اخبار المغربمجتمعمستجدات

بوغطاط المغربي | سقوط جديد لبعض المنتمين لـGenz212.. من تبرير الفوضى والتخريب إلى عمليات تجنيد مشبوهة

الخط :
إستمع للمقال

لم تعد حركة Genz212 بحاجة إلى من يفضحها، فقد تكفل بعض المنتسبين إليها بهذه المهمة، عبر سلسلة من الانحدارات التي عرّت حقيقتها خطوة بعد أخرى. فبعد أن حاول هؤلاء خلال الأسابيع الماضية تبرير أعمال العنف والتخريب التي شهدتها مدن مغربية في أواخر شتنبر وبداية أكتوبر المنصرمين، خرجت الحركة اليوم بوجه جديد أكثر وقاحة وهو وجه التجنيد الرقمي، حيث أعلنت على خادمها في Discord عن عملية “recrutement” منظمة لاختيار ما تسميه “staff” يشمل مصممين ومطورين ومحللي بيانات ومسؤولي بودكاست وشبكات اجتماعية.

هذا التحول من “الاحتجاج الافتراضي” إلى “التوظيف الهيكلي” ليس تفصيلا عابرا، بل نقطة انعطاف تكشف التحول الكامل للحركة من واجهة نضالية مزعومة إلى كيان رقمي موجه يشتغل بمنطق الخلايا الدعائية والتنظيمات المشبوهة.
فالحركات الاجتماعية لا تجنّد، ولا تبحث عن “Analyst OSINT” أو “Responsable Podcast”، بل تنبض من الأرض، من الناس، من العفوية التي تمنحها الشرعية الشعبية. أما Genz212، فهي تتعامل مع ما تسميه “النضال” كعملية إنتاج محتوى مبرمجة، تُدار بخطط وملفات ومهام محددة سلفا.

قبل أسابيع قليلة، كان بعض المنتمين لهذه الحركة قد أثاروا موجة غضب واسعة بعد أن قادوا حملة لتبييض أعمال التخريب والعنف، مطالبين بإطلاق سراح المدانين على خلفية أحداث الشغب التي تسببت في خسائر مادية جسيمة وروعت المغاربة في مختلف المدن. يومها، كتبنا في هذا المنبر، في مقال بتاريخ 23 أكتوبر الماضي، أن Genz212 “باعت روحها لدعاة الفوضى والإرهاب”، لأنها انتقلت من تبرير الجرائم إلى شرعنتها، مستعملةً خطابا مزدوجا يقوم على التلاعب بالمفاهيم مثل “الحرية” بدل “الفوضى”، و”العدالة الاجتماعية” بدل “الإفلات من العقاب”.

ذلك المقال لم يكن مجرد موقف، بل قراءة استباقية لمسار الانحدار الأخلاقي للحركة بسبب ممارسات البعض ممن استغلها. واليوم، جاءت عملية التجنيد الأخيرة لتؤكد تلك القراءة. فبعد أن فشلت Genz212 في حشد الشارع يوم 18 أكتوبر، وبعد المقاطعة الواسعة التي واجهتها من طرف المغاربة عبر حملة #هنيونا، تحاول اليوم أن تعوّض فشلها الميداني بإنشاء جهاز رقمي مغلق يضمن استمرارها كـ”منصة تأثير” بدل “حركة احتجاج”.
 
إن إدراج “Analyste OSINT” ضمن قائمة “المناصب” المطلوبة في حملة التجنيد ليس مجرد زلة لغوية، بل مؤشر استخباراتي واضح، لأن مصطلح (OSINT (Open Source Intelligence ينتمي إلى عالم الاستخبارات وتحليل المعلومات، ويشير إلى تقنيات متخصصة في جمع وتحليل البيانات من المصادر المفتوحة مثل مواقع التواصل، المنتديات، وقواعد البيانات، بهدف رصد الاتجاهات أو استهداف فئات معينة.

باستعمال هذا المفهوم داخل حركة تزعم الدفاع عن “العدالة الاجتماعية”، تضع Genz212 نفسها في خانة التنظيمات التي تمارس الرصد المعلوماتي وتوجيه الخطاب العمومي، لا في خانة الحركات الاجتماعية. إنها لم تعد تسعى إلى التأثير، بل إلى السيطرة الرقمية.

إن هذا الانزياح نحو “التحليل الاستخباراتي المفتوح” ينسجم مع منطق الحرب المعلوماتية (information warfare)، حيث تتحول المنصات إلى أدوات لجمع البيانات وتشكيل الرأي العام، ما يثير تساؤلات جدية حول الجهات التي تدعم هذا المشروع أو تستثمر فيه بعد فشل تجار الفوضى في الميدان.

من أبرز ما يثير الشبهات أكثر هو إطلاق الحركة لبوت آلي باسم “genz212-helper” داخل خادم Discord لتسهيل عملية الانتقاء. هذه التقنية، التي تُستخدم عادة في المجتمعات الرقمية المغلقة، تسمح بجمع معلومات عن المستخدمين وتصنيفهم حسب المهارات والاهتمامات، ثم توزيع المهام داخل هيكل افتراضي شبه مؤسساتي.

بهذا، تتحول الحركة إلى مختبر رقمي للاستقطاب الممنهج، لا يختلف كثيرا عن أنماط التجنيد الإلكتروني التي اعتمدتها سابقا جماعات متطرفة أو شبكات الابتزاز الرقمي. فالهدف لم يعد التعبئة أو النقاش، بل الاختراق والتوجيه. ومن خلال هذه البنية التقنية، تحاول Genz212 إعادة إنتاج الفوضى بطريقة مؤسسة ومهيكلة تحت غطاء النشاط الشبابي أو النضالي.

ما يجري اليوم هو ما يمكن تسميته بـ”مأسسة الفوضى الرقمية”. فبعد أن عجزت الحركة عن تحريك الشارع، بدأت تحاول بناء جهاز رقمي مغلق قادر على بث رسائلها بشكل أكثر انضباطا وتنميطا.

إنها المرحلة الثانية في مشروع التخريب الناعم… فالمرحلة الأولى كانت التبييض، أي تبرير الجريمة وخلق خطاب المظلومية؛ والمرحلة الثانية هي التجنيد، أي بناء آليات التنفيذ الرقمي وضمان استمرارية التحريض عبر أجيال جديدة من “المنشطين الرقميين”.

في العمق، هذه المراحل ليست سوى تطور منطقي للخطاب العدمي الذي تبنته الحركة بعدما تم الركوب عليها منذ البداية، إذ انتقل من الفوضى الميدانية إلى البروباغندا الحقوقية، ثم إلى التجنيد الرقمي الممنهج.

ورغم كل محاولاتها الخبيثة، فإن Genz212 لم تنجح يوما في خداع المغاربة. فقد واجهها الرأي العام أولا بالمقاطعة الميدانية، ثم بالسخرية والفضح الرقمي بعد إطلاق حملة التجنيد.

إن الوعي الشعبي الذي عبّرت عنه حملة #هنيونا لم يكن مجرد رد فعل، بل نقطة ارتقاء جماعي في مواجهة محاولات الاختراق الذهني والتأثير العابر للحدود. لقد فهم المغاربة أن من يرفع شعار “الحرية” لتبرير الفوضى، هو نفسه من سيستعمل “العمل الرقمي” لتجنيد الأبرياء في مشاريع هدامة.

خلاصة القول أن Genz212 لم تعد حركة احتجاجية (ولم تكن كذلك أصلا)، بل كيان رقمي وظيفي يشتغل على هندسة الفوضى واحتراف التحريض، مستخدما مفردات الحداثة لتغطية مشروع قديم عنوانه التخريب. لكن هذه اللعبة انتهت، لأن المجتمع المغربي صار أكثر نضجا من أن يُخدع بشعارات مستوردة أو مشاريع مؤدلجة، ولأن الوعي الوطني أثبت أنه أقوى من أي حملة رقمية مهما بدت متقنة أو مغرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى