اخبار المغربمجتمعمستجدات

انفراد.. تفاصيل محاكمة هشام جيراندو بقانون الإرهاب

الخط :
إستمع للمقال

أثارت محاكمة هشام جيراندو بمقتضى قانون الإرهاب، وإدانته غيابيا بخمس عشرة سنة سجنا نافذا، الكثير من النقاش العمومي في وسائط الاتصال الجماهيري، الذي تطور أحيانا إلى تراشق عقيم بالمعطيات الزائفة والمغلوطة، بسبب عدم إلمام الكثيرين بتفاصيل هذه القضية، وغياب حلقات عديدة منها عن الرأي العام، نتيجة سرية المساطر القضائية وارتباطها بتدابير قانونية دقيقة.
 
وقد استغل البعض “غبش الجهل” المرتبط بالتفاصيل الدقيقة لهذه القضية، ليهاجم السلطات القضائية المغربية، ويشكك في مشروعية الأحكام الصادرة عنها، ويبخس شرعية القضاة القائمين عليها. وقد امتشق نصل الهجوم ضد القضاء في هذه القضية اليوتيوبرز علي لمرابط، الذي حاك سردية من وهم خياله، وأسّس عليها استيهامات وتخرّصات يشغل فيها الخيال أكثر من يشغله الواقع والقانون.
 
أربع شكايات قانونية
 
كثيرون، بمن فيهم علي لمرابط، يجهلون بأن الضحية في هذا الملف، وهو الوكيل العام السابق نجيم بنسامي، لجأ إلى القضاء طالبا الانتصاف القانوني، حيث سجل أربع شكايات متلاحقة، في أوقات وسياقات مختلفة، وأن هذه الشكايات تقاطعت مع مسارات وانتدابات البحث لتقود في نهاية المطاف إلى إدانة هشام جيراندو.
 
وكانت الشكاية الأولى التي سجلها نجيم بنسامي أمام وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء، في شهر ماي 2023، وكانت تتهم هشام جيراندو بشكل مباشر بالقذف والتشهير وبث وقائع وادعاءات كاذبة والتحريض على ارتكاب جنايات ضد الأشخاص والممتلكات، وذلك على خلفية شريط نشره هشام جيراندو يتهم فيه القاضي السابق بفبركة محاضر قانون الإرهاب، وتلقي رشاوي واستخدامها في الارتقاء الوظيفي.. وغيرها من الادعاءات التشهيرية الأخرى.
 
وقد التمس نجيم بنسامي في شكايته الأولى من النيابة العامة حمايته نتيجة رسالة التهديد الخطيرة التي وردت في تصريحات هشام جيراندو، والتي قال فيها بالقول  “نجيم بنسامي يجب أن يعدم ويموت، ويعاد إحياؤه ويحاكم ثم يُعدم”.
 
لكن هذه القضية سوف تعرف تطورات خطيرة وتسلك منعطفا مثيرا، خصوصا مع تواتر وتناسل رسائل التهديد الإرهابي التي سيشرع القاضي السابق نجيم بنسامي في التوصل بها مباشرة بعد التهديدات التي أطلقها ضده هشام جيراندو، والتي تجسمت واقعيا في وقائع إجرامية مادية.
 
وفي هذا السياق، فقد سجل القاضي السابق نجيم بنسامي شكاية ثانية وثالثة أمام الضابطة القضائية بولاية أمن الدار البيضاء، على التوالي بتاريخ 26 يونيو 2023 و27 يوليوز 2023، بعدما توصل برسالة خطية بمنزله ورسائل نصية على هاتفه من أرقام مجهولة، تتضمن جميعها تهديدات بالقتل تلتحف أردية دينية وخلفية متطرفة.
 
فحسب وثائق هذا الملف، فقد ورد في رسائل التهديد التي توصل بها القاضي الأسبق عبارات خطيرة من قبيل “المنكر لي درتي في الناس تستاهل عليه الدفن وأنت حي”، كما ورد في إحدى تلك الرسائل عبارة صريحة تدعو للقتل: “حلال في ديوتي بحالك يطير ليه الرأس ونزيد عليه كاع الطاسيلة ديالك”، وكذلك “حان الوقت باش نقبر والديك مثلما قبرتي حقوق عباد الله”.
 
وفي سياق متصل، سيسجل القاضي السابق شكاية رابعة  في شهر غشت 2023، بعدما توصل برسائل تهديد جديدة من جهات مجهولة تتحدث بقاموس الإرهاب وتنهل من مرجعية متطرفة. فقد توصل برسالة نصية تقول له بالحرف “الإرهاب الحقيقي يا المجرم هو لي نزلتي على إخواننا، وتذكر جيدا قول الله تعالى ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب. العين بالعين والسن بالسن. وكما ضيعتي حياتنا وشتتي شمل خوتنا في الأحداث المفبركة، فقد آن الأوان نضيعو تريكتك يا عدو الإسلام”.


 خبرات تقنية وإجراءات قضائية
 
يستشف من قرار الإحالة على غرفة الجنايات الابتدائية بالرباط، الذي أصدره قاضي التحقيق المكلف بهذه القضية بتاريخ 12 مارس 2025، أن الأبحاث والتحقيقات المنجزة على ضوء الشكايات الأربعة التي سجلها القاضي السابق نجيم بنسامي استغرقت حوالي سنة ونصف، وتطلبت القيام بالعديد من الخبرات والانتدابات التقنية والاستماعات المسطرية.
 
ومن جملة القرائن والأدلة التي اعتمدها قاضي التحقيق لإحالة ملف هشام جيراندو على غرفة الجنايات المكلفة بقضايا الإرهاب، أن جميع التهديدات التي أطلقها هذا الأخير كان لها أثر مادي في الواقع، وتضمنت تهديدا وتحريضا للغير على ارتكاب جنايات تقع تحت طائلة قانون الإرهاب، كما أن هذه الوقائع جاءت مباشرة وكنتيجة حتمية للأشرطة ورسائل التحريض التي كان ينشرها هشام جيراندو بفارق زمني قصير جدا.
 
بل إن المفاجأة الكبيرة التي ستغير مجرى البحث وتقود هشام جيراندو لمواجهة قانون الإرهاب والتطرف،  هو ما كشفت عنه الخبرة التقنية المنجزة على أحد الأرقام الهاتفية التي استعملت في توجيه رسائل التهديد الإرهابي للقاضي السابق نجيم بنسامي!
 
فقد أوضحت الانتدابات الوطنية والدولية المنجزة أن الرقم الهاتفي الذي استعمل “عبارات التهديد بالقتل في إطار عمل إرهابي ضد نجيم بنسامي”، كان يتواصل باستمرار مع رقم هاتفي مسجل بكندا! والمفاجأة هي أن هذا الرقم الكندي كان مسجلا في اسم هشام جيراندو ويستعمله هذا الأخير.
 
بل إن المفاجأة الأكثر إثارة هي أن تواصل هشام جيراندو مع صاحب الرقم الهاتفي المشبوه، كان منسقا وممنهجا وبطريقة تعزز فرضية التربص والعمد. فواحد من الاتصالات المنجزة بينهما كان بفارق يوم واحد فقط على الشكاية التي سجلها نجيم بنسامي بتاريخ 27 يوليوز 2023 بعدما توصل بتهديدات بالقتل بخلفية متطرفة، بينما اتصال آخر كان بفارق يومين فقط على الشكاية الرابعة التي تقدم بها الضحية في شهر غشت 2023 والتي جاءت على خلفية التهديد القائل “الإرهاب الحقيقي يا المجرم هو لي نزلتي على إخواننا وعانينا فيه بسببك…”. 
 
تحقيق إعدادي وجلسات محاكمة
 
تشير وثائق هذه القضية، أن البحث التمهيدي المنجز على ضوئها انطلق منذ شهر ماي 2023، أي مباشرة بعد الشكاية الأولى التي تقدم بها القاضي السابق نجيم بنسامي. وقد تكلف بهذا البحث في المرحلة الأولى المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، التي سوف تتوصل لاحقا بثلاث شكايات إضافية من الضحية بعدما تعرض لعملية ممنهجة من التهديد والتحريض بالتصفية الجسدية.
 
وقد دخلت لاحقا على خط البحث الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بعدما تبين أن هذه القضية لها امتدادات وطنية ودولية، وبعدما تبين كذلك بأن التهديدات الموجهة للضحية تكتسي طابعا إرهابيا وتختزل حمولة متطرفة، تتقاطع مع تكتيكات الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
 
كما تميزت هذه المحاكمة أيضا بانتداب قاضي للتحقيق مكلف بقضايا الإرهاب لمباشرة إجراءات التحقيق الإعدادي في هذه القضية، بحيث هو الذي أشرف على الاستماعات للضحية ولعدد من الشهود، كما أنه هو من باشر إجراءات الانتداب التقني وإصدار القرارات والأوامر المرتبطة بالتعاون الأمني الدولي في هذه النازلة.
 
وخلافا لما ذهب إليه بعض العدميين، وفي مقدمتهم علي لمرابط، فإن محاكمة هشام جيراندو تميزت بعقد عدة جلسات محاكمة غاب عنها المتهم الرئيسي الهارب من العدالة،  وهو ما استدعى إدانته غيابيا بخمس عشرة سنة سجنا نافذا، بعد اقتناع المحكمة بتورطه في إقناع وتحريض الغير على ارتكاب أفعال إرهابية، والارتباط باتفاق إجرامي لإعداد فعل من أفعال الإرهاب.
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى