رواية “في انتظار مارلين مونرو”.. هل نجح الروائي محمد أمنصور في تشكيل صورة الحلم المغربي؟ (2)

تُعدُّ رواية في انتظار مارلين مونرو للروائي المغربي محمد أمنصور، والتي صدرت سنة 2019، إحدى الأعمال التي تسلط الضوء على التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المغرب، من خلال شخصيات تعكس التباين بين الأجيال والأحلام المتناقضة.
وتتناول الرواية قصة فنان مسرحي يكتب دورا لامرأة تُدعى زهرة، ناشطة في حركة 20 فبراير، التي كانت تأمل في أداء هذا الدور. ومع ذلك، تكتشف زهرة أن الدور كُتب لامرأة أخرى، مما يثير تساؤلات حول الحلم المغربي مقارنة بالحلم الأمريكي الذي تمثله مارلين مونرو.
في هذا الحوار، نستضيف الباحث الأكاديمي في الدراسات العربية، زيد الرفاعي، لمناقشة الجوانب المختلفة لهذه الرواية، بدءا من معالجة الكاتب للفجوة بين الأجيال، وصولا إلى الأسلوب السردي والتقنيات الفنية التي اعتمدها في العمل.
نص الحوار كاملا
في “في انتظار مارلين مونرو”، يتناول محمد أمنصور الفجوة بين جيل الاستقلال وما يُعرف بجيل 20 فبراير. كيف ترى معالجته لهذه الفكرة؟ وهل تعتقد أن الرواية نجحت في تصوير هذه الفجوة؟
بدايةً، لا يمكننا التعامل مع الرواية من منطلق النجاح أو الفشل كما لو كانت دراسة علمية أو تجربة مخبرية، فالأدب مجال إبداعي يخضع لرؤى الكاتب وأسلوبه في الطرح.
لكن من زاوية فنية، أرى أن أمنصور قد أبدع في تصوير الفجوة بين الجيلين، رغم أن تصنيف 20 فبراير كـ”جيل” يبقى محل نقاش، إذ أنها حركة احتجاجية عابرة أكثر منها ظاهرة متجذرة أو جيل متكامل يحمل سمات واضحة.
يمكن أن نتحدث ونلمس المقارنة بين جيل الاستقلال، الذي يتم تقديمه كجيل وعي وثقافة وريادة، وجيل ما بعده، الذي يبدو أكثر نزوعا إلى التذمر والانتقاد دون تحقيق تغيير جذري. هذه المقارنة تعكس رؤية اجتماعية عميقة، لكنها أيضا تبقى مفتوحة لتفسيرات متعددة.
يتساءل الكاتب في الرواية عن إمكانية وجود “حلم مغربي” مشابه للحلم الأمريكي. كيف تقرأ هذا الطرح؟ وهل استطاع الكاتب تقديم رؤية واضحة لهذا الحلم؟
فكرة الحلم المغربي في الرواية ليست حلما واحدا بل مجموعة أحلام متقاطعة، بعضها يتحقق جزئيا، وبعضها الآخر يظل وهما.
البطلة زهرة، مثلا، كانت تحلم بشيء لم يتحقق، بينما بطل الرواية، الصحفي الذي فقد والده في حادث انهيار مسجد خناتة بنت لكار بحي تيزيمي في مكناس، يخوض صراعا لتحقيق حلمه رغم العراقيل.
أما عن “الحلم الأمريكي”، فأنا شخصيا أفضّل تسميته “الوهم الأمريكي”، إذ أن مارلين مونرو، التي يستحضرها الكاتب كرمز للحلم، ليست سوى أيقونة زائفة خلفها قصة مأساوية.
الرواية تحاول نقل هذه الفكرة من خلال إسقاطها على الواقع المغربي، حيث تتباين الأحلام بين الطموح الواقعي والوهم الذي تخلقه الصورة الإعلامية المثالية.
تحمل الرواية بعدا مسرحيا واضحا، خاصة من خلال شخصية الفنان المسرحي وعلاقته بزهرة. كيف أثر هذا العنصر السردي في بنية الرواية؟
المسرح لم يكن مجرد تقنية سردية إضافية، بل كان عنصرا جوهريا في البناء الدرامي للرواية. محمد أمنصور اعتمد ما يمكن أن نسميه “التمسرح الروائي”، أي إدخال المسرح كفضاء داخل النص السردي، مما منح الرواية عمقا وأبعادا متعددة.
من المثير للاهتمام أنني سبق وناقشت هذا الأمر مع الكاتب نفسه، وقد أخبرني أنه كان يسعى لكتابة مسرحية، لكنه اختار أن يحقق هذا الطموح جزئيا داخل الرواية. الناقد المسرحي عبد الرحمن بنزيدان أثنى على هذه التجربة، وهو ما يعكس نجاح هذا التوظيف.
مقارنة بأعمال محمد أمنصور السابقة مثل المؤتفكة ودموع باخوس، هل تلاحظ تطورا في أسلوبه الروائي؟ وما الذي يميز هذه الرواية عن سابقتها؟
الحديث عن “تطور” الأسلوب قد يكون مجحفًا في حق كاتب مثل محمد أمنصور، الذي تميز بأسلوب قوي منذ رواياته الأولى.
الأفضل أن نقول إن روايته الأخيرة تحمل نضجًا في البناء السردي وتكاملًا في العناصر الفنية. يمكن ملاحظة استمرارية بعض التيمات التي تميز أعماله، خاصة تركيزه على القضايا المأساوية المرتبطة بمدينة مكناس.
ما يميز في انتظار مارلين مونرو هو استخدام تقنيات سردية مثل الاسترجاع (الفلاش باك)، الذي يجعل القارئ يتنقل بين الماضي والحاضر بانسيابية.
أيضا، نجد تداخُل العوالم الواقعية والخيالية بطريقة تخدم تطور الشخصيات وتضيف بُعدا دراميا للرواية، إلى جانب لغة مشحونة بالصور البلاغية التي تزيد من جمالية السرد.
في الختام، ما الرسالة التي تعتقد أن الرواية تقدمها للقارئ؟
الرواية لا تقدم رسالة واحدة محددة، بل تطرح تساؤلات عميقة حول المجتمع المغربي، التحولات التي مر بها، والصراعات بين الأجيال والطموحات المتباينة.
من خلال الشخصيات، يعكس أمنصور واقعًا متعدد الأوجه: بين الحلم والانكسار، بين الطموح والواقع القاسي، وبين الماضي الذي يحمل قيمًا راسخة والحاضر الذي يواجه تحديات مختلفة.
هذه التداخلات تجعل من الرواية عملًا يستحق القراءة والتأمل، ليس فقط كنص سردي، بل كمادة للتفكير في المسارات الاجتماعية والسياسية التي مر بها المغرب.
شكرًا لك، الدكتور زيد الرفاعي، على هذه الإضاءات العميقة حول الرواية.
شكرا لكم، وسعيد بهذا النقاش المثري.