اخبار المغربمجتمعمستجدات

حين تنساق الحكومة وراء تلميع الواجهة الدولية وتنسى الأولويات الداخلية.. آش خاصك آ العريان؟ ملعب الهوكي آ مولاي

الخط :
إستمع للمقال

هالنا أن نرى صور الملعب الضخم للهوكي الذي يُشيَّد في قلب يعقوب المنصور بالرباط، على أنقاض سوق الجملة للخضر والفواكه، في مشروع تُقدَّر كلفته بحوالي 280 مليون درهم، على مساحة تفوق 16 ألف متر مربع، يُقدَّم على أنه “أكبر ملعب هوكي في إفريقيا”.

في الوقت نفسه، نرى واقع آيت بوغماز وقرى المغرب العميق، حيث المدارس آيلة للسقوط، والمستوصفات بلا أطباء، والطرق تنقطع مع أول مطر.

وقد يصفنا أحدهم بـ”الشعبويين”، لكن مهلاً:
متى صارت المطالبة بتعليمٍ جيد وصحةٍ عادلة وكرامةٍ تحفظ الإنسان مطلبًا شعبويًا؟ منذ متى صارت كرامة المواطن ترفًا، و”الهوكي“ أولوية وطنية؟

كرامة الإنسان أولاً، وكرامة المغربي قبل لعبةٍ لا نعرفها، ولا نمارسها، ولا حتى تعيش في ثقافتنا.

إن هذه الحكومة تُشبه من يقطن بيتًا متهالكًا ويشتري له ثريات من الكريستال ليبهر الزوّار (حكومة المقولة الشعبية الشهيرة لعكر والخنونة).

تُشيّد الملاعب وتُعلن البطولات، بينما تترك المستشفيات تنهار والمدارس تغرق في الفوضى.
لسنا ضد تشييد ملاعب كرة القدم من أجل الكان والمونديال لأن كرة القدم هي في دم المغاربة.. ولكن.. الهوكي؟؟؟؟

يُقال إن الاستثمار في الرياضة يعزز صورة المغرب… جميل. لكن ماذا عن صورة المواطن في المستشفى العمومي؟ وماذا عن الطفل الذي يقطع الجبل ليصل إلى مدرسته؟
هل نجم الهوكي الجديد سيُدرّس أبناءه في القسم نفسه الذي يجلس فيه خمسون تلميذًا على مقعدٍ واحد؟

لا عجب إذن أن الشباب ثار لفكرة بناء ملعب للهوكي (انتفض…فصفعونا.. فجعلونا نستفيق)
جيل “Z” ليس ضد الرياضة، بل ضد اللامنطق.
خرج لأنه سئم من سياسة تعيش في واجهات التواصل الاجتماعي بينما واقعه يعيش في العتمة.

رأى في ملعب الهوكي رمزًا للاستهتار: دولة تضع ملايين الدراهم في مشروع رمزي لا يعرفه حتى تلاميذ المدارس، بينما تُغلق أبواب الأمل أمامهم في التعليم، في الشغل، في الكرامة.

الشباب لم يخرج ضد الهوكي كلعبة، بل ضد الذهنيات التي تحكم بعقلية “المهرجان” لا بعقلية الدولة.

حين يُمنع السؤال داخل البرلمان، يطرحه المواطن في الشارع. وحين تُغلق أبواب المعارضة، يفتحها الشعب على مصراعيها.

لهذا لم تعد الاحتجاجات الأخيرة مفاجِئة: هي نتيجة طبيعية لسياسة تصمّ الآذان، وتؤمن أن الصورة أهم من المضمون. “آش خاصك آ العريان؟ الهوكي آ مولاي” لم تعد نكتة… بل تلخيصًا مؤلمًا لعهدٍ كاملٍ من سوء الأولويات.

الحكومة أرادت أن تزيّن الواجهة بالهوكي، ففضحتها الصورة. أرادت أن تُبهِر الخارج، فأغضبت الداخل.
أرادت أن تلهي الناس عن الواقع، فذكّرتهم بألمه.
المغاربة لا يريدون ملاعب جديدة، بل دولة جديدة في منطقها وأولوياتها.

يريدون مدرسة تفتح الأفق، ومستشفى يُنقذ الحياة، وقبل كل شيء..يريد مسؤولًا يعرف أن الكرامة ليست رفاهية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى