روائي مغربي يحكي رحلته من قريته الريفية إلى عوالم الرواية والقصة القصيرة (3)

يواصل موقع “برلمان.كوم” السلسلة الرمضانية التي تهتم بالإبداع الروائي بالمغرب، وفي هذا البورتريه الذي حاورنا لإعداده الروائي المغربي الشاب، محمد إكعبوني، سنغوص في تجربته الروائية، وعلاقته بالقراءة والكتابة وكيف ساهمت تجربته الشخصية في تفتق قريحته الإبداعية.
إن الأدباء وكل من يمتطي صهوة الإبداع، يواجهون ظروفا ومحطات مفصلية في حياتهم، ولعل التجربة القاسية هي التي تُنتج إبداعا خالصا، كما أن الإبداع بدون معاناة يظل خاليا من المعنى الحقيقي للإبداع، عكس الفلسفة التي يُقال إنها صديقة الترف والبذخ والنُبل.
وفي رحلة أدبية شاقة ومليئة بالتحديات، يشق الروائي الشاب محمد إكعبوني طريقه بثبات في عالم الكتابة، مُعبّرا عن رؤيته العميقة للحياة والمجتمع من خلال أعماله الروائية والشعرية.
وُلد محمد إكعبوني في قرية إكعبونن، الواقعة في إقليم تازة، في بيئة محافظة تعتمد على الزراعة والفلاحة، حيث كان الشباب يتجهون تلقائيا لممارسة حرفة الآباء والأجداد، لكن البداية فعلا كانت حسب اكعبوني “نتيجة الثورة على التقاليد والعادات”.
محمد كان مختلفا، فقد قرر تحدي قساوة الطبيعة والمناخ ليكمل تعليمه الإعدادي، حيث كان عليه أن يقطع سبع كيلومترات يوميا للوصول إلى المدرسة، يقول “كان العالم بالنسبة لنا هو القرية وفقط، لا أحد فينا يتطلع إلى أن ينظر ما وراء الجبال التي كانت تحيط بالقرية، كنت من القلائل الذين تحدوا آنذاك قساوة المناخ والطبيعة من أجل أن أكمل دراستي الإعدادية”.
حب القراءة والكتابة
تولدت لدى إكعبوني الرغبة في أن يكون شخصا مختلفا عن شبان القرية، فعشق القلم والورق بدل المحراث والفأس، وفي أيام السوق الأسبوعي، كان الطفل يقتني المجلات والجرائد مثل “العربي الصغير” و”مجلة العربي” و”مجلة المعرفة”، ما أسس لرحلته الأولى في عالم القراءة.
كما أنه في مرحلة الثانوي من مساره الدراسي، بدأ يشارك في الأنشطة الثقافية والمسابقات القصصية، ليولد من رحم تلك التجربة روايته الأولى “غروب الشمس”، وهي التي يقول متسائلا “هل يمكن للمدينة أن تغير الأشخاص الذين ولدوا في محيط يسود فيه التحفظ والخجل، وتحكمه قوانين القبيلة وعاداتها وتقاليدها فيتغيرون بتغير البيئة والمحيط، أم سيظلون أوفياء للعادات والتقاليد؟”.
“غروب الشمس”.. صدام بين ثقافتين
يحكي إكعبوني أن الرواية الأولى تتناول الصراع بين ثقافة القرية المحافظة وثقافة المدينة المنفتحة، كما أن بطلة الرواية سلمى تمثل الفتاة التي تثور على التقاليد بعد انتقالها إلى المدينة، بينما أنيس يرمز للشاب الذي يظل متمسكا بعادات القبيلة، الرواية، المكتوبة في قالب رومانسي بسيط، تسلط الضوء أيضا على قضايا اجتماعية مثل الهدر المدرسي والزواج.
“مجاز ولكن…”: الواقعية والوجودية
في روايته الثانية، “مجاز ولكن…”، انتقل إكعبوني من الكتابة العاطفية إلى الواقعية والوجودية، معتمدًا على تقنيات مثل الاسترجاع (Flashback) والحوار الداخلي (Monologue)، وهنا يقول “استعملت أسلوبا مختلفا تماما عن الرواية الأولى، فلنقل أني صرت واقعيا أكثر من اللازم، انتقلت من الكتابة العاطفية ومن الفهم الأفلاطوني للحياة وللحب إلى الفهم الوجودي والواقعي للأمور والأشياء”.
يضرب إكعبوني المثل قائلا “في الرواية الأولى هناك عبارة مفادها ” إن الحب يأتي صدفة ويتسلل إلى قلوبنا كما يتسلل ضوء الشمس صباحا من النافذة إلى الغرفة” لكن في الرواية الثانية يختلف الأمر تماما فهناك عبارة تقول “إن الحب يولد من رحم المواقف” أي أن كل شيء يحدث ما هو إلا نتيجة لأفعالنا”.
الرواية تدور حول حياة الطلاب الجامعيين في المغرب، وتتناول قضايا اجتماعية مثل الطلاق والعمل في القطاع غير المهيكل.
إحدى أكبر التحديات التي واجهها إكعبوني كانت صعوبة النشر في دور النشر المغربية، التي تطلب مبالغ مالية كبيرة، ورغم عروض النشر المجاني في الأردن ومصر، إلا أنه رفض التنازل عن حقوقه المادية، لذا، لجأ إلى النشر على نفقته الخاصة.
بين الرواية والشعر
إلى جانب الرواية، كتب إكعبوني مجموعة شعرية وتجربة في القصة القصيرة بعنوان “العودة إلى القرية”، وبخصوص نظرته للكتابة يؤمن المُبدع أن ذات الكاتب تظهر في كتاباته بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن الكتابة هي انعكاس لفهمه للعالم.
يرى إكعبوني أنه “من خلال مضامين الكتابة سواء في القصة أو الرواية أو الشعر تتجلى نظرة المبدع إلى العالم وكذلك فهمه واستعابه للأمور، أومن أنه من الصعب أن تبني شخصية روائية ما دون أن تسرق منك جزءا ما : يقال على لسان أحد الحكماء «قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت» وأنا أقول أرني ماذا كتبت أقل لك من أنت”.
ورغم صعوبة ترسيخ اسمه في الساحة الأدبية المغربية، التي شهدت أسماءً بارزة مثل محمد شكري ومحمد زفزاف، إلا أن إكعبوني يطمح لقول كلمته بكل حرية وصدق، دون الاهتمام بالمجد الشخصي.
هكذا، يسير محمد إكعبوني بخطى ثابتة نحو تحقيق حلمه في عالم الأدب، مستندا إلى شغفه بالكتابة ورؤيته العميقة للحياة والمجتمع، محاولا أن يكون اسما من بين البروفايلات التي يقرأ لها المغاربة بشكل مستمر ويتنظرون إبداعهم كل سنة أو سنتين حسب قدرة المُبدع على الإنتاج والنشر.