بوغطاط المغربي | هكذا كان حميد المهداوي يفضح “فساد” و”تبعية” توفيق بوعشرين وهكذا تسقط أسطورة “الصحفي الحر” !

أمام ما نعيشه اليوم من تصاعد بلطجة بعض المرتزقة بإسم الصحافة وبعض المتآمرين ومثيري الفتن على “اليوتيوب”، لا شيء أخطر من ذاكرة منتقاة أو منسية… ففي كل مرة تُفتح فيها ملفات بعض الصحفيين المدانين قضائيا بجرائم مشينة، يسارع البعض إلى رفع شعار “واك واك نتعرض للتشهير”، ويعيدون إنتاج أسطورة “الضحية” في قالب درامي لا يخلو من بطولات وهمية… لكن المثير في الأمر ليس فقط هذه الرغبة في صناعة مظلوميات كاذبة، بل في أن بعض المدافعين اليوم كانوا – إلى وقت قريب – من أشد المنتقدين لنزاهة ومهنية من يدافعون عنهم اليوم.
فمن غير المقبول بتاتا أن يعود من فضحوا حقيقة “نزاهة” صحفي، بل واعتبروه رمزا للفساد وللتواطؤ والجبن المهني، ليرفعوه اليوم إلى مصاف “الشهداء” و”القديسين”، فقط لأن السياق تغيّر، أو لأن هناك سردية جماعية فُرض عليهم الترويج لها، عنوانها “الصحفي الحر النزيه المسجون بسبب آرائه”.
إنها مفارقة أخلاقية قبل أن تكون أي شيء آخر. ومن بين أكثر الأمثلة الصارخة على هذه الازدواجية، نجد حميد المهداوي، مدير موقع “بديل”، الذي يقدم نفسه اليوم كمدافع شرس عن توفيق بوعشرين، بل ويروج إلى أن قضيته قضية “صحفي حر ومظلوم أدين بسبب افتتاحياته الجريئة”. غير أن أرشيف موقع “بديل” نفسه، وأرشيف المهداوي، مليء بما يكفي من الشهادات التي تنسف هذه الرواية وتكشف كيف كان المهداوي أول من اتهم بوعشرين بعدم النزاهة، والجبن المهني، والتواطؤ مع الفساد.
أول ما يجب فضحه هو خرافة بأن بوعشرين سُجن بسبب مقالاته… في الواقع، بوعشرين أدين في جرائم جنسية خطيرة، أبرزها الاتجار بالبشرواستغلال النفوذ ضد صحفيات ومستخدمات في مؤسسته الإعلامية. تمت محاكمته بناءً على شهادات حية، وأشرطة فيديو موثقة، وأدلة جنائية قاطعة. لم تكن هناك مقالات مزعجة، بل جرائم بشعة في حق نساء جرت داخل مكتبه.
لكن رغم وضوح هذه الحقيقة، يحاول بعض المتواطئين اليوم طمسها تحت عناوين براقة مثل “استهداف الصحافة الحرة” و”استهداف الأقلام المزعجة”… وبينما يروج هؤلاء لصورة “بوعشرين الضحية”، كان حميد المهداوي نفسه الذي يتصدر اليوم حملة التضامن معه، كان بالأمس القريب، يؤكد أن بوعشرين ليس لا صحفيا حرا ولا مستقلا، بل صحفيا انتهازيا وفاسدا… لقد كان المهداوي من أوائل من فككوا وهم استقلاليته ونزاهته، ونشروا سلسلة مقالات نارية تكشف انحيازه وتواطؤه وازدواجيته المهنية. وهو ما سنعيد عرضه الآن لإسقاط ورقة التوت عن هذا النفاق المفضوح.
ومن باب التدقيق، فإن حميد حميد المهداوي لم يكن يكتف فقط بنشر تلك المقالات في موقعه “بديل”، بل كان حريصا على إعادة نشر روابطها على صفحته الشخصية في فيسبوك، وترويجها على أوسع نطاق داخل مجموعات فيسبوكية ، خاصة تلك التي تضم فاعلين حقوقيين وصحفيين. هذا السلوك الإعلامي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المهداوي لم يكن فقط على اطلاع دقيق بمضامين تلك المقالات، بل كان لديه إصرار واضح على فضح حقيقة توفيق بوعشرين أمام الرأي العام. لقد كانت حملته ممنهجة وممتدة رقميا، وهو ما ينسف تماما أي ادعاء لاحق بأن الأمر لا يعدو كونه مجرد نشر مواد كتبها آخرون أو تمرير آراء لا تعبر عنه.
في مقال نشره موقع “بديل” بتاريخ 23 أبريل 2014، تحت عنوان: “الدكتور يحيى بن الوليد ‘يَتَكَرْفصْ’ على بوعشرين ويعتبره ‘طرفا بارزا في الجريمة’ الممارسة ضد أصيلة”،نشر موقع “بديل” رسالة مفتوحة من الأستاذ الجامعي الدكتور يحيى بن الوليد إلى بوعشرين يتهمه فيها بأنه جزء من آلة التواطؤ الإعلامي الذي غطى على “فساد” محمد بنعيسى في مدينة أصيلة، عبر تشويه خصومه السياسيين وطمس كل أشكال النضال المحلي.
ويجب التوضيح هنا أننا في هذا المقال لا نتبنى أي موقف تجاه الأحكام القضائية الصادرة في حق الزبير بنسعدون، كما لا يتبنى اتهاما لبنعيسى بالفساد، بل هو استعراض لما كتبه المهداوي ونشره بنفسه، ويعكس موقفه من بوعشرين في تلك المرحلة.

