بالمادة او شخصية المعدد او زوجته الأولى، فلا يتم التطرق لها الا فيما بعد، بعد ان تفكك الاسر او يضيع الأولاد او تنهار القيم وروابط المودة بين افراد العائلة، ولا نجرم هنا الرجل فقط، بل ان كثيرا من النساء الشرقيات ساهمن في هذا الانحطاط على مستوى العلاقات، بدعاوى ان زوجات النبي صبرن او ان عليا لم يعدد فقط لأنه ما كان له ليجمع بنت كافر مع بنت نبي، في اغفال تام لزوايا أخرى أوضح، ولصور مختلفة أقرب للعقل. فلم لا ينصت الناس لصوت العلم والعقل فيما يتعلق بالتعدد؟ ولم لا يخفضون أصوات ذكورتهم مقابل المنطق؟ ولم لا يعتبره الناس على الاقل كما وضعه النص، شيئا مباحا لكن على شاكلة “السهل الممتنع” المقيد بمبادئ حديدية؟ ألا كفى بشرط العدل ناهرا.

سبايا واماء القرن الحادي والعشرين…

وعن التلبيسات المؤسفة، ما يشهده العالم من مأساة خطف الفتيات النيجيريات، من طرف جماعة تدعي الانبراء للدفاع عن قيم الإسلام وتعاليمه، وتنبري لنشر علم الشرع وكلمة الله، معتبرين جهادهم على الضعفاء، وبيعهم لبنات المواطنين الاحرار، نوعا من الغنم في جهاد مقدس؟

وقد جاء على لسان أكثر من عالم دين معتبر، التساؤل نفسه حول امكانية تحدث العقلاء في القرن الحادي والعشرين عن السبايا، وقد وقعت المواثيق حول العالم، ومر زمان طويل على محاربة الدين الاسلامي للرق، حتى ما بقي عبد ولا امة بين الناس، فكيف يجاهد هؤلاء بدار اختلط فيها المسلم بالذمي ليسبوا ويغنموا. فمن الطبيعي إذا خاصة وعوام، ان نشعر بثغرة هائلة بيننا وبين هؤلاء حتى يظن أحدنا انه ليس على دين الاخر.

عن زواج القاصرات واثقال كاهل النبي

اما عن شبهة زواج القاصرات، فلا نافذة اكبر للسخرية من الإسلام والتشكيك في سلامة صحة اهله النفسية والجنسية اكبر من تلك، ففي حين يشعر الفقهاء بانهم أمناء على منهج النبوة وسيرته، فانهم يعكفون على تأكيد زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنوات، مهملين النظر في حيثيات الأمور وخصوصية النبي، وطبيعة النساء الصحراويات، وناسين ان الشرع لم يحدد للمرأة سن زواج وجعله مفتوحا، ليس في دعوة منه لاستغلالها جنسيا في أوقات مبكرة، وانما استيعابا للتنوع البشري وبالتالي ترك المسالة محل تفكير وتقرير ولي الامر، المظنون به رجاحة العقل وحنان القلب، وهذا الشمول يفسر اعتبار الإسلام لحقوق الارتباط متى ما استوفيت الشروط، فالأمر راجع لكل بيئة وكل ثقافة وكل بنت على حدة، كما ننبه أيضا الى ان الظلم ليس فقط تزويج بنت حاليا عمرها 6 سنوات لرجل عمره 60 سنة، فحتى زواج الثلاثينية والاربعينية من رجل مماثل، هو ظلم لها، لان شرط التكافؤ الذي دعت له كل الطوائف الفقهية يضم التكافؤ العمري الضائع في هذه الحالة، لذلك وجب الكف عن الدفاع عن زواج القاصرات او التظلم منه، وفصل السياق النبوي عن سياق هذا التوقيت المختلف.

العلماء…بين مطرقة الشبهات وسندان الشهوات

من هنا يتجلى دور العلماء الكبير في توعية المجتمع، المبتعد عن ضوء النصوص الدينية المفهومة والعقلانية، وانتشاله من بؤر الإفتاء المشبوهة، والاجتهاد على النصوص لسد حاجات الناس الفكرية، وكسر أكبر عدد من الانصاب الماثلة فوق رؤوسهم المنحنية.

الى جانب العمل على تكريس جهود جبارة داخل المجمعات الفقهية، للتفرغ لمشاكل الناس ومعضلات حياتهم، لفك رموز الشبه التي تحيرهم بمنهاج الكتاب والسنة، وسد أبواب الشهوات بدعوتهم للفضائل وحثهم بشكل أساسي الجهات المسؤولة على بذل البدائل وفتح الأبواب في وجوه الشباب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى