الأخبارركن الميداويمستجدات

حلويات العيد بفرنسا.. الرمزية والدلالة عند أبناء الجالية المغربية

الخط :
إستمع للمقال

مع بدء العد التنازلي لشهر رمضان، تشهد عدة مواد استهلاكية مثل التمور والشباكية ولوازم الحريرة والعجائن بمختلف أنواعها، تراجعا ملموسا يقابله كالعادة إقبال واسع على محلات بيع حلويات العيد التي تشهد طوابير طويلة من الانتظار المضني. وقد ينشب بين الحين والآخر، عن طول الانتظار وما ينجم عنه من توتر في الأعصاب، تلاسن ومشاجرة بين الزبناء، أو تصادم مع البائع الذي يصبح في مثل هذه المناسبات سلطان التجار، فيما يتحول الزبون بحكم الحاجة إلى خانع قنوع بقسمته حتى وإن كان يؤدي ثمنها مضاعفا في هذه المناسبة..

وأهم المشاهد التي تطبع الأيام الأخيرة من رمضان بباريس، تغير الاهتمامات التجارية للمتسوقين المغاربة، وفورة الإقبال على هذه المحلات التي أضفت لمسة من الألوان على واجهاتها التجارية المزينة في معظمها بأطباق صينية الصنع، تسع لأنواع عديدة من الحلويات وخاصة المغاربية، فيما اختار بعض التجار اللبنايين على الخصوص، عرض حلوياتهم التقليدية بأكشاك مكسوة بالأنوار الصفراء، توضع الحلويات بداخلها في سلال ملونة. وميزة هذه الأكشاك التي تزدهر في العشر الأواخر من رمضان، أنها غير عالية الكلفة مما يجعل الإقبال عليها كبيرا من قبل مختلف الجاليات العربية بفرنسا.

وبالتوازي مع السعي لتوفير ملابس العيد، تعتبر الجالية المغربية بفرنسا حلويات العيد من الخواتم الضرورية لشهر الصيام وأحد المكونات الأساسية لعيد الفطر، حيث الإقبال على محلات بيع الحلويات أو صنعها في البيت قبيل أيام العيد، عادةٌ درج عليها الأقدمون ولا يمكن التنازل عنها أو التفريط في رمزيتها.

وككل سنة، لم يفوت الباعة في المحلات المرخص لها أو في الأسواق العشوائية على حد سواء، فرصة التفنن في عرض صنوف كثيرة من الحلويات المتنوعة في أشكالها وأسمائها وأذواقها، وفي مقدمتها “الكعبة” المغربية، و”البقلاوة” التونسية، و”محجوبة” الجزائرية، وهي معروضات مستوحاة في عمقها وصميمها من طقوس أواخر رمضان بأحياء مراكش ووهران وصفاقس وغيرها..

وتدرك صانعات حلويات العيد من نساء الجالية المغربية أنه لا مناص لأبناء الجالية من اقتناء حلويات العيد. فمعظم العائلات لا تتلاقى إلا في هذه المناسبة. ولا معنى لقيمة الحلويات وأسعارها أمام التلاقي بين العائلات. ويبقى لكل شخص أن يقتني ما لذ له بحسب إمكانياته وميزانيته.
وتشتهر بعض المناطق الباريسية بصناعة حلويات بعينها.

لذلك فإن كثيرين من المغاربة يفضلون التوجه إلى حي كريمي بالدائرة ال19 لشراء الحلويات المغربية مثل الكعبة والغريبة والفقاص، بينما تقصد بعض الفئات الميسورة المحلات الصغيرة بالحي اللاتيني، المعروفة بجودة حلوياتها وسلامتها الصحية، لاقتناء الكعبة وهي أشهر الحلويات بين الجالية العربية ومسلمي فرنسا بشكل عام، بمن فيهم الأتراك والأفارقة. ويمثل حي باربيص إلى جانب ضاحية بيل فيل، القبلة المفضلة لأبناء الجاليتين التونسية والجزائرية الذين تستهويهم “البقلاوة” و”المقروض” و”الزلابية” و”محجوبة” وغيرها من الحلويات المفضلة لدى الفئات الشعبية. ويعرف عن معظم هذه المحلات بما فيها المحلات المغربية، أنها ذات خبرة عالية في صناعة الحلويات المغشوشة من حيث المواد والمقادير، كما تستغل مناسبة اقتراب العيد لتضاعف من أثمنتها.
ويرد أصحاب هذه المحلات على ذلك بأن بضاعتهم مستوفية لكل الشروط الإنتاجية وتخضع باستمرار لفحوصات دقيقة من مصالح المراقبة. ويتساءلون أيضا عن سبب احتجاج الزبون وهو يعلم أن أسعار المواد الأولية في ارتفاع مستمر بالأسواق الفرنسية، حيث أسعار اللوز والفستق والأسمدة والبيض، وكل مكونات الحلويات ارتفع سعرها بشكل غير مسبوق، ومن الطبيعي أن تكون أسعار الحلويات مرتفعة أيضا.

ويكمن سر رواج الحلويات المغربية مقارنة بالأصناف الأخرى، في إتقان نساء الهجرة المغربية لصناعة “الكعبة” المعروفة بـ”أميرة الحلويات”، وهي المفضلة بامتياز لدى الفئات المغاربية الميسورة، ولدى الفرنسيين أيضا لما تتميز به من نكهة وفوائد صحية متوفرة في موادها الغنية وأبرزها اللوز. ثم إن أجيال الشباب لا زالت تفضل شراء الحلويات من المتاجر، خلافا للأجيال الأكبر سنا التي ما تزال تفضل تحضير الحلويات في المنازل.
وتبدأ الطلبات على حلويات العيد في الأسبوع الثاني من رمضان حيث تقدم بعض الأسر لائحة بأسماء وأنواع الحلويات التي يعمل المحل على تحضيرها في مواعيد متفق عليها سلفا. وهناك من الأسر من تجعل هذه الحلويات ديكورا للصالون في يوم العيد وتأخذ صورة تذكارية معها.

ويمكن اعتبار فرنسا دولة استثنائية في القارة الأوربية تجاه الإسلام والمسلمين نظرا للإرث التاريخي الذي يجمعها بالدول العربية والإسلامية. فالفرنسيون في غالبيتهم يدركون بشكل جيد، الجرعة الإيمانية القوية التي يستمدونها من المناسبات الدينية وفي مقدمتها رمضان. فتجدهم يبدون تفهما لإقدام الطلاب المسلمين في المدارس والمعاهد والكليات الفرنسية على منح أنفسهم إجازة غير رسمية للاحتفال بعيد الفطر الذي يعتبر يوما دراسيا عاديا. ويعد هذا الغياب الجماعي في المؤسسات التعليمية وحتى الإدارية، مظهرا لافتا للانتباه يضاف إلى مظاهر أخرى لا تبدو إلا في العيد، مثل وضع صناديق زكاة الفطر أمام المساجد، وتوزيع الأكياس الغذائية على السجناء، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، كبادرة اعتادت جمعية الإغاثة الإسلامية القيام بها يوم عيد الفطر من كل سنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى