الأخبارمجتمعمستجدات

“برلمان كوم” يفتح ملفات المؤسسات التي ثبتت اختلالاتها في تقارير المجلس الأعلى للحسابات

الخط :
إستمع للمقال

الحلقة الخامسة: مكتب التسويق والتصدير

قرر موقع “برلمان.كوم” فتح ملفات المؤسسات التي شكلت موضوع انتقادات عامة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وذلك إيمانا منا بدور الإعلام في الإخبار والتعريف، والمساهة في التصحيح والمعالجة، واستنهاض الذاكرة العامة كي لا تصبح تقارير المجلس الأعلى للحسابات مجرد وثائق يتم نشرها ثم توجيهها إلى رفوف الأرشيف. ومن بين هذه المؤسسات مكتب التسويق والتصدير.

في سنة 1965 تم إحداث مكتب التسويق والتصدير، كمؤسسة عمومية تتمتع باحتكار تصدير المنتجات الفلاحية ومنتجات الصناعات الغذائية، وكذا بمراقبة هذه الصادرات، بالإضافة إلى تمثيل المغرب في جميع المعارض الاقتصادية التي يمكن أن تساعد على تسويق المنتوجات المغربية  بالخارج.

وبعد تحرير قطاع التصدير سنة 1986، وضع القانون رقم 86.30 المتعلق بإعادة تنظيم المكتب الصادر بتاريخ 28 مايو 1993، حدا لاحتكاره لهذا القطاع، حيث تم بموجبه إعادة تحديد مجال اشتغاله ليقتصر على تصدير المنتوجات الفلاحية، وكذا منتوجات الصناعات الغذائية.

وبالرغم من إعادة هيكلة المكتب سنة 2004، وكذا إنجاز دراسة استراتيجية سنة 2009 من أجل إعادة تموقعه، فإنه لم يتمكن  من تجاوز هذه المرحلة الإنتقالية بنجاح، ليكون قادرا على الإشتغال في محيط تنافسي.

وقد رصد تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2014 جملة من النواقص والإختلالات في تدبير شؤون هذه المؤسسة العمومية.

فبخصوص مخطط إعادة هيكلة مكتب التسويق والتصدير، أكد التقرير أن هذا المخطط تم الشروع في تطبيقه سنة 2005، ويرتكز في جانبه المؤسساتي على تحويل المكتب إلى شركة مجهولة الإسم تدمج أنشطة فروعه “سوكامار” و”سوكوبير”. ومن أجل تفعيل هذا الإجراء تم سنة 2006 تقديم مشروع قانون بتحويل المكتب إلى شركة مجهولة الإسم، إلا أن هذا الأخير لم يخرج إلى حيز الوجود.

أما بالنسبة لمساهمات المكتب، فقد نص مخطط إعادة الهيكلة على تطهيرها باللجوء إلى تصفية الشركات المتوقفة عن الإشتغال والحفاظ على الشركات التي ظلت تزاول أنشطتها. غير أنه وإلى حدود نهاية 2014، لم يتم استكمال عملية التطهير هاته، حيث لم تتم تصفية خمس شركات بالرغم من كون بعضها متوقفة عن الإشتغال منذ سنوات التسعينيات من القرن الماضي “سوبليم” و”إيميك”.

ومن جهة أخرى، وفي إطار مخطط إعادة الهيكلة المذكور، تم التنصيص على انسحاب المكتب من عملية التمويل المسبق للمواسم الفلاحية بالنظر إلى المشاكل التي تنجم عن هذا النظام، وكذا مشاكل تحصيل المبالغ المسبقة للفلاحين، والتي تقدر إلى غاية الموسم الفلاحي 2012-2013 بحوالي 26,300 مليون درهم، أي ما يعادل 15 مرة المداخيل السنوية للمكتب. إلا أنه، ورغم كل هذا، لوحظ استمرار المكتب في تمويل الفلاحين بعدة طرق، بالإضافة إلى فشل جميع الأعمال الرامية إلى تحصيل المبالغ المستحقة للمكتب بالرغم من اللجوء إلى خدمات شركات مختصة في التحصيل.

وبالنسبة لعملية إعادة تموقعه أنجز المكتب سنة 2009، عن طريق مكتب خاص للدراسات،  دراسة من أجل وضع مخطط استراتيجي وتنفيذه عن طريق مخططات عمل متعددة السنوات، وذلك بتكلفة تقدر بحوالي 8,1 مليون درهم.

وبموجب هذه الدراسة صادق المجلس الإداري لمكتب التسويق والتصدير  في يناير 2010 .على هذا المخطط الإستراتيجي الذي يرتكز على عنصرين أساسيين هما: سياسة التموين وسياسة التسويق.

وإذا كانت هذه الدراسة قد أوصت باللجوء إلى الإستهداف الجغرافي للمنتجين والمزروعات، عبر توفير 4 محطات للتوضيب والتلفيف و21 منصة للتجميع والتثمين موزعة على مناطق الشرق والغرب ودكالة-عبدة وتادلة، بالإضافة إلى 4 مراكز للتبريد متواجدة بالدار البيضاء وأكادير وبركان وتادلة، فإنه وباستثناء محطات التبريد التي يتوفر عليها فرع “سوكامار” بالدار البيضاء وأكادير وبركان، لم يتمكن المكتب من توفير حضور فعلي له بالأحواض ذات الأولوية التي تم استهدافها.

وفي ما يخص تمويل المواسم الفلاحية ودعم المنتجين بالإمدادات الزراعية، تم وضع تعاقد ثالثي يجمع المنتجين ومؤسسة مالية بالإضافة إلى المكتب، وذلك لمنح تسبيقات مالية للمنتجين، على شكل إمدادات زراعية على وجه الحصر. وفي هذا الإطار وقع المكتب سنة 2009 اتفاقية مع المكتب الشريف للفوسفاط بميزانية تقدر بحوالي 90 مليون درهم. غير أن المكتب لم يحترم التزاماته التعاقدية، حيث إنه خلافا لما نصت عليه الإتفاقية، والتي استهدفت منتجي منطقة “دكالة-عبدة”، فإنه وخلال تطبيق مضامين هذه الأخيرة، تم توجيه حوالي 60% من المدخلات إلى جهة أخرى “سوس – ماسة”.

إضافة إلى ذلك، تبين استفادة كبار الفلاحين من معظم المدخلات الموزعة، حيث استفاد أربعة فلاحين من مجموع ستة وعشرون منتجا من 86% من تلك المدخلات، عكس ما نصت عليه الإتفاقية، والتي كانت تستهدف الفلاحين الصغار والمتوسطين.

وكنتيجة لما سبق، نتج عن هذا المشروع مبالغ غير محصلة لفائدة المكتب الشريف للفوسفاط تقدر بما يناهز 23,11 مليون درهم (من مبلغ إجمالي يقدر بحوالي 48,16 مليون درهم). كل هذا جعل المكتب يفقد شريكا مهما ألا وهو المكتب الشريف للفوسفاط، والذي كان بإمكانه دعم مكتب التسويق والتصدير في مشاريع أخرى، وبالتالي المساهمة في حل مشكل التمويل المسبق للمنتجين.

وعلاقة بالتثمين نص المخطط الإستراتيجي للمكتب على مجموعة من الأعمال تهم محطات التثمين. وكذا اتخاذ إجراءات تخص توسيم (labellisation) المنتجات الفلاحية لتطوير تنافسيتها وضبط تتبعها، والإنفتاح على أسواق خارجية جديدة. وقد سجل المجلس، بخصوص عملية التثمين أن المكتب لم يعتمد العديد من الإجراءات المنصوص عليها بالمخطط الإستراتيجي.

ومن أجل الولوج للأسواق الخارجية، وقع المكتب شهر شتنبر 2011 اتفاقية شراكة مع الوزارة المكلفة بالتجارة الخارجية، وكذا وزارة االقتصاد والمالية، تهم برنامجا لدعم تصديق الفلاحين الصغار والمتوسطين، برسم الفترة الممتدة من 2011 إلى 2013 .وتشمل هذه الإتفاقية عملية منح شهادات التصديق لما مجموعه 3818 مستفيدا و158 بنية تحتية تقدر مساحتها بحوالي 10450 هكتار. والتزمت الدولة، من أجل إنجاز هذا البرنامج، بتوفير 10.6 مليون درهم، 8 مليون درهم منها منحت شهر ماي 2012، لتفعيل البرنامج برسم الموسم الفلاحي 2012-2013. إلا أنه وإلى غاية يونيو 2014، لم يتم إنجاز أي شيء في هذا الإطار.

وكنتيجة لما سبق، يتبين أن مكتب التسويق والتصدير غير قادر على القيام بالمهام الموكلة إليه بموجب القانون رقم 30.86، والمتعلقة بتصدير المنتجات الفلاحية والمنتجات الغذائية، ويمكن تعزيز هذه الملاحظة عن طريق تحليل أنشطة التصدير التي يقوم بها المكتب، والتي أظهرت أنها تراجعت إلى مستويات جد منخفضة. حيث يتم تصدير المنتجات بكميات صغيرة، وفي غالب الأحيان على شكل عينات.

ولاحظ تقرير مجلس جطو أن المكتب يمارس الأنشطة التصديرية  بصفة ثانوية، وأن حصته في صادرات المنتوجات الفلاحية والغذائية باتت تعرف تراجعا مع توالي السنوات. وهذا ناتج عن عدم قدرته على التأقلم مع سياسة تحرير هذا القطاع المتبعة منذ سنة 1986.

وأشار التقرير إلى مهمته الرقابية الأولى المنجزة سنة 2010، والتي دعا من خلالها السلطات العمومية إلى التفكير جديا في مستقبل مكتب التسويق والتصدير بالنظر إلى الوضعية الهشة التي بات يوجد عليها.

غير أن ما يثير علامات الإستفهام  هو وقوف تقرير 2014 على نفس الملاحظات، لكن هذه المرة بأبعاد أكثر إشكالا وتعقيدا، ما يستدعي أجوبة فورية من قبل السلطات المختصة. مشددا على أن مكتب التسويق والتصدير في شكله الحالي، أصبح غير قابل للإستمرار.

هذه الحقيقة التي توصل إليها المجلس الأعلى للحسابات في مهمته الإستطلاعية سنة 2010, واستفحلت بشكل فضيع إلى حدود سنة 2014, تطرح علامات استفهام كبرى حول صمت المسؤولين، سيما وأن المردودية المالية للمكتب وشركة “سوكامار” التابعة له ضعيفة للغاية.

إن فشل هذه المؤسسة العمومية في الإضطلاع بمهامها المنوطة بها، واستمرارها بنفس الأداء وعلى نفس  الوتيرة ضيع على المغرب فرصا كبيرة على مستوى إنعاش صادراته الفلاحية وتلك المرتبطة بالصناعات الغذائية نحو الخارج، وحرمه من استثمار اتفاقيات التبادل الحر  المبرمة مع العديد من الدول، ما مكن دولا أخرى منافسة من الحضور القوي في أسواق واعدة هي في أمس الحاجة للمنتوجات المغربية.

فهل بمثل هذه المؤسسة الجامدة سيكسب المغرب رهان الحضور القوي بالأسواق الخارجية الأوروبية والأمريكية والإفريقية والآسيوية؟ وما الجدوى من بقاء مكتب التسويق والتصدير مع ما يعنيه ذلك من استنزاف للمال العام في أداء أجور موظفيه وكذا التعويضات السمينة التي يتحصل عليها كبار مسؤوليه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى