

جعل رئيس الحكومة الحالي «عزيز اخنوش» وسلفه الأسبق «عبد الاله بنكيران»، من قرار يهم السيادة الوطنية، وله علاقة بألد خصوم المغرب، مادةً للتراشق الاعلامي وموضوعا لتصفية الحسابات بينهما بدون مراعاة ما يفرضه عليهما موقعهما من واجب في التحفظ وفي اختيار الكلمات وأسلحة الهجوم والدفاع.
فقد بادر رئيس الحكومة الحالي «عزيز اخنوش» ، وهو يرافع عن سياسته في مجال الطاقة، أثناء جلسة السياسات العمومية امام البرمان الى اتهام خلفه «عبد الله بنكيران» بإخفاء معلومة خطيرة ومهمة تتعلق بالقرار الجزائري بإغلاق أنبوب الغاز الذي يعبر التراب المغربي. وهو في اتهامه كان يريد تحميله مسؤولية مآلات الأسعار في الطاقة وفي معالجة تبعات القرار الجزائري ، أو هكذا خُيِّل اليه ساعتها.
لكن هذا الهجوم رد عليه رئيس الحكومة السابق بدفاع زاد الطين بلة وضَخَّ الكثيرمن الماء في أنبوب الغاز كما يقول الفرنسيون..
واختار سلفه دخول اللعبة من نفس الباب، واجاب على الاتهام بما هو أفدح منه، باتهام مضمر بأن الوزير أخنوش، الذي كان ضمن تشكيلة حكومته السابقة، لم يكن أهلا للثقة في مجال يعد فيه فاعلا ومنافسا…
وجاء في فيديو مسجل بثته الصفحة الرسمية لحزب العدالة والتنمية : « العقد كان سينتهي يوم 31 أكتوبر، وهل المغرب لم يكن يعلم بذلك، هذا خبر سيادي ينبغي أن نخبر به أولا سيدنا (الملك)، وبأي صفة سنخبرك أنت هل بصفتك بائعا للغاز لترتب أمورك؟». وهو إيحاء بوجود تضارب مصالح بين الوزير وبين المقاول Délit d’initié
ولم يتورع الرئيس الاسبق في اقحام اسم ملك البلاد في السجال الذي واجه فيه خلفه على رأس الحكومة.
فأضاف أن : «الملك كان يتابع الموضوع ولما علم أن الجزائريين سيقطعون الغاز أصدر تعليماته واطمأن أن الأمر لن يؤثر »…
كلا المسؤولين حاول أن يجر الغطاء اليه، ويقدم الآخر كما لو كان يعمل ،موضوعيا مع الخصم الشرقي للمملكة.
و الحال أنهما معا طرفان في خصام استعملا فيه كل الوسائل بما فيها أسرار الدولة وخياراتها الكبرى واسم رئيس الدولة وعاهل البلاد !..
قال بنكيران إن «تصريحات رئيس الحكومة أعطت من خلال هذه الاتهامات فرصة لخصومنا لاستغلالها ..»
في حين لمَّح اخنوش أن بنكيران أخفى معلومة بيد نفس الخصم لاستغلالها!
وفي كلتا الحالتين لم يتردد الرئيسان، في شراسة تكشف حدة الخلاف، الى اللعب بقضايا تهم سيادة المغرب، وثقافة الدولة التي لا تسقط فيها اسرار القرارات الكبرى بالتقادم قبل مرور عقود من الزمن..!
فلم ينتبه رئيس الحكومة الاسبق عبد الاله بنكيران، وخلفه الرئيس الحالي عزيز أنوش، وهما يتراشقان أمام الملأ ، الى ما اقترفاه من سلوك يضر بصورة الوطن.
ونحن الذين لا تهمنا نتيجة المُسايَفة المجنونة بين الرجلين، تهمنا هنا اللامسؤولية التي نشرا بها غسيلا داخليا للبلاد ..
أمر لا يصدق..ولكنه واقع وصادم!
فالرجلان عملا في أعلى هرم السلطة الحكومية، بل سمحت لهما المسؤولية الدستورية السامية أن يكونا على اطلاع على خلفيات القرارات وطبيعتها وعلى المداولات مع أعلى هرم في الدولة.. وما كان لهما أن يتصرفا بمثل هذه الخفة الرهيبة التي تُسبب قلقا في الدماغ وانقباضا في القلب ومَغَصَا في المعدة … ومحاكمة في السياسة!
وكما كان منتظرا، احتفلت الصحف الجزائرية ومواقع الجنرالات والذباب المُواكِب لتوجيهاتهما، بالهفوات وبالانزلاق اللامسؤول لشخصيتين من اهم شخصيات العقدين الاخيرين في المغرب…!
والمتابع للتداعيات يرى كيف أن الوكالات الاعلامية انتهزت الموضوع لكي تعود الى كبريات القضايا المغربية منها السيادة والوحدة الترابية والعلاقات المغربية الجزائرية وما الى ذلك من امور خطيرة لا يمكن التهافت فيها عند المعالجة الحكومية لها..
لقد أثبت المغرب أن القرار الجزائري لم يكن له أثر ،لا على استهلاك المغاربة ولا على حركية صناعاتهم ولا على إضاءة شوارع ومدنهم وقراهم …الخ واستطاع أن يجد الجواب على قرار مُعادٍ وأخرق، في وقته ومن بعد وقته..
لكن المغرب ، هذه الدولة الرصينة والعاقلة والقوية والواثقة من نفسها لم تضرب حساب مسؤولين كبيرين فيها، لم يتمالكا نفسيهما، وسارعا في أول مناسبة إلى تعامل «لامسؤول» في قضية ما زالت لها راهنيتها !
فما هو سر الدولة ايها الرئيسان؟
إن سر الدولة هو كل معلومة يمكن لنشرها أو كشفها أن يهدد مصلحة الدولة.. أو يهدد مصداقيتها!
والمصداقية هنا من مصداقية رجالات الدولة في مناصب القرار.. عندما يتعلق بقضية على الساحة الوطنية او الساحة الدولية!
ومصداقية الدولة هي جزء من بنائها ايها السادة!
الامرلا يتعلق بسر من أسراركما، بل هو سر من اسرار وظيفتكما المؤسساتية وهي من صميم عمل الدولة ، وعدم التمييز بينهما فضيحة،كما أن عدم التمييز بين الاستعمال الشخصي والاستعمال العمومي لهذه الاسرار…. كارثة!