

هل ينتحل موقع الحياة اليومية هوية وصفة السجين محمد زيان، عندما ينشر مقالات تتضمن تصريحات ومزاعم منسوبة لهذا الأخير؟ أم أن محمد زيان يسرف في تخصيص الحيز الزمني الضيق، الذي تتيحه له الزيارات الأسبوعية المخصصة للسجناء، لمطالعة مستجدات الساحة الوطنية والدولية والرد على المؤسسات العمومية؟
مبدئيا، يبدو من غير المنطقي ولا الواقعي أن يكون السجين محمد زيان ينتظر حلول موعد الزيارات الدورية المخصصة لأفراد عائلته، ليشرع في استفسار زوجته أو نجله وأحفاده عن مآل قضية بيغاسوس، وتراشقات إغناسيو سامبريرو، وترهات علي لمرابط، أو تعقيبات عمر السغروشني رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
كما أنه من غير المستساغ، أن ينتظر محمد زيان حلول دوره في طابور السجناء الراغبين في إجراء مكالمات هاتفية مع أفراد أسرهم، وهو وقت قد يطول ويقصر بحسب عدد هؤلاء السجناء، وعندما يحين دوره يختار التواصل مع سيدة تدعى لبنى الفلاح، يختصها بالاتصال دون سواها من أفراد عائلته، لكي يناقش معها مخاتلات ومهاترات سمجة من قبيل: كم هو عدد الطوابق التي يتكون منها مقر البرلمان الأوروبي؟ أو يحاجج في هذا الاتصال تصريحات السيد عمر السغروشني بشأن مزاعم برنامج بيغاسوس!
فالمفروض أن محمد زيان هو سجين يخضع للقانون المطبق على المؤسسات الإصلاحية والعقابية! والمفروض كذلك أن اتصالات كل سجين، كيفما كان، مع العالم الخارجي تخضع لضوابط قانونية وتقييدات تنظيمية وإجراءات أمنية. وبالتالي، فإن الإمعان في نشر تصريحات منسوبة للسجين محمد زيان، خارج الإطار القانوني للسجون، يرجح أن هناك من يتقمص هوية هذا الأخير، ويلوك شوك السدرة بلسانه، بينما هو يقضي “مدة إعارته” لدى المندوب السامي للسجون وإعادة الإدماج بسجن تيفلت.
ولعل ما يعزز هذا الطرح ويعضده هو عندما ادعى موقع الحياة اليومية، بكثير من التجاسر وبقليل من الحياء، أن السجين محمد زيان يتحدى السيد عمر الشغروشني ومستعد لمناظرته أمام أية منصة إخبارية بشأن برمجية نظام بيغاسوس! وهنا يحق لنا أن نتساءل بشكل استنكاري: كيف لسجين يخضع لأحكام سلب الحرية وتقييدها أن يشارك في مناظرة مفتوحة خارج السجن؟ وكيف لشخص مدان أن يناظر مسؤولا عموميا؟
فالراجح أن من ينتحل صفة محمد زيان، ومن يستأجر لسانه من الباطن، إما أنه تعوزه النباهة ويفتقد للتمييز، لأن المنطق والقانون لا يسمحان أصلا لسجين بالتناظر خارج السجن، أو أنه ربما يتوسم في نفسه بأنه أذكى من الآخرين، لذلك فهو يحاول تصريف رسائل عبثية وينسبها لشخص “مرفوع عنه القلم حاليا” بسبب تقييد حريته داخل السجن.
فالمطلوب اليوم من النيابة العامة أن تفتح بحثا قضائيا للتحقق من فرضية انتحال البعض لهوية وصفة السجين محمد زيان واستخدامها بشكل تدليسي في نشر التراشقات الإعلامية وتعميم المحتويات الكيدية.
كما يفترض في المجلس الوطني للصحافة، المفروض فيه الحرص على احترام أخلاقيات المهنة، أن يستفسر موقع الحياة اليومية عن كيفية إجراء حوارات مزعومة مع سجين يقضي مدة محكوميته، خصوصا إذا كانت هذه الحوارات المفترضة تسيء لمؤسسات وطنية وتزايد عليها في قضية ذات بعد وطني ودولي.
كما يتوجب على المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في إطار الشفافية المطلوبة، أن تخرج عن صمتها وتوضح للرأي العام: كيف يتواصل السجين محمد زيان مع موقع الحياة اليومية؟ وكيف يجري معه حوارات صحفية؟ وبأية طريقة يتواصلان لمناقشة المستجدات الوطنية؟
فإذا كان ما يزعمه موقع الحياة اليومية صحيح، فإن الأمر سيكون ساعتها خطير ويشكل سابقة غير معهودة! فأن يجري سجين حوارا أسبوعيا مع موقع إخباري، فهذا يذكرنا نسبيا بالسجن الخاص الذي تعاقد من أجله بابلو إسكوبار مع حكومة بلاده في كولومبيا. كما يذكرنا كذلك بالفيديوهات التي كان يسربها باستمرار محمد حاجب وبوشتى الشارف وحسن الحطاب ومعتقلي السلفية الجهادية من سجن الزاكي في زمن ولى.
أكثر من ذلك، إذا صحت هذه المزاعم السريالية والبعيدة عن الواقع، فإننا نطالب بتعميم هذا الحق على جميع المعتقلين، وعدم حصره على محمد زيان وحده، بل يجب منح جميع المسجونين صلاحية إجراء حوارات صحفية، كما نطالب كذلك إدارة السجون بتعميم هذا “السبق” على جميع المنابر الإعلامية! إذ لا يعقل أن يحتكر موقع الحياة اليومية الحق في استجواب المسجونين، بينما تشهر في وجه باقي المنابر الإعلامية لائحة طويلة من المقتضيات القانونية التي تحظر مثل هذه الحوارات المزعومة.