بوغطاط المغربي | أشباه الديمقراطيين ووهم الخلود الأبدي.. عندما يتحدث “المرضى” عن مستقبل العروش!

في تدوينة جديدة من سلسلة الهذيان الذي أصبح أكثر ابتذالا من ذي قبل، حاول فؤاد عبد المومني، ومعه زملاؤه في جوقة “الطوابرية” وأشباه المناضلين والحقوقيين وحتى الصحفيين، تسويق أنفسهم كمنقذين سياسيين وشاهدين على كل ما جرى ويجري وسيجري في المغرب. ولكن، وبينما يعكفون على التنظير لمفاهيم “العهد الجديد” و”العهد القديم”، تغيب عنهم حقيقة بسيطة ومباشرة: أنهم ليسوا خالدين، وأن الزمن، بكل بساطة، يتجاوزهم كما تجاوز أفكارهم المهترئة وخطاباتهم المتهالكة.
قراءة تدوينات وتصريحات هؤلاء الأشخاص تمنحك انطباعا غريبا: يبدو أنهم يعتبرون أنفسهم خالدين في فلك نضالهم وانتماءاتهم… بل في الحياة كلها، وكأنهم لا يمرضون ولا يسقطون ولا يموتون… وأنهم سيعاصرون كل العهود السياسية القادمة، وأن النظام الملكي المغربي محكوم بأن يكون موضوع تحليلهم الأبدي… بينما في المقابل، لم يسبق أن فكروا، ولو على سبيل المحاولة، أن يضعوا استمرارية تصدرهم للمشهد النضالي والحقوقي موضع تساؤلات… بما فيها التساؤلات الصحية على غرار ما يفعلونه اليوم وبكثير من سوء النية مع النظام الملكي.
يرفضون أن يكونوا موضع تساؤل أو مسائلة أو حتى انتقاد… حتى لو ظهرت عليهم علامات صحية مقلقة تؤكد ضرورة خلودهم إلى الاستشفاء أو الراحة.
خروج فؤاد عبد المومني للرد على الانتقادات اللاذعة التي تلقاها سليمان الريسوني من طرف المغاربة الأحرار على إثر انخراطه في مشاركة الخطاب العدائي والتحريضي الذي يخرج من محبرة أبواق أعداء الوطن، (خروجه) لا يعدو كونه محاولة فاشلة لخلق زخم زائف حول مقالات معروفة ومعلومة الخلفيات.
عبد المومني يدعي أن الهجوم على سيمبريرو وسليمان الريسوني “غير مبرر ولا أخلاقي”. لكن لنكن صرحاء: هل الدفاع عن مقالات تستهدف المؤسسة الملكية بسوء نية واضح وبمضمون صيغ في الأصل في مكاتب “العالم الآخر” يمكن اعتباره أخلاقيا؟ إذا كان عبد المومني قد اختار تبرير هذا الطرح، فربما يعود السبب إلى حالة من الإرهاق الذهني، انعكاسا للواقع الذي تعيشه أفكاره المكررة والمستهلكة. ومن يدري، ربما يكون لهذا الإرهاق امتداد صحي، حيث نلاحظ أن أعراض التدهور الفكري كثيرا ما تتزامن مع مؤشرات صحية مقلقة، كما هو حال بعض زملائه في هذه الدائرة الضيقة.
وعلى سبيل المثال، سليمان الريسوني، الذي اختاره عبد المومني للدفاع عنه، كان يُظهر في أيامه الأخيرة بالسجن عجزا مزعوما عن الحركة. هذا المشهد قد يبدو عاديا للوهلة الأولى، لكنه يحمل أبعادا رمزية تعكس واقع خطاب متهالك لا يستطيع أن يمشي بخطى ثابتة نحو الإقناع. كان يُزعم احتمال إصابته بساركوما الأنسجة العضلية، وهو مرض يؤكد أن الجسد الذي يتهاوى ليس إلا صورة مكبرة لأفكار لا تصمد أمام الواقع.
حينما يستحضر عبد المومني خطاب “حرية التعبير” و”النقاش الطبيعي”، ينسى أو يتناسى أن صديقه معطي منجب هو رمز آخر لهذه الازدواجية. فالرجل الذي يدعي الدفاع عن الديمقراطية يعيش بين خطابات متناقضة، مرة كمدافع عن قيم وطنية، ومرة كصوت يروج لروايات تُسيء إلى البلاد. هذا التناقض يتناغم مع حالته الصحية، حيث يعاني من داء السكري وأمراض القلب التي يبدو أنها نتيجة مباشرة لضغوطه النفسية في محاولة موازنة أكاذيب لا تصمد.
الأمراض المزمنة ليست مجرد مصادفة في حياة هؤلاء الأشخاص، بل ربما تعكس الضغط الذي يضعونه على أنفسهم في محاولات مستمرة لتبرير خطاب فقد مصداقيته. فعندما تكون أفكارك مريضة، لا يمكن لجسدك أن يكون في حالة صحية سليمة.
عبد المومني يحاول خلق صورة بطولية عن توفيق بوعشرين، شبه صحفي يدّعي المظلومية بينما تُثبِت الأدلة تورطه في جرائم مشينة. لكن الحقيقة أن بوعشرين نفسه قد تحول إلى أسير لجسد يعاني من أعراض تشبه مرض باركنسون. ارتجاف اليدين وضعف الحركة، إلى جانب فقدان السيطرة التدريجية على أطرافه، يعكس حالة داخلية من الانهيار الذاتي. أفكار الرجل التي كانت تدعي الريادة الصحفية تحولت إلى مادة للسخرية، تماما كحاله الصحي الذي يبدو عاجزا عن مجاراة أوهامه الكبرى.
ولا يمكن أن نغفل دور عزيز غالي، الذي لا يتوانى عن لعب دور المدافع عن حقوق الإنسان بينما يغرق في تناقضات لا تخفى على أحد. غالي، الذي يعاني من أعراض مرض شاركو، يظهر وكأنه يجسد حرفيا حال الخطاب الذي يدافع عنه: وهن عضلي يزداد سوءًا مع مرور الوقت. مرض شاركو، المعروف بتأثيره على الأعصاب والعضلات، قد يكون انعكاسا لجسد يخوض معركة خاسرة، تماما كما يخوضها غالي فكريا.
عبد المومني وزملاؤه يحاولون تقديم أنفسهم كصناع تغيير ومحاورين لا غنى عنهم. لكن الحقيقة أن غيابهم لن يترك سوى فراغا وهميا سرعان ما ستملؤه أصوات جديدة أكثر واقعية ومصداقية. الأفكار المريضة التي يحملونها، جنبا إلى جنب مع أجسادهم المتداعية، ليست سوى انعكاس لواقعهم الشخصي. زمنهم قد انتهى، وخطابهم في حالة احتضار بطيء.
في النهاية، يبدو أن النقاش حول مستقبل المغرب لا يكمن في السيناريوهات المتخيلة التي يروجون لها، بل في الاستمرار بثقة وثبات نحو البناء والاستقرار. أمثال عبد المومني، بوعشرين، الريسوني، منجب، وغالي ليسوا سوى ظواهر عابرة في تاريخ طويل لمغرب يتجدد دائما، تاركا خلفه كل ما هو مريض، فكريا أو جسديا.
إذا كان عبد المومني وزملاؤه يعتقدون أن التاريخ سيتوقف عندهم، فإنهم مخطئون. الزمن ليس رحيما بأفكار عاجزة، والجسد الذي يحمل هذه الأفكار يشير إلى حقيقة لا مفر منها: أنهم ليسوا خالدين، وأن المغرب سيستمر، كما استمر عبر العصور، تاركا خلفه من ظنوا أنهم أبدا لن يُنسوا.
ورسالة أخيرة لهؤلاء: استريحوا. المغرب لا ينتظر تنظيراتكم، فقد تجاوزكم، والجسد الذي يعجز عن الحركة لا يستطيع أن يحمل أفكارا تطمح لمواكبة المستقبل. دعوا المغاربة يبنون وطنهم بثقة، بينما تتركون أنتم بصمتكم.. ليس في الماضي… وإنما في مزبلة التاريخ.