

أعادت المناورات الفرنسية داخل البرلمان الأوروبي وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية، التي تستهدف المغرب لمحاولة النيل منه وابتزازه، إلى ذاكرة المغاربة الجرائم والإبادات الجماعية المرتكبة من طرف الاستعمار الفرنسي في حق المقاومة والشعب المغربي.
وتكشف بشاعة جرائم فرنسا المرتكبة في حق المغاربة الوجه الخبيث لهذه الدولة الاستعمارية، التي تحاول اليوم الظهور بمظهر “الأستاذ” الذي يجيد تقديم الدروس في مجال حقوق الإنسان واحترام مبادئ الإنسانية، فيما يثبت التاريخ خلاف ذلك.
ومن منطلق مواكبتنا في موقع “برلمان.كوم” لمختلف القضايا التي تهم وطننا، خصوصا إذا تعلق الأمر باستهداف المملكة وابتزاز مؤسساتنا الوطنية عن طريق اتهام المغرب بمزاعم لا أساس لها عمليا وعلميا لمحاولة ثنيه عن مواصلة مسيرته التنموية وعرقلته والتشويش على وحدته الترابية، ارتآينا أن نسلط الضوء على محطات من التاريخ المغربي، وعلى جرائم بشعة ارتكبتها فرنسا في حق المغاربة، وتستوجب الاعتذار، بينها وقوف فرنسا ضد استكمال بلادنا لوحدتها الترابية من المستعمر الإسباني بجنوب المغرب بعد الاستقلال، وشرعت في قتل الأبرياء وإبادة المدنيين.
الالتفاف الفرنسي على مطالب المغرب لاستكمال وحدته الترابية بعد الاستقلال
على الرغم من استقلال المغرب سنة 1956 وطرده للقوات الفرنسية من الأراضي المغربية، بعد تضحيات جسام قدمها جيش التحرير المغربي والعرش العلوي، واصلت فرنسا الاستعمارية جرائمها في حق المغاربة، حيث تحالفت مع الإسبان ضد جيش التحرير المغربي، بعدما مزقت الخريطة المغربية قبل ذلك.
المقاوم والمؤرخ المغربي محمد بنسعيد آيت إيدر، ذكر ضمن كتابه ”التحالف الفرنسي -الإسباني في معركة إيكوفيون”، -التي تحدثنا عنها في مقال سابق-، أنه ”عند توقيع اتفاق 2 مارس، لجأت الحكومة الفرنسية لنهج المناورة والالتفاف على مطالب المغرب في استعادة أجزاء من أراضيه المغتصبة، وفي هذا الإطار، وفي محاولة منها لحماية مصالحها بالصحراء الشرقية في تيندوف ونواحيها (مناجم الحديد المكتشفة حديثا بغار الجبيلات)، ذهبت بعيدا عندما ألحقت إداريا تيندوف التي كانت مركزا تابعا لدائرة إقليم أكادير، بمدينة وهران في الجزائر”.
ولم يقف المستعمر الفرنسي، عند هذا الحد، إذ يتابع آيت إيدر الذي عاش هذه الفترة وشارك في المقاومة ضد المستعمر، أن فرنسا أصدرت أيضا مرسوما “اعتبرته قانون إطار يحدد المناطق الغنية بالطاقة النفطية والثروات المعدنية ويفصلها عن مجالاتها التاريخية ويحمي كل الثروات المكتشفة بالصحراء الكبرى، والتي من شأنها أن تفتح آفاقا مهمة للرأسمالية الصناعية الفرنسية التي اندفعت احتكاراتها لعزل كل مربع منها وتأمينه ضد مخاطر وتهديدات أي من حركات التحرر المغاربية”.
وذكر المؤرخ المغربي آيت إيدر، أن منطقة ”تيندوف”، إلى حدود الثلاثينيات ”ظلت جزءا تابعا إداريا لإقليم أكادير، وفي بداية الخمسينيات عند اشتداد وتائر النضال الوطني المغربي ضد الاستعمار الفرنسي، سيتفتق تفكير جديد عند اللوبي الاستعماري الحاكم في الجزائر، خصوصا بعد اكتشاف منجم الحديد بغار اجبيلات، عن إلحاق المنطقة بمدينة وهران، اعتقادا منهم بأن إجراء ذلك الضم للجزائر التي يعتبرونها ترابا فرنسيا سيكون أضمن من بقائها ضمن تراب المملكة المغربية التي لا تربطها بالمغرب سوى معاهدة حماية يمكن للمغرب إلغاؤها واختياره الانفصال عن البلد الأم”.
وهكذا، وفقا لآيت إيدر “أقدمت الحكومة الفرنسية، دون سابق إنذار على فصل تيندوف عن إقليم أكادير، وإلحاقها مع بير موكراين بوهران، حتى إن الحاكم العام الفرنسي لجهة أكادير آنذاك نفسه عارض هذا القرار ودافع بقوة عن مغربية هذه المناطق، ولكن دون جدوى”، فيما وقفت ضد استكمال المغرب لوحدته الترابية بعدما تحالف الجيش الفرنسي مع نظيره الإسباني لتنفيذ ”معركة إيكوفيون (المكنسة)، ابتداء من 10 فبراير 1958 إلى 25 فبراير من ذات العام.
شن الصحف الفرنسية لحملة مغرضة ضد جيش التحرير المغربي
يبدو أن الصحافة الفرنسية، التي تهاجم اليوم المملكة المغربية، خدمة للنظام الفرنسي ولأجندات معادية لبلادنا لها تجربة طويلة في التشهير والابتزاز، حتى في فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب وبعده، أي قبل سنوات، من المناورات الحالية التي يتم القيام بها من قبل منظمات ومؤسسات أوروبية.
وعلاقة بذلك، ذكر المؤرخ المغربي محمد بنسعيد آيت إيدر، أن النظام الفرنسي “لم يتحمل مرارة الهزيمة على يد المقاومة المغربية باستعمال البنادق والأسلحة الخفيفة، مما جعل الصحف الفرنسية تشن حملة مغرضة ضد حركة جيش التحرير الذي وصفته بأحط الأوصاف مصورة إياه كجماعة من قطاع الطرق خارجة عن النظام وعن سلطة الملك”.
وأفاد آيت إيدر، ضمن كتابه المذكور، أن حملات التصفية ضد جيش التحرير “بلغت حدودا غير مقبولة عندما شملت حتى أبرياء مسهم الاعتقال ووقع العدوان على ممتلكاتهم، مما لم يكن ليثير سوى عدم الرضى والرفض سواء من ساكنة المنطقة أو من المسؤولين على اختلاف مستوياتهم”.
ويأتي هذا، بحسب المؤرخ المغربي محمد بنسعيد آيت إيدر، بعدما “انطلقت في حدود شهر يونيو عام 1956 فصائل من المقاومين وأعضاء التحرير من الخميسات ومراكش وورزازات متوجهين إلى الجنوب المغربي بقيادة مجموعة من الضباط على رأسهم المقاوم محمد بنحمو بمعية عديد من المقاومين الذين شكلوا معه القيادة الأولى لجيش التحرير تدفعهم جميعا الرغبة الصادقة في النضال لتحرير كامل التراب الوطني من الاحتلال الاستعماري”.
واستغرب المؤرخ، أن هذه المجموعات ”لم يكن بحوزتها من عتاد حربي سوى بعض الأسلحة الخفيفة وبنادق الصيد، ولم يكن في حوزتها أي مورد مالي يسعفها في مواجهة تكاليف ومتطلبات هذه المهمة العظمى”، مشيرا إلى أنه على الرغم من ذلك ”تمكن جيش التحرير من تصفية الوجود العسكري الفرنسي وشطبه من مناطق تمثل مواقع مهمة له في محاميد الغزلان وحاسي البيضا التابعة لإقليم ورزازات، وكذا في مدينة تيزنيت وبويزاكارن وأقا وطاطا التابعة لإقليم أكادير”.
وقد مكنت هذه الحملات جيش التحرير من أن يفرض حصارا على كل خطوط المواصلات البرية التي كان يستعملها الجيش الفرنسي في التراب الوطني الذي شمله الاستقلال بهدف تقوية المراكز التي فصلها عن القسم المستقل، ولتزويد جيشه بالتموين والعتاد الحربي.