الرسالة الملكية وأهل الفتن

جاء نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، لتجيب عن ملايين المغاربة في التعامل مع سنة مؤكدة سنة عيد الأضحى.
السياق والإطار
وضعت الرسالة الملكية السياق الشرعي في إطار مهام إمارة المؤمنين وما تستلزمه بالقيام بشروط الدين، فرائضه وسننه، عباداته ومعاملاته، وتؤكد الرسالة أن هذا من مقتضى ما من الله به على الأمة المغربية من التشبث بالأركان، والالتزام بالمؤكد من السنن، والاحتفال بأيام الله، التي منها عيد الأضحى، الذي سيحل بعد أقل من أربعة أشهر.
هذه المقدمة من الرسالة تقطع الطريق عن كل قول فيه مزايدة أو تحريف للهدف أو تشويش على الغايات والمقاصد الكبرى التي تحرص إمارة المومنين على القيام بها. مؤكدة على المعاني الروحية والثقافية والوجدانية المرتبطة بالسنة المؤكدة فهو وبناء على نص الرسالة”.
إن الاحتفال بهذا العيد ليس مجرد مناسبة عابرة، بل يحمل دلالات دينية قوية، تجسد عمق ارتباط رعايانا الأوفياء بمظاهر ديننا الحنيف وحرصهم على التقرب إلى الله عز وجل وعلى تقوية الروابط الاجتماعية والعائلية، من خلال هذه المناسبة الجليلة”.
رسالة تستبطن الأمن الغذائي
هناك معادلة اقتصادية واجتماعية تمثل جزءا من الأمن الغذائي للمغاربة، ورفعا للحرج والضرر، بحيث ستكون لو بقي أمر العيد مفتوحا لدخلنا زمن الكبش الأدنى بـ10 ألف درهم، مع ارتفاع أسعار اللحوم طيلة السنة، وبذلك سندخل بالتأكيد خانة الاستيراد الكثيف، وكيلة السنة، أمر فيه استنزاف للعملة الصعبة، ودعم للسماسرة والربح الجشع.
من هنا كان حرص إمارة المؤمنين على استحضار مجموعة من التحديات بسبب ما يواجه المغرب، من تحديات مناخية واقتصادية، كان من آثارها تراجع كبير في أعداد الماشية التي لا يختلف عليها اثنان ولا ينكرها إلا جاحد. وكان القرار الملكي به حكمة تجنب ما سيلحق في هذه الظروف الصعبة بفئات كبيرة من أبناء المغرب خاصة ذوي الدخل المحدود، ونعلم جميعا ما يترتب بعد أضحية العيد من مفاسد اجتماعية مثل الهدر المدرسي وبيع الأثاث، وتصل بعض الأسر للطلاق.
الرسالة للعقلاء
إذا كانت أمانة إمارة المومنين قد اعتمدت ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبها في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزاما بما ورد في قوله تعالى: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، واعتمادا على لغة الرقي في الخطاب والنبل في التعامل قد استعملت جملة “فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة”.
فإن أصحاب الفتن والتأويل الفاسد ذهبوا إلى أن الخطاب ترك الباب مفتوحا لمن استطاع، وأصبحوا يفسرون حسب انتمائهم الضيق المتعصب، ولم يفهموا أو يمتنعون عن فهم المقاصد والغايات الكبرى، وجعلوا صفحاتهم على الوسائط الاجتماعية منصات من أجل الشقاق والنفاق، وفتح الباب في السب والشتم من غير وازع أخلاقي أو وقار للمؤسسات، أو حرص على توحيد التصرف وجمع الكلمة.
فقه أعمى لا يستحضر الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية ولا يفهم معنى الأمن الغذائي الذي جعله الله أية من آياته:
“الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ” حيث أكد القرآن الكريم أن الأمن بعد الخوف، والسعة بعد الضيق نعمتان عظيمتان.
لقد استشهدت الرسالة الملكية استباقا لوعيها بأصحاب الفتن مستحضرة قوله تعالى: “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني”.
من حكم القرار
إن قرار عدم ذبح أضحية العيد هذه السنة قرار حكيم يمثل الغاية والتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، خاصة رفع الحرج عن المكلفين الذين يصعب عليهم الاستجابة في هذا الظرف القاهر وهم بالملايين ومن استطاع تعاطف مع من لم يستطع، فالغاية أيضا عدم الإضرار بالخلق والمخلوقات.
لقد غاب عن العقول المتكلسة المتحجرة التي تسعى إلى زرع الفتن ومخالفة السداد والبحث في فقه الشبهات ما يلي:
1- رفع الحرج عن من المغاربة ذوي الدخل المحدود وحتى المتوسط فالكبش كان معظم الناس يتوقعون أثمنة خيالية هذه السنة، بمعنى مشقة اجتماعية اقتصادية لا ضرورة لها.
2- حماية المغاربة من الشناقة الكبار والصغار فقد تكونت سلسلة من الانتهازيين الذين لا يعرفون من هذه السنة المؤكدة إلا صناعة الثروة على حساب الوطن والمواطنين.
3- تحقيق راحة “بيولوجية” بالحفظ على الثروة الحيوانية للبلاد التي عرفت سنوات متتالية للجفاف لست سنوات عجاف، ارتفع معها ثمن الأعلاف وعجز في عدد الرؤوس وفتح الباب نحو الاستيراد غير العقلاني المدعوم بغير وجه حق.
لقد كانت الرسالة الملكية قرارا حكيما له آثار إيجابية متعددة منها إنقاذ القطيع، وإنقاذ الفقراء، وقطع الطريق عن سماسرة الكبش الشناقة، وربما كانت فرصة لمساعدة صغار الفلاحين من أجل الإقلاع والتعويض، فهم أولى بالدعم، وليس العصابات التي تتوسط بين إسبانيا وأستراليا عبر الهاتف المحمول في المغاربة.
والخلاصة لا تسمعوا لأهل الفتن والشقاق والنفاق، الذين أصبحوا يحترفون اختبار فتاويهم العقيمة المتخلفة، فتاوى تصنع الفرقة وتمزيق صف الأمة، فأهل المغرب أعلم بشعاب بلدهم وأعلم حيث مصلحتهم، وأهل البغي في القول لا يحبهم الله ورسوله والمومنون.