الأخبارسياسةمستجدات

الوضع الصحي للأحزاب المغربية في أفق الاستحقاقات المقبلة

الخط :
إستمع للمقال

أفادت معطيات وثيقة أن الأحزاب الأربعة الأولى في المشهد السياسي المغربي غير مؤهلة حاليا لدخول غمار الانتخابات،كما أن قابليتها لاستحقاقات 2021 تستلزم الكثير من الإصلاحات.

وحسب نفس المعطيات، فحزب العدالة والتنمية تراجعت شعبيته بشكل كبير، بسبب ضعف أدائه الحكومي، وكثرة الفضائح التي تسبب فيها عدد من قيادييه، وأيضا بسبب التمزق والخلافات الداخلية.

ويبدو أن قيادة سعد الدين العثماني للحزب، وافتقاده للكاريزمية في القيادة والخطاب، سببا للحزب مزيدا من الترهل والتراجع، مما أفقده زمام الزعامة السياسية التي كان يعتليها في المرحلة السابقة، كما أن ضعف تسييره للشأن المحلي جعله يفقد الكثير من التأييد الذي لقيه سنة 2015، خاصة في مدن البيضاء وطنجة والرباط وسلا وفاس ومراكش التي يسيرها حاليا، إضافة الى مدن أكادير وصفرو واسفي وتمارة والصخيرات والقنيطرة وزاكورة  وتزنيت وتارودانت ووزان والمحمدية وغيرها.

ورغم أن حزب العدالة والتنمية ينعم بتدبير المدن الرئيسية في المغرب، في ظل توفره على أغلبيات مريحة بمجالسها تجعله في مأمن من ضربات المعارضة، فإنه لم يستفد كثيرا من هذا المعطى، كما أنه لم يغتنم فرصة توسع  صلاحياته في تدبير الشأن المحلي، انطلاقا من المستجدات الدستورية والنصوص القانونية الجديدة، التي تسمح له بمزيد من الحرية والتوسع، وتتيح له وضع تصورات وبرامج تنموية متعددة، وتنفيذها على أرض الواقع.إذ ظلت الأوراش الملكية هي المكسب الكبير الذي استفادت منه عدة مدن، خاصة الرباط ومراكش وطنجة وفاس، التي لم يستطع فيها حزب العدالة والتنمية إبراز الذات أو تحقيق مكتسبات جديدة.

ورغم أن منتخبي حزب العدالة والتنمية يتماطلون في إخراج العديد من المشاريع والإصلاحات؛ لأهداف سياسية أو انتخابية أو مسطرية،وخاصة فيما يتعلق بتنفيذ مخططات للتهيئة، والإسراع إلى تجديد حظيرة النقل الحضري في مدن الرباط و البيضاء وأكادير، فإن المعاناة اليومية للمواطنين بسبب الاختلالات في التدبير، أثرت كثيرا على شعبية مسيري هذه المدن.

وبينما أصبح بإمكان حزبي الاستقلال والتجمع الوطني اكتساح بعض المناطق، مستفيدين من تراجع حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية،فإن الظرفية تفرض عليهما وضع مخطط دقيق، ورؤية هادفة ومنسجمة مع المتطلبات،لتقوية حضورهما والإسراع في الاستفادة من المساحات المتوفرة.

وإذا كانت الفرصة لازالت مواتية لحزب الأصالة والمعاصرة لتدارك الأمر من خلال الإسراع بمعالجة مشاكله الداخلية،فإن حزب التجمع الوطني للأحرار يتوفر بدوره على إمكانيات لوجيستيكية محترمة تؤهله للتموقع إذا ما أغناها بمزيد من حس المغامرة السياسية، والقدرة على المناورة التكتيكية، التي يستفيد منها غريمه السياسي.

وبالرغم من الإمكانيات التأطيريةالتي تتوفر عليها بعض الأحزاب، فإن الملاحظات التشخيصية التي توفرها بعض التقارير تنبهها إلى ضرورة عدم الانجرار وراء الجدال الكلامي، والانكباب على تحقيق نتائج ملموسة في الميدان، مع ضرورة إرساء دعامة استراتيجية وتنظيمية على مستوى المناطق التي يسعى إلى تأكيد حضوره فيها.

أما حزب الاستقلال فرغم إمكانياته التنظيمية،إلا أنه يفتقد حاليا للزعامة التي تخول له تحقيق تموضع قوي على الصعيد الوطني، اللهم في بعض مناطق نفوذه في المناطق الجنوبية انطلاقا من سوس وبعض المدن الصحراوية،رغم الحضور الخجول لحزب التجمع الوطني للأحرار في هذه الجهات.

وبالنسبة للمشاكل البنيوية والداخلية فحزب العدالة والتنمية يمتلك قوة المنظومة الفكرية والمرجعية، وهو ما لم  تستطع الأحزاب الثلاثة الأخرى تملكه باجتهاد،كما أن وضعها الحالي يفرض عليها ترسيخ مزيد من الديمقراطية الداخلية، وتوسيع فرص تداول التنسيقيات والتمثيليات على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي بشكل مستحق أو بشكل يستجيب لانتظارات المواطنين،إضافة إلى ضرورة تقوية حضورها على المستوى المحلي،لأن الاختلالات التي تعاني منها في هذا الإطار تضعف من جاذبيتها،وتعمق نفور المواطنين من اختياراتها في العديد من المناطق.

ولاحظت هذه المعطيات غياب الآليات الخطابية المستمدة من الواقع المعيشي للمواطن لدى بعض هذه الاحزاب، بل أن بعضها انزاح إلى مضامين جهوية بالرغم من طابعه الوطني، في حين ظل البعض الآخر حبيسا لرؤية ضيقة تجعل الأعيان ورجال المال هم خيول اللحظات الأخيرة للسباق بكل ما يحمله هذا الأسلوب من تواكل ونفور لدى بعض فئات الشعب، وهي عوامل تؤهل حزب العدالة والتنمية لتسجيل حضور أكثر لدى الفئات الشعبية للمواطنين.

ولعل من أبرز الملاحظات التي أثيرت ضمن بعض التقارير هي اعتقاد حزب التجمع الوطني للأحرار بأن التجمعات الخطابية والمناسباتية خارج السباق الانتخابي، لها تأثير كبير على  التعبئة وسياسة القرب، وبالتالي فقد وضع عليها آماله لخلق الجاذبية الحزبية،والتواصل مع المواطنين،ومعالجة النفور . في حين ينكب الحزب المنافس على الأداء الميداني، وتعميق الانتماء لمرجعياته الاجتماعية،وهو أسلوب جربه التجمع الوطني للأحرار في فترة من الفترات، بمناسبة موجة البرد القارس، بالرغم من غياب الاستدامة في التأثير.

إن الزمن المتبقي للاستحقاقات المقبلة يبدو ضيقا بالنظر إلى كثرة الإصلاحات التي يجب أن تخضع لها هذه الأحزاب، من أجل عقلنة هياكلها، وتصحيح اختلالتها،ومعالجة صورتها لدى المواطن، الذي يرى فيها مجرد واجهات انتخابية، تفتقد للمصداقية، ولا تخدم مصالح المواطن، مع كل ما يقتضيه الامر من محاربة للمحسوبية وتهافت على المصالح الذاتية، وتغييب لثقافة القيم والمصلحة العامة.

كما أن مزيدا من التأخر في معالجة هذه العيوب يتيح الفرصة لظهور حركات سياسية شبابية بدون انتماء،ورغم قيمة هذه العمليات لتغذية وتطعيم بعض الأحزاب إلا انضمامها إلى أي من هذه الأحزاب يبقى عملا غير مضمون، بل ومشوب بالتعقيدات، في ظل صعوبة تحولها إلى أحزاب قائمة قائمة بذاتها. وبالنظر إلى كل هذه المعطيات يجب استحضار تعمق النفور الحزبي، واضمحلال الجاذبية السياسية،وهي عوامل قد تؤثر كثيرا في العملية الانتخابية المقبلة، بل يمكن أن تستفيد منها جهات دون أخرى، ما لم يتم تدارك الأمر بإصلاحات مستعجلة وتحفيزية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى