

يعتقد المعطي منجب أن جميع القضايا الجنائية تقبل “التسييس” وتسمح بالدفع بالخلفيات والمدخلات “غير القانونية”، لتهريبها من نطاقها القضائي إلى ساحة التعويم السياسي، مثلما اعتاد القيام به في كافة التهم والقضايا الزجرية التي تورط فيها، هو ومن يدور في فلكه.
ففي آخر تمرين لإقحام السياسة في القضايا الجنائية، كتب المعطي منجب تدوينة عن مسطرة تسليم مواطن سعودي معتقل بالمغرب، وهي تدوينة تضج بكثير من السطحية، وتنطوي على قليل من المعرفة القانونية، وتصدح بوافر من الشعبوية والسذاجة.
فالمعطي منجب يتحدث عن اعتقال مواطن أجنبي بالمغرب ضمن آليات التعاون القضائي الدولي وكأنها “لعبة تخضع للمزاج”، أو أنها معادلة “تقبل الابتزاز من طرف أشباه الحقوقيين”.
فما يجب أن يعرفه المعطي منجب قبل أن يفتي بما يجهل، ويعوي بغير ما يعلم، أن نشر أمر دولي بإلقاء القبض يخضع لمسطرة دقيقة سواء على المستوى الوطني أو الدولي. فالأمانة العامة لمنظمة الأنتربول تحرص على أن لا تكون القضية موضوع النشرات الحمراء والأوامر الدولية بإلقاء القبض تدخل في إطار محظورات الفصل الثالث من النظام الأساسي للأنتربول.
فهل يعرف المعطي منجب منطوق وكوابح الفصل الثالث أعلاه؟ فهذا المقتضى القانوني الآمر يحظر على منظمة الأنتربول “حظرا باتا أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري”.
وتأسيسًا على هذا الفصل، فإن إسراف المعطي منجب في تسييس قضايا التعاون القضائي الدولي هو ضرب من الجهل ودفع بالجهل أيضا. فالرجل يعتقد أن الدول يمكنها أن تنشر الأوامر الدولية بإلقاء القبض في قضايا سياسية بطريقة عبثية، مثل ذلكم العبث الذي يكتب به هو تدويناته في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يقتصر جهل المعطي منجب على “التقعيد القانوني المنظم للتعاون الأمني والقضائي الدولي”، والذي تؤطره اتفاقيات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف، بل إن الرجل يجهل حتى بديهيات وأساسيات تنفيذ مسطرة التسليم.
فالمعطي منجب كتب في تدوينته أن “السلطات المغربية تنوي تسليم مواطن سعودي”، وكأن “النية” هي التي تحكم إجراءات تسليم المجرمين في إطار القانون الدولي. وهنا لا بد من تبديد هذا الجهل باستعراض مسطرة التسليم في القانون المغربي.
فالمغرب هو من الدول الرائدة في هذا المجال، التي تعتمد المسطرة المختلطة لتسليم المجرمين، كضمانة لاحترام حقوق وحريات الأشخاص الموقوفين في إطار التعاون الدولي في المجال القضائي.
وهذه المسطرة المختلطة تجمع بين الشق القضائي، الذي تضطلع به محكمة النقض بالرباط، والتي تبت في الجانب القانوني قبل إبداء موافقتها على التسليم، وهي مرحلة تحترم فيها جميع ضمانات المحاكمة العادلة ومدى توافر الشروط الضرورية للتسليم. ثم بعد ذلك تأتي مرحلة توقيع مرسوم التسليم، وهي مسطرة طويلة ودقيقة تشارك فيها مصالح وزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون والأمانة العامة للحكومة قبل عرض الصيغة النهائية على رئيس الحكومة.
ومن هذا المنظور، فإن حديث المعطي منجب في هذه المرحلة التحضيرية عن “نية المغرب تسليم الشخص الموقوف للرياض”، هو ضرب من التنجيم والتكهن، وقد كذب المنجمون ولو صدقوا، كما أنه تبخيس وتحقير لمسطرة قضائية وإدارية طويلة لازالت في بداياتها.
لكن للأسف، هذا هو حال بعض من يلتحفون عباءة نشطاء حقوق الإنسان، يتحدثون عن مسطرة التسليم وكأنها “معاملة إدارية بسيطة بين أشخاص في دول مختلفة”، جاهلين تماما بأنها مسطرة دقيقة تقننها مقتضيات دولية، واتفاقات تعاون ثنائية ومتعددة الأطراف، وأعراف ومعاملات دبلوماسية عديدة. لذلك تجدهم يكتبون عن هذا الموضوع بشعبوية مقيتة، متوهمين بأنه يمكنهم “تسييس قضايا التسليم وإخضاعها للابتزاز والتهديد بالإضراب عن الطعام مثلما يفعلون عندما توجه لهم تهمة غسيل الأموال”.