الهيني لـ”برلمان.كوم”: مشروع قانون المسطرة المدنية يهدد حق التقاضي ويقوض مبدأ المساواة أمام العدالة

تشهد مهنة المحاماة في المغرب أزمة غير مسبوقة إثر مشروع قانون المسطرة المدنية، حيث يرى المحامون أن هذا القانون يشكل تهديدا لحق المواطنين في اللجوء إلى القضاء ويحد من مبدإِ المساواة أمام العدالة، وهو الأمر الذي تم الرد عليه بإعلان المقاطعة الشاملة للجلسات المدنية والجنائية والتجارية والإدارية، وكذا الإجراءات بجميع أنواعها والصناديق، ابتداءً من 1 نونبر الجاري، وذلك بشكل مفتوح إلى غاية تحقيق المطالب.
وضمن تصريح لموقع “برلمان.كوم”، وجه المحامي بهيئة الرباط محمد الهيني، انتقادات لاذعة لمشروع قانون المسطرة المدنية الذي صادق عليه مجلس النواب والذي ينتظر مناقشته في مجلس المستشارين، معتبرا هذا المشروع نكسة حقيقية لمكتسبات المغرب في مجال حقوق الإنسان، حيث يتضمن مواد تخلّ بالتزامات المغرب الدستورية وتحد من الحق الأساسي للمواطنين في اللجوء إلى القضاء، وهو حق يعتبر من أسس دولة الحق والقانون.
وأكد الهيني أن جمعية هيئات المحامين بالمغرب أعلنت، في خطوة غير مسبوقة، عن إضراب مفتوح ومقاطعة شاملة لكافة المحاكم والإجراءات القضائية، دون تحديد سقف زمني لهذا الإضراب، لافتا إلى أن هذا التحرك التاريخي جاء دفاعاً عن الحقوق الدستورية للمواطنين، وليس لمصالح فئوية تخص المحامين فقط.
وأشار إلى أن المحامين كانوا دائماً في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات العامة، وأن إضرابهم اليوم يعكس إصرارهم على حماية مبدأ التقاضي، الذي هو في جوهره مصلحة عامة لجميع المواطنين.
أهم الانتقادات الدستورية والقانونية لمشروع القانون
وأشار الهيني إلى أن مشروع قانون المسطرة المدنية يحتوي على مقتضيات تهدد مبدأ المساواة وحق التقاضي، وتفرض تمييزاً غير مبرر بين المواطنين والإدارة، وبين المواطنين أنفسهم حسب أوضاعهم المالية والاجتماعية. واصفا هذه المواد بأنها “فضائح تشريعية”.
وتحدث الهيني عن فرض غرامات على دعاوى التقاضي بسوء نية، حيث أن هذا الإجراء يتناقض مع مبدأ حسن النية الذي يجب أن يكون هو الأساس، ويعكس رؤية غير متطورة تتعامل مع حق التقاضي كحق يمكن الحد منه. ووصف هذا الإجراء بأنه سابقة في التشريع المغربي، تكرّس تعاملاً سلبياً مع المواطنين الذين يلجأون إلى القضاء، وكأنهم يمارسون “ترفاً” بدل أن يتم تعزيز حمايتهم.
وفيما يخص التقييد في استخدام الطعون وفرض غرامات عليها، انتقد الهيني فرض هذه الغرامات على ممارسة بعض الطعون، مثل إعادة النظر والتعرض الخارجي عن الخصومة وتجريح القضاة، مما يضعف من قدرة المواطنين على الدفاع عن أنفسهم، كما يرى أن هذا التوجه يحد من حقوق التقاضي، ويشجع المواطنين على التخلي عن ممارستها، مما يتعارض مع الأسس الديمقراطية التي تضمنها الدستور المغربي.
وأعرب الهيني عن قلقه حيال مواد تمنع الطعن في بعض الأحكام والقرارات حسب قيمة الدعوى، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يعد انتهاكاً واضحاً لمبدأ المساواة أمام القانون، معتبرا أن هذا التمييز بين المواطنين يخل بمبدأ المساواة، إذ يُعامل المتقاضون بشكل مختلف بناءً على وضعهم المالي، مما يعتبر تراجعاً خطيراً عن مبدأ العدالة.
التباين في التعامل بين الإدارة والمواطنين
وأشار الهيني إلى أن مشروع قانون المسطرة المدنية يمنح امتيازات غير مبررة للإدارة في الإجراءات القضائية، مما يعزز التمييز بين المواطنين والإدارة، ويهدد مبدأ المحاكمة العادلة.
ومن الأمثلة على ذلك، ذكر الهيني، منح الدولة وإداراتها حصانة تمنع التنفيذ الفوري للأحكام ضدها، إلا بعد إصدار قرار محكمة النقض، بينما تُنفذ الأحكام الصادرة لصالحها ضد المواطنين فور صدور الحكم. واعتبر الهيني أن هذه المواد تؤدي إلى فقدان الثقة في النظام القضائي، وتظهر انحيازاً لصالح الإدارة على حساب المواطنين.
كما أشار إلى إلزام المواطنين باللجوء إلى المحامين في بعض الإجراءات القضائية، في حين تُعفى الإدارة من هذا الشرط، مما يتعارض مع مبدأ المساواة ويشكل تمييزاً غير مبرر ضد المواطنين، معتبرا أن هذا التوجه يعكس نظرة متحيزة من واضعي القانون، تجعل من اللجوء إلى القضاء عائقاً بدلاً من حق دستوري مكفول للجميع.
دور النيابة العامة والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
من الانتقادات التي وجهها الهيني أيضا في تصريحاته لموقع “برلمان.كوم“، اعتراضه على صلاحيات استثنائية مُنحت للنيابة العامة والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بموجب مشروع القانون.
وأوضح أن القانون يمنح النيابة العامة صلاحية إلغاء الأحكام القضائية خارج الأطر الدستورية، مما يعتبر خرقاً سافراً لاستقلالية القضاء، وأكد أن منح النيابة العامة هذا الحق دون احترام قواعد الأجل أو الحضور يضرب بعرض الحائط مبدأ سيادة القانون، ويخل بمبدأ المشروعية.
أما بخصوص الصلاحيات الممنوحة للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فأكد الهيني أن مشروع القانون يمنح الرئيس المنتدب الحق في طلب إلغاء الأحكام القضائية، وهو ما يعد سابقة من نوعها، حيث يخلط بين دور الرئيس الإداري ودور القضاة، ويمثل تجاوزاً لمبدأ استقلالية القضاء.
مخاطر المشروع على المكتسبات الحقوقية والدستورية
واختتم الهيني تصريحه، بتأكيده على أن مشروع قانون المسطرة المدنية المقترح يمثل تهديداً للمكتسبات الحقوقية والدستورية التي راكمها المغرب عبر تاريخه الحديث، خصوصاً في مجال حقوق الإنسان والعدالة.
ورأى أن هذا المشروع يتجاهل ما نص عليه الدستور المغربي في الفصل 118، الذي يضمن حق التقاضي للجميع دون تمييز، مشيرا إلى أن هذه المواد تخالف المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية الحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن لكل فرد حق الوصول إلى العدالة دون أي عراقيل.
وخلص بالقول: “أننا أمام تشريع الأمية والجهل، تشريع لا يفقه قواعد قانونية ولا دستورية ولا أبجديات التشريع ويمتح من التعسف والعداء للمواطن وهو بذلك يهين كرامة المواطنين ويهدر حرياتهم، وينتهك أسس دولة الحق والقانون التي أساسها الشرعية وسيادة القانون، وليس تبخيس حقوق المواطنين واعتبارهم متطفلين على العدالة بتشريعات غير حضارية وبليدة ولا علاقة لها بالمكتسبات الحقوقية التي راكمها المغرب عبر التاريخ”.