

دائما ما تحاول فرنسا في العديد من المحافل الدولية إظهار نفسها وكأنها تحمي حليفها التقليدي المغرب وبأنها دولة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ولكن في حقيقة الأمر وإذا محصنا قليلا في التاريخ سنجد أن جرائمها ضد المغرب والمغاربة سواء في عهد الحماية أو قبلها وحتى في بداية عهد الاستقلال وإن كانت بطرق أخرى لا تعد ولا تحصى، وسنجد أن ما تظهره فرنسا ماهو إلا محاولة لإبقاء المغرب تابع لها رغم أنها تعرف جيدا أن المملكة أخذت مسارها في الاستقلالية التامة عن المستعمر.
في هذه السلسلة سنحاول تسليط الضوء على تاريخ فرنسا الدامي وجرائمها الوحشية في حق المغاربة، التي لازالت عالقة في الذاكرة المغربية وترفض السقوط بالتقادم.
تدمير الدار البيضاء بالقنابل قبل الاحتلال (1907) وقتل 6000 مغربي
“منذ يوم 7 غشت 1907 لم تعد الدار البيضاء مسكونة إلا بالموتى”، بهذه العبارة وصف القبطان الفرنسي «كراسي» في كتابه «اختراق الشاوية» منظر المدينة بعد إنزال الكوماندو البحري وقنبلة المدينة، بواسطة البوارج الحربية الفرنسية التي اصطفت على الساحل المقابل لها، وأمطرتها مدافع البوارج بزخات النار والموت، التي استمرت طيلة خمسة أيام دون انقطاع.
وجاء هذا القصف العنيف عقب عصيان الدار البيضاء الذي بدأ يوم 30 من يوليوز 1907، احتجاجًا على مشروع توسيع مرسى الدار البيضاء وخطط فرنسا لمد خط السكة الحديدية باتجاه منطقة الصخور السوداء لجلب الحجارة إلى الميناء على حساب مقبرة سيدي بليوط.
عقب ذلك القصف المكثف، تناثرت الجثث في الشوارع وسقت الدماء تربة البلاد، حتى أصبحت الدار البيضاء مدينة للأشباح، لم يبق فيها ما يحرق أو ينهب أو يقتل، فالأسطول المكون من البواخر “جاليلي” “دوشيلا “و”فوربين” دمر كل شيء بلا رحمة ولا شفقة.
وتُركت الدار البيضاء للقتل والنهب، حتى لم يبق فيها ما يُسرق أو يُقتل أو يُغتصب، بعد أن كانت مدينة تضج بالحياة والحركة، وبها ثلاثون ألف نسمة. لكن فرنسا ستحولها إلى مدينة مهجورة، يحاصرها الموت والدمار من كل جهة لتسفر عن قتل 6000 مغربي فيما تقول كتب وتقارير إعلامية آنذاك إنه من ثلاثين ألفا من السكان، تبعا لشاهد عيان كان موجودا إبان المذابح، لم يتبق إلا حوالي مائتين بالمدينة، حيث أن الآلاف من الرجال الأبرياء والنساء والأطفال الصغار، يهود ومغاربة سيان، مزقوا إربا إربا بواسطة قنابل «الملينيت»، وضربوا بالحراب، وأُردوا بالرصاص بينما كانوا يفرون من الموت خوفا.
وبلغت درجة بشاعة ووحشية الجرائم التي ارتكبتها القوات الفرنسية والإسبانية في الدار البيضاء حدا لا يتصور، لدرجة أن مراسل جريدة «الفيغارو» شارل بوردون، الذي كان منحازا في كتابته للجانب الفرنسي، قال إن جرائم فرنسا بالدار البيضاء كانت «الأكثر فظاعة والأكثر بشاعة»، وأنه «لا يمكن للخيال أن يتصورها».
واتسم ذلك القصف بأشكال غير مسبوقة من الهمجية والتنكيل والتقتيل والتشريد وانتزاع الممتلكات والاستغلال المادي والمعنوي ونهب الثروات والاغتصاب وقطع الرؤوس وتعليقها على أبواب المدن والقرى، وتشويه ذاكرة البلاد والعبث بمؤسساتها والتلاعب بحدودها الجغرافية ومحاولة زرع بذور الفتنة بين المغاربة.