

أعادت المناورات الفرنسية داخل البرلمان الأوروبي وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية، التي تستهدف المغرب لمحاولة النيل منه وابتزازه، إلى ذاكرة المغاربة الجرائم والإبادات الجماعية المرتكبة من طرف الاستعمار الفرنسي في حق المقاومة والشعب المغربي.
وتكشف بشاعة جرائم فرنسا المرتكبة في حق المغاربة الوجه الخبيث لهذه الدولة الاستعمارية، التي تحاول اليوم الظهور بمظهر “الأستاذ” الذي يجيد تقديم الدروس في مجال حقوق الإنسان واحترام مبادئ الإنسانية، فيما يثبت التاريخ خلاف ذلك.
ومن منطلق مواكبتنا في موقع “برلمان.كوم” لمختلف القضايا التي تهم وطننا، خصوصا إذا تعلق الأمر باستهداف المملكة وابتزاز مؤسساتنا الوطنية عن طريق اتهام المغرب بمزاعم لا أساس لها عمليا وعلميا لمحاولة ثنيه عن مواصلة مسيرته التنموية وعرقلته والتشويش على وحدته الترابية، ارتأينا أن نسلط الضوء خلال شهر رمضان على محطات من التاريخ المغربي، وعلى جرائم بشعة ارتكبتها فرنسا في حق المغاربة، وتستوجب الاعتذار.
وبعدما تطرقنا في مقالات سابقة ضمن هذه السلسلة الرمضانية، إلى احتلال مدينة وجدة ومدينة الدار البيضاء من طرف القوات الفرنسية، سنخصص هذا المقال للتطرق إلى مجزرة قنابل الدار البيضاء التي راح ضحيتها آلاف المغاربة الأبرياء.
قنابل الدار البيضاء
دخلت القوات الفرنسية إلى مدينة الدار البيضاء واحتلتها، بعدما سيطرت في وقت سابق من ذات العام 1907 على مدينة وجدة، حيث ارتكبت أبشع الجرائم في حق المغاربة، الذين رفضوا تدخل الاستعمار الفرنسي للسيطرة على ميناء مدينة الدار البيضاء، والتواجد الفرنسي في المناطق المغربية بشكل عام.
وذكرت مارية دادي، ضمن مؤلفها ”احتلال مدينتي وجدة والدار البيضاء سنة 1907″، أن المذبحة التي ارتكبها البحارة الفرنسيون بالبر صاحبتها قَنْبلة الأحياء التي يسكنها المغاربة من البحر، مشيرة إلى أن ”نية قنبلة المدينة كانت حاضرة منذ وصول البارجة الفرنسية لمرسى المدينة يوم 1 غشت من هذا العام، إلا أن عملية القنبلة لم تحدث إلا بعد أن تأكدوا من وصول سفن حربية كان من المنتظر أن تصل يوم 5 غشت للدار البيضاء”.
ووفقا للمصدر، فإن هذه القنبلة غطت مدينة الدار البيضاء كلها بالحديد والنار، حيث صبت على سكان الدار البيضاء نيران المدافع في الوقت الذي كان فيه معظمهم لازال في فراش النوم، وفي الوقت الذي كانت فيه مدافع “جاليلي” تدك حي “التناكر” الشعبي، وفي الوقت الذي كانت فيه قذائف “الميلينيت” تتساقط في كل مكان وصلت البارجة ”دي شايلا”، وشرعت في القصف لتعزز بذلك عمل البارجة الأولى.
تفاصيل ثلاثة أيام من الذبح والتخريب والخوف
وتحت قصف القوات الفرنسية، عاشت الدار البيضاء، وفقا لذات المصادر التاريخية، ثلاثة أيام بلياليها غارقة في أعمال الذبح والتخريب، وتحت وابل من القنابل التي نشرت الخوف والفزع والإرهاب وسط الساكنة.
وتؤكد مصادر تاريخية، أن هذا الإنزال خلف آثارا وخيمة وعواقب أثيمة انعكست أثاره على جميع المستويات، سواء على السكان أو الممتلكات أو على الناحية السياسية.
وهكذا، اشتد القتال ليلة 5 غشت 1907، حيث هاجم سكان مدينة الدار البيضاء وخاصة الأحياء القريبة من البوارج، كحي المسجد، وقد هوجمت قنصليات إسبانيا والسويد وإنجلترا وسقط في صفوف البحارة عدد من القتلى والجرحى خاصة من الفرنسيين والإسبانيين، بحسب المصدر.
ولم يقف المستعمر الفرنسي آنذاك عند تعزيزاته العسكرية التي ذكرناها، بل طالب بالدعم من الجانب الإسباني، حيث وصلت بعد بارجة ”دي شايلا” سفينة حربية إسبانية “الفارو دو بازان”، لتشرع بدورها في القصف لبعض الوقت، قبل أن تصل في المساء بارجة فرنسية ثالثة وهي ”فوربان”، حيث عززت بارجة ”كاليلي” و”دي شايلا” في تغطية المدينة بالقذائف.
وفي التفاصيل، أوردت مارية دادي، ضمن كتابها المذكور، أن المغاربة حاولوا يوم 6 غشت طرد الفرنسيين لكنهم سرعان ما تراجعوا بفعل نيران المدفعية البحرية ومدافع الميدان الموضوعة فوق القنصليات، فيما أقدم الفرنسيون على تحطيم منارة المسجد الكبير.
وصباح يوم 7 غشت، تتابع الكاتبة، بدأ الفرنسيون يشعرون بخطر داهم ويعيشون ساعات حرجة ولم ينقذهم إلا وصول الأسطول الفرنسي بقيادة الأميرال ”فيليبر” أمام الدار البيضاء في الساعة الـ11 صباحا، وقد شرعت البوارج المرافقة للحملة في التمهيد لإنزال القوات بقنبلة المدينة وأطرافها مما أدى إلى مذابح في صفوف السكان الفارين، وكان عدد تلك القوات حوالي 3000 رجل بمعداتها وحوالي 300 من بغال وخيول بقيادة الجنرال ”درود”، وبوصول الأسطول تجددت المجازر في المدينة وأنهت مدافع الأميرال ما بدأته مدفعية قائد كاليلي.
مجازر جماعية بشعة
ارتكبت القوات الفرنسية في حق مغاربة أبرياء حين احتلال مدينة الدار البيضاء، مجازر جماعية وجرائم بشعة، حيث حولت القذائف المدينة إلى ركام، وقام الاستعمار الفرنسي بتنفيذ عمليات التقتيل الجماعي، بالموازاة مع تنظيم عمليات نهب وسلب للممتلكات.
وكانت لهذه الجرائم، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، عواقب وخيمة على السكان وسببت هدرا ديموغرافيا هائلا بحيث عدد السكان الذي كان يبلغ 30 ألف نسمة لم يبق منهم في المدينة إلا عددا قليلا والباقي قتل أو شتت في البوادي، فيما تشير التقديرات إلى أن عدد المغاربة الذين قتلوا أو شتتوا 6.000 نسمة.
وعلى الرغم من كل التعزيزات العسكرية والقوات الإضافية التي استعان بها الاستعمار الفرنسي، إلا أنه واجه صعوبات في السيطرة على مدينة الدار البيضاء وعلى منطقة الشاوية، جراء استمرار هجومات المغاربة على مقرات الجيش الفرنسي.
في هذا الإطار، ذكرت مصادر تاريخية، أنه أمام توالي فشل الجيش الفرنسي، أقدمت فرنسا على عزل الجنرال “درود” لتبرير فشلها في إخضاع منطقة الشاوية لها، إذ تولى خلال العام الجديد 1908 الجنرال “داماد” قيادة جيش الاحتلال متبنيا خطة جديدة عساها تمكنه من الوصول إلى الغرض المنشود.