اخبار المغربرأي في قضيةمجتمعمستجدات

رحلتي من حكومة الكفاءات إلى حكومة المونديال

الخط :
إستمع للمقال

عندما تولّت هذه الحكومة جزءا من “السلطة”، والحمد لله على ذلك، روّجتْ لها أبواق حملاتها التبشيرية على أنها “حكومة كفاءات”، وبأنها قادرة على إنجاز التحولات الكبرى التي يتطلبها مغرب ما بعد الجائحة، خاصة وأن رئيسها قادم من عالم المال والأعمال بقدرة مزعومة على ترحيل الحكامة صوب الجهاز التنفيذي، تلك الحكامة التي كشفت أيام الناس أن مؤسساتها هي أكثر شيء بات يقض مضجع رئيس حكومتنا المحترم. لكن بدلًا من أن تميط الحكومة اللثام عن وجه “الكفاءات”، تحوّلت سريعًا إلى نموذج صارخ لفشل التدبير والتخبط في السياسات العمومية وفي تضارب المصالح، حتى إنه لم يعد يُعرف لها إنجاز يُذكر سوى وفائها بوعد وحيد: “إعادة تربية الدراويش”، وفق تعبير رئيسها الذي لخص بوضوح طبيعة العلاقة بين رأس المال المتغول والمواطنين في هذا الزمن الحكومي البئيس.

واليوم، تخلق الحكومة وهمًا باقتراب موعد الانتخابات التشريعية لعام 2026، لكي تُمارس “التْبْراح السابق للآوان”؛ إذ اختارت بعض الأحزاب المشكلة للأغلبية الهروب التواصلي إلى الأمام بحملة تبشيرية عنوانها “حكومة المونديال”، وكأنها ضمنت البقاء في قيادة الآلة التنفيذية إلى مرحلة تنظيم كأس العالم 2030، متناسية أن مكاتب الاقتراع لم تُفتح بعد، وأن الشعب الذي ذاق مرارة سياستها لن يكون مجرد شاهد عيان سلبي في هذه اللعبة المكشوفة.

1- “كفاءات” من درجة “مهبول أنا”:

لم يكن المواطن الحصيف ينتظر من حكومة “تستاهل أحسن” أن تصنع المعجزات أو أن تحوّل البلاد إلى ورش مفتوح للنموذج التنموي الموعود، لكنه كان يتوقع، على الأقل، قدرًا من الجدية في مواجهة التحديات الكبرى، غير أن السنوات المنصرمة لم تحمل سوى العبث المُمنهج، حيث تحوّلت الوعود الانتخابية إلى مجرد تمارين خطابية ينجزها بعض المتدربين المنعم عليهم بكعكة التواصل، وامتد الفشل الحكومي إلى تفاصيل العيش اليومي: غلاء مستشرٍ، وقدرة شرائية في تهاوٍ حر، وارتباك في تدبير الملفات الحيوية.

أما شعار الحكامة الذي جرى استهلاكه حتى الابتذال، فلا يعدو أن يكون في النظر الحكومي سوى إعادة إنتاج نفس أنماط التدبير التي أوصلت البلاد إلى عنق الزجاجة على أيام الطارئين السابقين من تجار الدين، الذين حملتهم “الركمجة” إلى تدبير الشأن العام. أما مؤسسات الحكامة بوصفها الحارس الأمين لعقيدة الحكم الرشيد، فقد تحوّلت في نظر رئيس الحكومة إلى مصدر إزعاج، وكأن الاستقلالية المؤسساتية خطرٌ ينبغي تطويعه، لا مكسبٌ يجب تعزيزه.
تلك قصة أخرى لرئيس حكومتنا مع الدستور ومؤسساته سنعود إليها في أوانها.

2- “الهروب إلى الأمام”: الاستثمار في الوهم بدل حل الأزمة

يبدو أن مُسْكة العقل الحكومي أسعفتْه في الإدراك أن الرصيد السياسي آخذ في النضوب، ما فتح الذهن الحكومي على تكتيك مكشوف في عالم فن الممكن: خلق سردية بديلة تُعين على ضبط إيقاع الزمن السياسي، وتُغرق النقاش العمومي في قضايا من المستقبل بدل قضايا الراهن الحارق، أملاً في امتصاص الغضب وتأجيل المحاسبة الشعبية إلى أمد غير مسمى.

هكذا، وعوض أن ينكب الحزب الوحيد بثلاثة رؤوس كتنين قادم من زمن الأساطير على إصلاح ما أفسده، رأينا استثمارا في “الهروب إلى الأمام”. فأرقام “النيت” وعطالة الشباب التي تصنع يأسا يرتمون معه في أحضان المتوسط، وغلاء الأسعار الذي أبدعت الحكومة في هندسته قبل أن ترمي به كقنينة مولوتوف في وجه الإدارة الترابية على لسان “المرسول أوجار”، وغيرها من المآسي التي كسرت شوكة المقهورين والأرامل والأيتام والثكالى، ليس من التأدب تذكير حكومتنا بها، حتى لا نفسد عليها نشوة أضغاث أحلام “هوتة المونديال”.

والحق أن الرهان الحكومي على سردية “حكومة المونديال” يؤدي وظائف عدة، أقلها: تعويم النقاش وتأجيل التقويم وتقديم المونديال كمشروع سياسي بعد السطو المسلح عليه بالوعود الانتخابية من شاكلة التي تحدانا الحزب الوحيد بثلاثة رؤوس أن نرجم شيطانه الرجيم بالحجارة إن هو لم يحققها.

وهكذا، كنا شاهدين على الانتقال من حكومة “كفاءات” من درجة “مهبول أنا”، إلى حكومة تُسوّق نفسها كـ”حكومة المونديال”، في تصريح ضمني بأن من يقود المرحلة اليوم سيظل على رأس السلطة حتى 2030.

لم نكن نعلم أن صناديق الاقتراع وُجِدت لتكريس السيناريو القائم والقاتم، وأن هذا الشعب المغربي الأبي هو مجرد مازوشي يتلذذ بسوط جلاده إلى الحد الذي يدفعه إلى إعادة تمكينه من السوط بعد أن يُسقطه الزمن السياسي من يديه بعد عام ونصف من الآن.

3 – “المونديال” ليس صكّ غفران، وذاكرة الشعب ليست مثقوبة:

لا جدال في كون استضافة كأس العالم 2030 تعد شرفا وفرصة لتسريع الأوراش المفتوحة، لكن يقظة الدولة تلزمها بالحيلولة دون تحويله إلى طوق نجاة لمن أنهكه الفشل الحكومي الذريع. فالتدبير الرياضي ليس منفصلًا عن التدبير الاقتصادي والاجتماعي والنجاح في الأول هو فرع عن النجاح في الثاني. أما عن المواطنين، فالأمل في يقظة اقتراعية كفيلة بتذكير من فشل في تدبير ملفات برهان وطني أنه غير جدير بتدبير ملف برهان عالمي من حجم المونديال.

إن ذاكرة الشعب المغربي اليقظ أكبر من أن تكون ذاكرة سمكة، وسواء جرى الترويج للحكومة بلقب “حكومة الكفاءات” أو “حكومة المونديال”، فالمؤكد أنها لم تختر أن تكون “حكومة الشعب”، وهي بذلك جديرة بالشكر على إفصاحها عن هذه الحالة السيكوباتية-السياسية غير المسبوقة في المشهد الحكومي. والمؤكد أيضا أن ساعة المحاسبة آتية لا ريب فيها، وأن الصندوق، حين يأتي أوان فتحه، سيوقظ التغول من أوهامه، بل وسيعيده إلى حجمه الطبيعي كحزب إداري بدل حالة المسخ الكافكاوي التي جعلت منه حزبا وحيدا بثلاثة رؤوس.

إن هذا الوطن العزيز يستحق حكومة حاملة لمشروع دولة لا لمجرد مشروع مقاولة جاهزة تم ترحيلها إلى الحكومة لتدبر شؤون المغاربة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى