تبون ينحني لماكرون.. لا تغيير في موقف باريس من الصحراء المغربية مقابل انبطاح تام لنظام العسكر

بعد أشهر من الصراخ الرسمي الجزائري ضد فرنسا، والمزايدات الإعلامية حول “الكرامة والسيادة”، عاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لطلب الصفح من سيد الإليزيه، معلنًا استعداده لإعادة العلاقات إلى مجاريها، وكأن شيئًا لم يكن! المكالمة الهاتفية التي تلقاها تبون من ماكرون لم تكن سوى إعلانا رسميا لنهاية فصول العناد الجزائري، وبداية موسم جديد من الانبطاح أمام باريس، دون أن يحصل النظام العسكري على أي تنازل ولو رمزي من فرنسا.
حين قررت الجزائر الدخول في مواجهة مع فرنسا بسبب موقفها من قضية الصحراء المغربية، كانت تعتقد أنها قادرة على “تأديب” باريس، فإذا بها تجد نفسها معزولة دبلوماسيًا، منبوذة اقتصاديًا، ومتجاهلة من حليفتها السابقة.
ولم تحتمل القيادة الجزائرية هذا الوضع طويلًا، فسارعت إلى فتح قنوات التواصل، متوسلة استئناف التعاون الأمني والقضائي والهجرة، وكأن الجزائر لم تكن هي من أغلق هذه الأبواب في لحظة هستيرية.
والمفارقة الكبرى أن باريس لم تغير موقفها من الصحراء المغربية، وهو المبرر الذي دفع تبون سابقًا للهجوم على فرنسا، بحيث أن باريس لم تُصدر أي اعتراف بمطالب الجزائر، ولم تتراجع عن دعمها للمبادرات المغربية، لكنها في المقابل حصلت على كل ما تريده من نظام العسكر، استئناف التعاون الأمني، تفعيل التبادل القضائي، وتوسيع المجال لرجال الأعمال الفرنسيين للسيطرة على مزيد من القطاعات الحيوية في الجزائر، باختصار، فرنسا لم تقدم شيئًا، والجزائر قدمت كل شيء.
أما نكتة البيان الرسمي الذي نشرته الرئاسة الجزائرية، فتكمن في حديثه عن “حوار متكافئ”، وكأن الجزائر تملك حق المساومة أو فرض شروطها! كيف يكون الحوار متكافئًا وفرنسا هي التي تملي وتقرر، والجزائر تكتفي بالتصفيق والتنفيذ؟ كيف يكون متكافئًا وماكرون يطالب تبون شخصيًا بمنح “عفو إنساني” للكاتب المعارض بوعلام صنصال، وكأن الجزائر لم تعد حتى قادرة على اتخاذ قراراتها الداخلية دون إذن من الإليزيه؟
في النهاية، تبون عاد إلى بيت الطاعة الفرنسي، والجزائر استأنفت دورها المعتاد كـ”حديقة خلفية” لباريس بشمال إفريقيا، والدرس الوحيد الذي يمكن استخلاصه من هذه المسرحية، هو أن النظام الجزائري بارع فقط في العنتريات الفارغة، لكنه سرعان ما يعود صاغرًا، متوسلًا رضا ماكرون، حتى دون أن يحصل على الفتات.