

من حق، أي أم، أن تناجي ابنها وهو يقضي مدة محكوميته داخل السجن. فهذا حقها المشروع الذي تضمنه لها قوانين المؤسسات السجنية والعقابية، وتبرره عاطفة الأمومة المزروعة في كل والدة إزاء ما ولدت.
ومن حق، كل أم، أن تناشد ابنها المعتقل في سجنه، وأن تنشر سلافة عاطفتها وجنى فكرها في تدوينات وترانيم بكاء، علها تخفف عنها لوعة الفراق ولهفة الضنى والبعاد.
فهذا الحق المشروع، مكفول للأمهات بصرف النظر عن تهمة الابن المسجون، ودون اكتراث بما اقترفت يداه وجريرته من جرائم يعاقب عليها القانون.
لكن ما ينبغي أن تستحضره والدة عمر الراضي، وهي تقيس حرارة ابنها في السجن، أن “الجزاء من جنس العمل”، وأن ما يتابع به ولدها اليوم هو حصاد لفشل أخلاقي وتراجع قيمي.
فأن تغض هذه الأم الطرف عن جريمة الاغتصاب أو حتى شبهتها المنسوبة لعمر الراضي، وتنبري تبحث عن مشاجب سياسية وإعلامية تعلق عليها أوزار ابنها، فهذا يتجاوز “شرعية العاطفة” المفروضة في الأم، ليلامس دعوات “التحريض على حالة العود للجريمة”.
بل إن الأم التي تستبيح “عرض ضحية ابنها” صراحة أو تلميحا، وتشرعن التواطؤ مع الأجنبي ضد مصالح بلدها، إنما تحتاج فعلا لمراجعة حقيقية لمقياس تمثلاتها لشرف المرأة التي هي ضحية الاغتصاب. فالمرأة الحرة لا يمكنها أن تتطبع مع الاغتصاب، أو تبحث له عن مسوغات، حتى وإن كان المتهم خرج من رحمها وكانت تسجيه بمشيمتها.
وأيا كان منسوب العاطفة عند والدة عمر الراضي، وأيا كانت المبررات والدوافع الأسرية التي تسامرها، فإن محاولة تبرئة ابنها على “مسلخ” اتهام الأحزاب السياسية، وعلى “مذبح” مهاجمة الصحافة والصحافيين، هو أسلوب مرفوض أو على الأقل غير محمود في حالتها.
فالأم التي تتغاضى عن تهم ابنها عمدا، وتوغل في تسييس الغريزة الجامحة لديه في جريمة الاعتداء الجنسي، فكأنما تتهرب من مسؤولية فشلها في التربية والتمييز بين المباح والمحظور، وعندما تسرف هذه الأم كذلك في البحث عن المبررات والمشاجب لتهم جنسية جنائية، فكأنما تبحث، بشكل واهي، على أن تزرع في ولدها فكرة مغلوطة مؤداها “أن الضحية هي المذنب الحقيقي في جريمة الاغتصاب، لأنها مخلوقة بمفاتن جسدية، بينما ابنها تتصوره فحلا منذورا لكل غزوة جنسية”.
ما هكذا تورد الإبل، وما هكذا يربى الأبناء، وما هكذا يوعظ المذنب منهم. فاعتقال عمر لا مجال فيه للعاطفة، ولا يحتمل كل هذه الرسائل المفعمة بالشجن والمطبوعة بالتهرب من المسوولية الأخلاقية والقانونية، وإنما يحتاج لتوبة أخلاقية، ولمصالحة مع منظومة القيم والسلوكات الفضلى، قبل التفكير الجدي في المعالجة القضائية.