في مقال ناري كتبه المهداوي ونشره يوم 14 ماي 2014 تحت عنوان: “وصمة عار على جبين بوعشرين والدامون وحزب الاستقلال ومصطفى الرميد والقضاء المغربي”،اعتبر أن ما قام به بوعشرين في ملف بنسعدون ليس مجرد خطأ مهني، بل “جريمة صحفية” مكتملة الأركان. اتهمه بأنه تجاهل احتجاجات ضخمة ضد تفويت شواطئ لأجانب، وركّز فقط على تشويه صورة بنسعدون، ثم رفض نشر بيانات الحقيقة، متسائلًا بسخرية مرة: “من أولى بالتغطية: آلاف المواطنين أم شخص فار من العدالة؟”.

في 21 أبريل 2014، نشر موقع “بديل” مقالا بعنوان: “المساء والصباح والأخبار وصحيفة الناس ترفض نشر بيان بنعيسى وبوعشرين الوحيد الذي قبل نشره”،يُبرز المقال كيف أن بوعشرين كان الصحفي الوحيد الذي نشر بيانا صادرا عن محمد بنعيسى يهاجم قافلة وطنية ضد الفساد، بينما امتنع عن تغطية تلك القافلة ووقائعها رغم أنها حشدت آلاف المواطنين. وفسرت مصادر محلية هذا التصرف بـ”الانحياز والولاء”، واتهمت بوعشرين صراحة بـ”العمل لحساب بنعيسى إعلاميا”.

وفي 11 شتنبر 2014، نُشر مقال بعنوان: “القاضي الهيني يحذر بوعشرين عبر المحامي السباعي من نشر صوره على جريدته قبل اللجوء إلى القضاء”،نقل فيه موقع “بديل” تصريحات القاضي السابق محمد الهيني، الذي اتهم بوعشرين صراحة بـ”التحكم في الكلمة ورفض نشر الردود”. قال إن بوعشرين رفض نشر مقالاته ومقابلة صحفية أجريت معه، رغم أنها تتعلق بحق الرد على تصريحات وزير العدل.

وفي مقال تحليلي دقيق للأستاذ عبد المطلب أعميار (الذي كان عضوا بحزب الأصالة والمعاصرة)، نُشر في موقع “بديل” يوم 21 يونيو 2015 بعنوان: “أخبار اليوم، أو حكاية التحكم والانفصال”،تم تفكيك الخط التحريري لبوعشرين واعتباره امتدادا إعلاميا لحزب العدالة والتنمية. ووصفه المقال بأنه صحفي “يفبرك البروباغندا” و”يخلط بين الصحافة والنضال الحزبي”، متسائلًا بسخرية: هل من يدّعي الاستقلالية يشبّه بنكيران بريغان الأمريكي، ويجعل من افتتاحياته أبواقا دعائية؟

في 10 فبراير 2014، نشر موقع “إنصاف بريس” مقالا بعنوان:بنشماس ‘يجلد’ الزميل بوعشرين بطريقة عنيفة للغاية”،وفيه نقلت الصحافية بوشرى الخونشافي، زوجة المهداوي، رسالة المستشار البرلماني حكيم بنشماش، التي وصف فيها بوعشرين بـ”الجبان المهني” و”البئيس أخلاقيا”، معتبرا أنه يكتب اتهامات بلا دلائل، ويمارس التعميم والاختباء خلف الإنشاء الأخلاقي الفارغ.
ورغم أن المقال ليس من توقيع المهداوي، إلا أنه قام بالترويج له عبر صفحته على فيسبوك وعدد من المجموعات الرقمية، ما يدل على تأييده الضمني للمحتوى.

وواحدة من أخطر المقالات على الإطلاق نشرها “بديل” بتاريخ 5 غشت 2014 تحت عنوان: “هل يتشفى توفيق بوعشرين في مدير موقع بديل؟”،وفيه يتهم المهداوي صراحةً بوعشرين بأنه كان يتشفى فيه بعد التهديد الذي ادعى أنه تعرض له من طرف المديرية العامة للأمن الوطني في عهد مديرها آنذاك بوشعيب أرميل، والتي زعم (المهداوي) أنها طالبت بحبسه لعشر سنوات ومنعه من ممارسة الصحافة. المقال يرى أن نشر “أخبار اليوم” لخبر توشيح صحفيين مقربين من السلطة بينما تجاهلت حملة التشهير ضد المهداوي، كان بمثابة “رقصة على جثة صحفي مستهدف”، وينقل المقال ما يفيد أن بوعشرين تواطأ بالصمت، وربما بالموقف، في محاولة كسر شوكة “بديل”.

وفي 27 يناير 2016، نشر “بديل” مقالاً بعنوان: “الزميل بوعشرين.. ماذا لو كان الزبير بنسعدون مثل إلياس العماري صديقا لفؤاد علي الهمة؟”.
في هذا المقال، سُخر من بوعشرين لأنه قدم اعتذارًا لإلياس العماري على لقب “ابن مربية الدجاج”، بينما رفض الاعتذار لبنسعدون، رغم مسؤوليته في تشويه صورته والمساهمة في سجنه ظلما. ويطرح المقال سؤالا مريرا: “هل كان بوعشرين ليعتذر لو لم يكن العماري صاحب نفوذ؟”.

اليوم، كل من يفتح ملف توفيق بوعشرين أو سليمان الريسوني أو حتى المهداوي نفسه، يُتهم بأنه يمارس التشهير و”يصفي حسابات مع الصحفيين الأحرار”. لكن الوقائع تكشف أن من يُدينون “التشهير” اليوم، كانوا أول من مارسه باحتراف، وبحماسة، وبمنهجية.
فما قام به المهداوي ضد بوعشرين، بكل ما تضمنه من اتهامات، لم يُعتبر وقتها تشهيرا ولا حملة ممنهجة. بل كان يُسوّق على أنه تحقيق صحفي وكشف للحقيقة. فلماذا صار اليوم، ما كان بالأمس يسمى “كشفًا للفساد”، يُوصف بأنه حملة؟ لماذا يُعامل من ينتقد هؤلاء الصحفيين اليوم على أنه “منخرط في اغتيال المعارضين”؟ الحقيقة أن المظلومية صارت سلعة رائجة، لكنها لا تصمد أمام أرشيف الذاكرة.
المقالات لا تُنسى، والأرشيف لا يرحم. ما قاله حميد المهداوي في بوعشرين، كتابةً ونشرا وترويجًا، لا يترك مجالا للشك في موقفه السابق. واليوم، حين يلبس ثوب المدافع عنه ويُقدمه كـ”ضحية دولة”، فهو لا يدافع إلا عن ذاكرته المنقوصة وصورته المصلحية. لقد سقط القناع، ولم يعد من سبيل إلى الإنكار.
فكل من يتباكى اليوم على ما يسميه “حملات تشهير”، عليه أن يتذكر أولا ما كتبه بيده، وما نشره على لسان غيره… إن ذاكرة “بديل” لا تنسى، وكتابات حميد المهداوي نفسها هي أقوى شهادة ضد النفاق الذي يمارسه اليوم.ومن هنا، فالدفاع الحالي عن بوعشرين ليس سوى مسرحية مظلومية رديئة الإخراج، تنهار أمام أرشيف لا يرحم.