جريمة “سفاح بن احمد” تعيد سؤال الصحة النفسية إلى الواجهة.. وخبير يؤكد: ”تأخر التشخيص ساهم في تفاقم الحالة”

أثارت الجريمة المروعة التي شهدتها مدينة ابن أحمد، صدمة عميقة في الشارع المغربي، بعد العثور على أشلاء بشرية داخل مرحاض مسجد، تبين لاحقا أن الجاني قام بطحن لحم الضحية وشيّه وأكله، في مشهد دموي يعيد إلى الواجهة النقاش حول خطورة إهمال الصحة النفسية والقصور المؤسسي في التعاطي مع بعض الحالات المرضية.
وفي قراءة علمية لجريمة ابن أحمد التي هزت الرأي العام الوطني، صنّف الدكتور عبد الجبار شكري، عالم النفس والاجتماع، ما حدث باعتباره “ظاهرة مرضية نفسية خطيرة تمثّل شكلا من أشكال القتل المتسلسل مع سبق الإصرار والترصد”، مؤكدا أن المؤشرات الميدانية وتحريات الأمن والساكنة تشير إلى أن الجاني ليس ضحية نوبة عابرة، بل يمثّل خطرا حقيقيا على المجتمع.
وأوضح المحلل النفسي في تصريح لموقع “برلمان.كوم”، أن عدوانية المشتبه فيه لم تكن خفية، وقد صدر ضده عدد كبير من الشكايات من قبل المواطنين، لكن غياب المتابعة النفسية والتدخل الفوري سمح له بالاستمرار في سلوكاته الإجرامية، بل وبتصعيدها نحو مستويات أكثر دموية، مشيرا إلى أن الجهات المعنية لم تبادر بالاحتواء المبكر للحالة، رغم وضوح علاماتها المرضية.
ويصنّف الخبير النفسي السلوكيات التي ظهرت في الجريمة ـ من تقطيع الجثة إلى أكل أعضائها ـ ضمن أشكال مرضية مرتبطة باختلالات ذهانية وعصابية معقدة، تدفع صاحبها إلى ممارسة لذته في القتل والتشويه، بل والتغذي على لحم الضحية، كما ورد في تقارير التحري. وأكد أن الجاني يعيش حالة من التناقض السلوكي، إذ يظهر أحيانا بمظهر المتدين المتزن، وأحيانا أخرى يتجلى في صورة عدوانية مليئة بالكلام النابي والتصرفات الشاذة.
وأضاف ذات المصدر أن هذه الحالة تدخل ضمن تصنيفات السادية، والبارانويا، والنرجسية المرضية المطلقة، مشيرا إلى أن هذه الاضطرابات تدفع صاحبها إلى تفريغ دوافعه المكبوتة بشكل مرضي من خلال إيذاء الآخرين، وهي نفس الدوافع التي بدأ الجاني بتفريغها في أجساد الحيوانات قبل أن ينتقل إلى الإنسان.
ويرى الدكتور شكري أن هذه السلوكيات ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تراكمات نفسية منذ الطفولة، إلى جانب صدمات مجتمعية مهملة، دفعت به نحو هذا الانفجار العنيف، مؤكدا أن التأخر في تشخيص ومعالجة هذه الاضطرابات منذ بداياتها هو ما سمح بانفجارها لاحقا في شكل جريمة مروّعة.
وتفاعلا مع سؤال “برلمان.كوم” ـ هل تغذي التمثلات الاجتماعية السلبية تجاه المرض النفسي استمرار التهميش والوصم، وبالتالي تفاقم الخطر ؟ ـ انتقد الخبير الأكاديمي غياب الثقافة النفسية في المجتمع المغربي، قائلا: “لا تزال نظرة المغاربة إلى الطب النفسي سلبية ومليئة بالأحكام المسبقة، مما يدفع المرضى إلى تفادي العلاج خوفا من الوصم، وهو ما يزيد من تدهور حالتهم وقد يؤدي إلى كوارث حقيقية كما رأينا في ابن أحمد”.
وأكد عالم النفس في ختام تصريحه على ضرورة نشر التربية النفسية في المجتمع، مشددا على أن “الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، وتتطلب اهتماما جماعيا من الأسرة، والمدرسة، والمجتمع المدني”، محذرا من تكرار سيناريوهات مماثلة ما لم يتم تجاوز التهميش المؤسساتي والاجتماعي الذي يطال المرضى النفسيين في المغرب.