اخبار المغربسياسةمستجدات

دراسة دستورية: إنهاء مهام رئيس الحكومة في ضوء الدستور لسنة 2011

الخط :
إستمع للمقال

أثيرت في الآونة الأخيرة على نطاق واسع داخل وسائل الإعلام الوطنية ومواقع التواصل مسألة إنهاء مهام رئيس الحكومة وإمكانية “إعفائه” قبل نهاية الولاية التشريعية.

وجاء هذا الجدل بعد تصريحاتٍ لوزير العدل عبد اللطيف وهبي الذي اعتبر أنّ الدستور لا يتوقع سقوط الحكومة في أعقاب المظاهرات الشعبية.

غير أنّ عدداً من الأساتذة الجامعيين وخبراء القانون الدستوري قدّموا قراءة مغايرة مؤكدين أنّ الدستور يتيح للملك سلطة إنهاء مهام رئيس الحكومة.

أمام هذا التباين في التأويل يصبح من الضروري العودة إلى التحليل الدقيق للنص الدستوري في ضوء مسار التطور الدستوري المغربي منذ دستور 1962 إلى غاية دستور 2011.

متى يمكن إعفاء رئيس الحكومة من مهامه وهل  يتضمّن الدستور أي مقتضى يسمح بعزل الحكومة أو إنهاء مهامها؟

1. منطلق عام: موقع رئيس الحكومة ومسؤوليته السياسية
ينصّ الدستور لسنة 2011 على أنّ رئيس الحكومة يُعيَّن من طرف الملك من الحزب السياسي المتصدّر لانتخابات مجلس.
ويمنحه النص الدستوري مكانةً خاصةً مقارنةً بأعضاء الحكومة:
ـ هو من يقترح أعضاء حكومته على الملك.
ـ له صلاحياتٍ واختصاصات لا يتمتع بها أعضاء الحكومة.
ـ يمكنه أن يطلب من الملك أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم.
ـ يمكنه أن يطلب من الملك أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء من الحكومة من مهامهم بسبب استقالتهم الفردية أو الجماعية.
ـ وفي حالة استقالة رئيس الحكومة، يُنهي الملك مهام الحكومة بأكملها.

2. المادتان 47 و42: العلاقة بين التعيين والإعفاء وسلطة التحكيم
تنصّ المادة 47 على أن الملك:
“يُعيّن رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها. وباقتراح من رئيس الحكومة يُعيّن أعضاء الحكومة ويُنهي مهامهم إمّا بمبادرته أو باقتراح من رئيس الحكومة”.
ويُستفاد من الصياغة أنّ الفقرة الثانية تتعلّق حصراً بـأعضاء الحكومة (الوزراء) دون رئيسها.
فالمادة ميّزت بين تعيين رئيس الحكومة في فقرة مستقلّة وتعيين أعضاء الحكومة في فقرة لاحقة ثم أسندت إمكانية الإعفاء إلى الفقرة الخاصة بالوزراء.

ومن ثمّ لا يمكن تفسيرها على أنّها تخوّل للملك سلطة إعفاء رئيس الحكومة نفسه إذ لو أراد واضعو الدستور ذلك لنصّوا عليه صراحة كما فعلوا في الدساتير السابقة.

أمّا المادة 42 فهي تُؤكّد أنّ الملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.

هذه المادة ذات طبيعة مبدئية وإطارية أكثر منها إنشائية فهي تكرّس موقع الملك كـضامن للنظام الدستوري ومن ثمّ لا يمكن الاستناد إلى المادة 42 لتأسيس سلطة إعفاء لرئيس الحكومة ما دامت المادة 47 قد حدّدت الحالات بدقّة ولم تشملها.
تنتهي مهام رئيس الحكومة في ثلاث حالات:
· حل البرلمان   
· الاستقالة  
· سحب الثقة البرلمانية
(ويمكن اضافة حالة رابعة، وهي نتيجة القوة القاهرة: الوفاة أو العجز الكلي).
خارج هذه الحالات لا توجد صيغة دستورية لإعفائه المباشر.

3. مقارنة تاريخية: من دستور 1962 إلى دستور 2011
تُظهر قراءة متتابعة للدساتير السابقة أنّ المادة 24 منها كانت تنصّ صراحة على أنّ:
1962: “يعين الملك الوزير الأول والوزراء ويعفيهم من مهامهم ويقيلهم إن استقالوا أفرادا أو جماعة”.
1970: ” يعين الملك الوزير الأول والوزراء ويعفيهم من مهامهم ويقيلهم إن استقالوا”. 
1972: “يعين الملك الوزير الأول والوزراء ويعفيهم من مهامهم ويقيلهم إن استقالوا”.
 1996: “يعين الملك الوزير الأول”.
“ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول”.
“وله أن يعفيهم من مهامهم”.
ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها”.

هذه الصياغة كانت تُدرِج الوزير الأول ضمن الفئة التي يمكن للملك إعفاؤها بمحض إرادته ما يعني أنّ الملك كان يتمتّع دستوريًّا بسلطة صريحة في إقالة الوزير الأول.

كما كانت الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام البرلمان أي أنّها خاضعة لمساءلتين سياسيتين.

غير أنّ واضعي دستور 2011 حذفوا هذه المادة واستبدلوها بالمادة 47 الجديدة التي تُفرّق بوضوح بين رئيس الحكومة وباقي أعضائها فباتت سلطة الإعفاء مقتصرة على الوزراء دون رئيس الحكومة: “للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم”.

وهنا يطرح سؤال : إذا كانت استشارة رئيس الحكومة في حالة إعفاء وزير من مهامه إجراء دستوري، فمن يتعين استشارته في حالة إعفاء رئيس الحكومة؟

لا يمكن اعتبار حذف المادة  24 مجرّد سهو تقني بل هو اختيار مقصود لترسيخ مبدأ المسؤولية البرلمانية لرئيس الحكومة.

4. الفرق بين حالة 2017  وإمكانية الإعفاء في منتصف الولاية
الحالة التي وقعت سنة 2017 لا تُعدّ إعفاءً أو إقالة بالمعنى الدستوري إذ كلّف مسؤول سياسي بتشكيل الحكومة لكنه فشل في إتمام المهمة.

فاستعمل الملك صلاحياته في التعيين بموجب المادة 47 وعيّن شخصية أخرى من نفس الحزب.
أي أنّنا لم نكن أمام رئيس حكومة مزاول لوظائفه ثمّ أُعفي بل أمام شخصية لم تستطع تشكيل الحكومة فانتهت مهمتها تلقائيًّا.

بينما في حالة حكومة قائمة تمارس مهامها فإن أيّ “إعفاء” مباشر لرئيسها لا يجد له أساساً في النص الدستوري وسيشكّل رجوعاً إلى ما قبل إصلاح 2011.
الخلاصة العامة:

جاء دستور عام 2011 بتغيير جوهري بالمقارنة مع الدساتير السابقة فيما يتعلق بإنهاء مهام رئيس الحكومة (الوزير الأول سابقا).

وبالمقابل رسّخ مبدأ المسؤولية السياسية لرئيس الحكومة أمام البرلمان مع بقاء الملك ضامناً للتوازن والتحكيم بين المؤسسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى