اخبار المغربسياسةمستجدات

حين يُعلن وزير الصحة أنه ألغى الدعم عن المصحات الخاصة ويُكذبه القانون.. لا تملك أصلا الصلاحية

الخط :
إستمع للمقال

في خرجته الإعلامية الهزيلة على قناة 2M والحوار الأول منذ تم تعيينه منذ سنة (و نتمنى أن يكون آخر خروج إعلامي له)، أعلن وزير الصحة بكل فخر واعتزاز أنه “ألغى الدعم العمومي الموجه للمصحات الخاصة”.

لكن الحقيقة الصادمة والتي تبين إلى أي حد يمكن أن يتمادى في الإدعاء هؤلاء المحسوبون على السياسة في المغرب، هي أن الوزير لا يملك أصلًا هذه الصلاحية، لأن الدعم صار حقًا قانونيًا لتلك المصحات بموجب قانون الاستثمار الجديد الذي جاءت به حكومة أخنوش نفسها، وصادق عليه البرلمان، وفعّله الوزير السابق المكلف بالاستثمار محسن الجزولي، بأمر مباشر من رئيس الحكومة.

هذا القانون هو الذي فتح الباب رسميًا أمام المصحات الخاصة لتستفيد من أموال الدولة تحت شعار “تشجيع الاستثمار الصحي”.

واليوم، يأتي وزير الصحة متأخرًا ليحاول إطفاء حريق صنعته حكومته، وكأنه اكتشف فجأة أن المستشفيات العمومية تنهار لأن الدولة تموّل القطاع الخاص!

حين صادق مجلس الحكومة على قانون الاستثمار، ضغط أخنوش شخصيًا لإدراج المصحات الخاصة ضمن قائمة القطاعات المستفيدة من التحفيزات والدعم العمومي، رغم التحذيرات التي أطلقتها النقابات والهيئات الحقوقية حينها.

واليوم، يحاول وزيره أن “يُلغي” ما لا يمكن إلغاؤه بقرار إداري، لأن المسألة أصبحت مؤطرة بقانون، تُشرف على تنزيله مؤسسات متعددة، ولا يملك الوزير منها سوى كرسي المتفرّج.

طلبات الدعم لا تمر عبر وزارة الصحة أصلًا، بل عبر اللجنة المكلفة بالاستثمار والمراكز الجهوية للاستثمار التي تم تعديل قانونها أيضًا على يد حكومة أخنوش والوزير المكلف بالاستثمار التابع لحزبه ليلائم أهوائهم.

أما قرار صرف الدعم نفسه، فيصدر بناءً على تقرير اللجنة الجهوية، وتتم المصادقة عليه من طرف رئيس الحكومة شخصيًا، فيما تُنفذ العملية عبر الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات (AMDIE).

فأين صلاحية وزير الصحة في كل هذا وهو الذي أعلن أنه ألغى الدعم عن المصحات الخاصة؟ هل يستبلد المواطن السيد الوزير كعادته عندما أعفى مدير وهميا في كارثة أكادير؟

ولأن الكفاءات تُقاس بالمناصب السابقة لا بالنتائج الحالية، فليس غريبًا أن يكون الوزير نفسه قادما من عالم الصفقات التجارية لا من عالم السياسة.

وزير من درجة مدير المشتريات في إحدى شركات أخنوش، يجهل أبجديات التسيير العمومي، ويتعامل مع وزارة الصحة وكأنها مقاولة خاصة.

وزير بلا تكوين سياسي، بلا رؤية إصلاحية، وبلا جرأة حقيقية على مواجهة المنظومة التي أتت به.

سنة كاملة قضاها في الحكومة، لم يجب خلالها سوى على تسعة عشر سؤالًا كتابيًا فقط من أصل 756 سؤالًا وجهها له البرلمان!

هذا رقم يكشف كل شيء: وزير يعتبر نفسه فوق المحاسبة، كما يعتبر رئيسه نفسه فوق النقد والمساءلة.

نموذج مصغّر لوزراء حكومة أخنوش: منغلقون على أنفسهم، يرفضون الحوار، ويتصرفون وكأنهم أوصياء على الدولة لا خدامها.

يحاول الوزير اليوم أن يُقنع الرأي العام أنه “يُصحح المسار”، لكن المسار أصلاً رُسم فوق طاولة لوبيات المصحات الخاصة منذ بداية الولاية الحكومية، وبمباركة من رئيسها.

لقد حُوّلت الصحة إلى سوق استثمارية، والمريض إلى زبون، والوزارة إلى واجهة سياسية لقرارات تُتخذ في مكان آخر.

إن ما نراه اليوم ليس “إصلاحًا”، بل تدبير يائس بعد خراب مالطا: وزير يحاول إنقاذ ماء الوجه أمام غضب شعبي متصاعد، بعد أن أدرك الناس أن دعم الدولة يذهب لمن يبيع الخدمات بأثمان خيالية، بينما المستشفيات العمومية تختنق.

المسؤولية السياسية لا تقع على الوزير وحده، بل على رئيس الحكومة الذي وقّع على كل النصوص التي فتحت الباب لهذا النزيف المالي، وعلى منظومة تشرّع الامتيازات للأقوياء، ثم تُحمّل الضعفاء وزر الفشل.

الوزير يحاول اليوم “تصحيح الخطأ” بخطأ أكبر: إيهام المغاربة بأنه صاحب القرار، بينما القرار الحقيقي يظل في يد من صنع هذا القانون أصلاً، رئيس الحكومة نفسه.

وفي الأخير ما يجب أن تعرفه هذه الحكومة المحتضرة، أن صرخة شباب المغرب اليوم جاءت لتطالب بالتكريس الحقيقي للدولة الاجتماعية التي أرادها جلالة الملك لشعبه والتي عجز أخنوش وأصدقاؤه عن لمس مفاهيمها ومبادئها. مبدؤها الأساسي هو مواطن يتداوى بحسب احتياجاته لا بحسب إمكانياته، وهذا مبدأ لن يستوعبه أصحاب العقول الربحية بالفطرة وبالممارسة أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى