

إن الأصل في السماع هو ترتيل أشعار المتصوفة وأهل الله، ومن ثم فغاية المسمعين كانت الارتقاء بالسامعين في عوالم التصوف والذكر، ولهذا ارتبط السماع بالوجدان لا بالعالم المادي المحسوس، وإقبال الناس على السماع والموسيقى الروحية في المناسبات الدينية وخاصة في شهر رمضان أكثر من إقبالهم عليه في سائر الأيام.
وعرف السماع ذروته في المغرب في العهد المريني الذي انتشرت فيه الزوايا في ربوع البلاد وكان من البديهي أن تحتضن تلك الزوايا هذا الفن الروحي الراقي، وفي رحم تلك الزوايا سيلتحم الإيقاع الصوفي بأشعار ابن عربي والششتري والبوصيري وسيتحول تدريجيا إلى فن قائم بذاته.
وسيعرف المغرب ظهور فرق من المسمعين الذين عملوا على تطوير هذا الفن، وإذا أخذنا بعين الاعتبار حجم التلاقح الثقافي بين عدوة المغرب وعدوة الأندلس في العهد المريني سنفهم أسباب اصطباغ السماع المغربي بصبغة أندلسية خالصة، فضلا عن تأثير الإيقاع الأندلسي فيه.
وسيزداد التأثير الأندلسي حدة في فن السماع المغربي مع حملات التهجير التي تعرض لها الموريسكيون بعد سقوط غرناطة ونهاية عهد بني الأحمر في الأندلس، وستحتضن الزوايا الكبرى بالمغرب في العهد السعدي فن السماع وستساهم في تجذره وأخص بالذكر الزاوية الدلائية والناصرية وزاوية عبد القادر الفاسي بالقلقليين، وبتغير الأزمنة وبروز الحاجة إلى الترويح عن النفس باللحن والكلمة الموزونة سيتحول فن السماع إلى مهنة وستتطور هذه المهنة، وسيدخل عليها أصحابها الكثير من التعديلات، وسيتخذون الآلات المناسبة لمصاحبة إيقاعاتهم الروحية، وستتسابق الأسر المغربية على استضافة المسمعين في الحفلات والمواسم والأفراح وفي الأعياد الدينية وفي العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم.
ومن الملفت للانتباه أن الصبغة الصوفية ظلت حاضرة لدى فرق المسمعين المغاربة، فترى بعضهم يرفض تقاضي أي أجر زهدا في متاع الدنيا، بينما يفضل البعض الآخر عدم تحديد أجر معين نظير إحياء حفل أو ليلة من الليالي ويتركون ذلك لأريحية المضيف .
بقي أن نضيف أنه رغم ازدهار حرف الغناء وظهور آلات العزف الحديث فمن المؤكد أن للمسمعين مكانتهم الخاصة ذلك أن فن السماع يخاطب الأرواح قبل الآذان وحاجة الناس لتغذية الروح لا تقل أهمية عن حاجتهم لتغذية أجسادهم.