

أعادت المناورات الفرنسية داخل البرلمان الأوروبي وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية، التي تستهدف المغرب لمحاولة النيل منه وابتزازه، إلى ذاكرة المغاربة الجرائم والإبادات الجماعية المرتكبة من طرف الاستعمار الفرنسي في حق المقاومة والشعب المغربي.
وتكشف بشاعة جرائم فرنسا المرتكبة في حق المغاربة الوجه الخبيث لهذه الدولة الاستعمارية، التي تحاول اليوم الظهور بمظهر “الأستاذ” الذي يجيد تقديم الدروس في مجال حقوق الإنسان واحترام مبادئ الإنسانية، فيما يثبت التاريخ خلاف ذلك.
ومن منطلق مواكبتنا في موقع “برلمان.كوم” لمختلف القضايا التي تهم وطننا، خصوصا إذا تعلق الأمر باستهداف المملكة وابتزاز مؤسساتنا الوطنية عن طريق اتهام المغرب بمزاعم لا أساس لها عمليا وعلميا لمحاولة ثنيه عن مواصلة مسيرته التنموية وعرقلته والتشويش على وحدته الترابية، ارتأينا أن نسلط الضوء خلال شهر رمضان على محطات من التاريخ المغربي، وعلى جرائم بشعة ارتكبتها فرنسا في حق المغاربة، تستوجب الاعتذار.
وبعدما تطرقنا في مقالات سابقة ضمن هذه السلسلة الرمضانية، إلى احتلال مدينة وجدة ومدينة الدار البيضاء من طرف القوات الفرنسية، وإلى مجزرة قنابل الدار البيضاء التي راح ضحيتها آلاف المغاربة الأبرياء وغيرها من الجرائم، ارتأينا التطرق في هذا المقال إلى السياسة البربرية التي نهجتها فرنسا خلال احتلالها للمغرب بغية تفريق شمل المغاربة.
فرنسا وسياسة “فرق تسد“
بمجرد سيطرة الاحتلال الفرنسي على عدد من المناطق المغربية، كما ذكرنا سابقا، سارع إلى اتخاذ عدد من الإجراءات والقرارات الإدارية والقضائية والتشريعية واللغوية والتعليمية، وغيرها، بغية إحكام قبضته على البلاد، عن طريق التفريق بين العرب والأمازيغ وتمزيق تماسكهم.
وذكر المؤرخ علال الفاسي، ضمن مؤلفه ”الحركات الاستقلالية في المغرب العربي”، أن الفرنسيين منذ احتلال الجزائر كانوا يبحثون عن الوسيلة التي تهيء لهم الامتلاك الدائم للشمال الإفريقي، لذا توجه النظام الفرنسي، إلى استعمال العبارة القديمة “فرق تسد”، بهدف تسهيل عملية احتلال المغرب، بالنظر إلى خطورة تماسك والتحام المغاربة بلغة واحدة، ونظام واحد، ضد الاستعمار.
وبحسب ما نقله علال الفاسي، عن محضر “جلسات المداولة في مشروع الظهير البربري”، فإن “وجود العنصر البربري بالنسبة لفرنسا، كان آلة مفيدة لموازنة العنصر العربي، وكان من المهم إذن استعماله ضد المخزن آنذاك”.
وأكد المؤلف، أن السياسة البربرية “كانت تهدف لفرنسة المغرب لغويا وسياسيا وقضائيا، وتتخذ لذلك وسائل التفرقة بين عنصرين كبيرين في البلاد، وهما التفرقة بين الثقافة الإسلامية والعربية، عن طريق قيام اللغة الفرنسية مقام اللغة العربية، كلغة مشتركة”.
بداية السياسة البربرية الفرنسية
وعن بداية السياسة البربرية لفرنسا بالمغرب، يقول المؤرخ المغربي علال الفاسي، إنها تعود إلى إصدار المارشال ليوطي لظهير 11 شتنبر 1914 بدعوى احترام التقاليد البربرية، وظل ذلك، إلى حين إصدار ما يسمى بـ”الظهير البربري” يوم 16 ماي 1930.
وكانت هذه الإجراءات تبتغي فرنسة المغرب، والقضاء على الهوية المغربية وفك تشبت المغاربة باللغة العربية والدين الإسلامي والمحاكم الشرعية، مقابل إحداث المحاكم الفرنسية العصرية، ووضع قوانين جديدة تسهل استيلاء الاحتلال الفرنسي على الأراضي المغربية.
ووفقا لعلال الفاسي، فإنه ”على الرغم من أن الظهير البربري كان غامض الدلالة، إلا أنه جرد الحكومة الشريفة آنذاك من سيادتها على القبائل البربرية، وأحدث محاكم عرفية لم يعرفها المغرب في تاريخه من قبل”.
استهداف وحدة المجتمع المغربي
علاقة بذلك، نقل المؤرخ ذاته، ما كتبه “مسيو جلاي”، أحد موظفي الإقامة العامة الفرنسية، ضمن مقال له بعنوان ”المدرسة الفرنسية لدى البربر”، والذي قال فيه: ”يجب أن نحذف تعليم الديانة الإسلامية واللغة العربية في مدارس البربر، وأن تكتب اللهجات البربرية بحروف لاتينية”، وختم مقاله بقوله: ”يجب أن نعلم البربر كل شيء ما عدا الإسلام”.
وجاء التوجه الفرنسي نحو التفريق بين العرب والأمازيغ بالمغرب، بعدما واجه المقيم العام الفرنسي بالمغرب الجنرال ليوطي، صعوبات في إخضاع القبائل الأمازيغية، أمام عدم جدوى كل الوسائل التي استخدمها في القضاء على المقاومة المغربية.
وكان الهدف الأساسي وراء تطبيق فرنسا للسياسة البربرية بالمغرب، هو تجزئة المجتمع المغربي واستهدافه في وحدته ونسيجه البشري، تطبيقا لقاعدة ”فرق تسد”.