

لم يسعف الحظ الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو يزور الصين كما لم يوافقه في الزيارة إلى القارة الإفريقية. وظهر الرئيس الفرنسي في وضع الرئيس التائه وسط دولة الصين الكبرى، حيث تناقلت الوسائل الاجتماعية والوسائل الإعلامية مظاهر عديدة عن فشل زيارته، بل عن المستوى المتدني الذي طبعها، كما تابعت الأخطاء التي ارتكبها فجنت عليه وجرت عليه غضب الصينيين من جهة، ثم غضب الأوروبيين الذين نصّب نفسه متحدثا باسمهم، من جهة ثانية !!!
منذ وصوله مطار بكين، انتبهت الكاميرات إلى أن الرئيس لم يجد في استقباله من يفرض البروتوكول الدولي كأقرانه في المسؤولية، بل تداول النشطاء الفرنسيون صورته وهو من أعلى سلم الطائرة يسلم على.. العامل الذي فتح له الباب !!
وزاد في غرابة الزيارة الاستقبال الذي خصصه له الصينيون، عندما وضعه رئيسهم شي جينبينغ في أقصى الطاولة الكبيرة جدا، على بعد أمتار منه، ذكرت كل من شاهدها بالاستقبال الذي خصصه له، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة سابقة…
بعد الشكليات، كانت المضامين تعبيرا آخر عن الطابع الضعيف لرسائل ساكن الإليزيه، حيث أن المتابعين ركزوا على عجرفته وهو يملي على الرئيس الصيني ما يجب عليه أن يفعله في الحرب الروسية الأوكرانية حيث دعاه «إلى العمل من أجل أن يستعيد الرئيس بوتين رشده«( كذا)! وهو ما يعد في حكم الخطأ البروتوكولي بين الدول، أي لا يمكن أن يملي رئيس دولة على آخر ما يجب عليه فعله في قضية حرب متداخلة الأبعاد.
وانتبه المحللون إلى خطاب الرئيس الصيني الذي تلا كلمة ماكرون حيث أن زعيم القوة الآسيوية اكتفى بلغة غارقة في العمومية، يظهر من خلالها أنه لم يُعِرْ كلام ضيفه أدنى اهتمام..
وبالرغم من أنه اصطحب معه «اورسولا فون دير لاين»، المفوضة الأوروبية لكي يعطي الانطباع بأنه يتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، فقد كانت النتيجة مخيبة لآماله وخلفت تصريحاته ومواقفه في بيكين تهجمات عليه حادة للغاية.
وإذا اكتفينا بما كتبته «الفيغارو» الفرنسية، المحسوبة على أذرعه الإعلامية سنشهد على حجم الخسائر التي خلفها. فقد كتبت اليومية المعروفة بقربها من محيطه في عدد الثلاثاء 11 أبريل الحالي، تحت عنوان كبير «استياء غربي كبير بعد الزَّلة ماكرون حول تايوان»، ما يفيد بأن تضارب مواقفه في الزيارة قد أثار غضب الغربيين، بعد أن أثار تجاهل الصينيين.
بعد عودته صرح بأن الأوروبيين يجب «ألا يُجرُّوا إلى خلافات ليست خلافاتهم»، في إشارة إلى ما يحدث في تايوان وهو ما قابله الغربيون بالغضب من ماكرون المتهم في هذه الحالة «بتكسير التضامن الغربي في القضايا الدولية»، ولا سيما وأن هذا «الغرب يتعرض لامتحان حرب حقيقية في القارة العجوز».
وكما قال ذلك أحد الخبراء الفرنسيين من «مؤسسة البحث الاستراتيجي» المعروف أنطوان بونضاز “فالرئيس ماكرون يريد أن يظهر إلى جانب بيكين” ضد واشنطن.
وأمر محاولة تحدي واشنطن، أصبح من ثوابت سياسته، سواء في إفريقيا وشمالها أو في الشرق الأوسط، الشيء الذي جرَّ عليه غضبا غربيا واسعا، كانت أهم مظاهره التصريحات التي ورد فيها أنه «لولا دخول الولايات المتحدة وانخراطها في الحرب الأوروبية لكان بوتين قد انتصر». ولعل الرد الأكثر قساوة هو ذاك الذي صرح به السيناتور الجمهوري «ماركو روبيو»، الذي قال:«إذا كان ماكرون يتحدث باسم أوروبا، فالولايات المتحدة ستستخلص العبرة من ذلك، وستركز مجهودها على التايوان وتترك الأوروبيين يدبرون حرب أوكرانيا» وهو ما يشبه التهديد، في أسوأ الحالات، أو دعوة للأوروبيين إلى التخلص من مغامرة ماكرون في أحسنها.
وهو موقف تقاسمته العديد من الأوساط السياسية في غرب وشرق أوروبا، ومما جعل صحيفة “وول ستريت جورنال” تتحدث عن« زلة ماكرون»!
وما كان لهذه الوقائع أن تمر بدون أن يتذكر الكثيرون، بغير قليل من السخرية مواقف الرجل في فبراير 2022، عندما حاول إقناع فلاديمير بوتين بعدم التدخل في أوكرانيا، ثم محاولته في تقديم نصيحة به بأن «يدير ليه عقلو» في عز الحرب، وكان جواب بوتين أن وضعه في أقصى الطاولة التي جمعتهما في القصر الرئاسي الروسي، كما تصرف معه الرئيس الصيني تماما!
والظاهر أن ماكرون يعيد اقتراف نفس الخطأ، بسبب عنجهيته وهو عجزه عن فهم العالم وقد تساءلت الفيغارو في عددها المذكور أعلاه «هل الماكرون يكرر مع صين شي جين بينغ نفس الخطأ في التحليل التي ارتكبه مع روسيا بوتين؟»… طبعا الجواب مضمون في ما سبق من تصريحات، وليس الأفارقة هم من سيقول العكس..!
خلاصة القول، زادت عزلة ساكن الإليزيه، في إفريقيا وفي آسيا وفي الوسط الأوروبي، بعد أن تعززت داخل بلاده فرنسا نفسها، حيث أصبح من المألوف أن نقرأ بأن باريس تعيش جوا شبيها بنهاية مرحلة ماكرون!