الأخبارمجتمعمستجدات

سقطة وزير العدل ومعنى السياسي عند نخبتنا: «واش انت لاباس»؟ !

الخط :
إستمع للمقال

لدينا كمغاربة شعور حقيقي بأن العدل، منذ مدة صار …حقيبة بدون وزير

سلك وزير العدل عبد اللطيف وهبي سلوكا غير محمود في التعامل مع ما بعد المباراة المتعلقة بالبذلة السوداء.. وكعادته سقط سقطة لاتقف عند حدود سوء استعمال اللغة، وهو ذاته خطأ لا يغتفر بالنسبة لرجل الدفاع، بل تعداه إلى المس بأخلاق المسؤولية والتواصل.

فقد تباهى الوزير أمام المغاربة كلهم بأنه رجل «لاباس عليه» وله في الدنيا باع وفي المال دراع. وتباهى بمناسبة نجاح ابنه في امتحانات المحاماة، التي تبارى فيها من «لا لاباس عليهم» ولا لهم في الوزارة صيت إلى جانب من هم أكثر منه غنى ومن هم لربهم شاكرون….
الوزير أثار غضب المغاربة
وفيهم من ليس له ولد ولا بنت رسبت في امتحانات المحاماة.
ورأوا فيه أبشع صور المسؤول العمومي حينما يتباهى بمال ووفرة في الرزق سمحت له بها مسالك الدنيا ومآلات التزحلق الإيديولوجي والهوكي السياسي!
وهبي بدا عاجزا، عن الدفاع عن فوز نجله الكريم وعن وجود اسم ابنه في لائحة الفائزين وقال إن «ولدي عندو جوج إجازات وباه لاباس عليه قراه في كندا».

أولا: لم يدافع أمامنا المحامي الجهبيذ بأن ابنه اتبع ما سار به المغاربة مثلا «خدْمتْ بوك لا يغلبوك»، بمعنى أن ابنه تشبع بعلم المحاماة من أبيه وكان طبيعيا أن يكون محاميا .. ويقبل المغاربة ذلك لكنه استحقاق يقيم البينة بوجوده في الامثال، ولا ذكر لنا باعه في المهنة وأحالنا على مرافعات له سارت بذكرها الركبان وانبرت لها الأقلام … أبدا لقد تباهى أمامنا بـ«اللاباسبيزم عليه»…

وهي نظرية سياسية ناعمة جادت بها أحوال السقوط السياسي بعد أفول الإديولوجيات الصلبة وثبوت ارتباطها بالجدارة والاستحقاق و… العفاف!

ثانيا: لقد وضع الوزير معيارا جديدا في الاستحقاق وهو ثروة الوالد. وأن العلم هو أولا شكارة الوالد الوزاري المحامي سلفا. ولا داعي للعلم إلا بعد الثروة. وإذا سلمنا له بذلك: أفلا يعرف السيد وزير العدل في حكومة جلالة الملك محمد السادس نصره الله أن الملك الحسن الثاني رحمه الله قد اختار لابنه جامعة عمومية في بلاد المغرب الأقصى .. وهو ما ذكره جلالة الملك محمد السادس في خطاب له باعتزاز وافتخار قائلا «أنني درست في مدرسة مغربية، وفق برامج ومناهج التعليم العمومي«(نص الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش المجيد يوم الخميس 30 يوليوز 2015، ) وهذا ما قاله سيدنا وسيد الوزير عن نفسه اعتزازا بهذه المدرسة وليس للتحقير في كندا ولا في الهونولولو!”.

ثالثا: وفي العلاقة بين الوزير الذي «لاباسا عليه بزافا بزافا» والمدرسة الوطنية، هل يعرف بأن الوزير الأول الكندي جوستين ترودو، يدْرسُ أبناؤه الثلاثة في مدرسة عمومية فرانكوفونية في الأونطاريو ولم نسمع له «تباهيا» وهبيا مثل وزيرنا..في الحكومة غير الكندية!
والسبب بسيط، ومفاده الوزير الكندي يحترم المعنى الحقيقي للسياسة بما هي خدمة عمومية تعلم التواضع والرزانة أولا!

رابعا: هل يستطيع الوزير أن يقنعنا لماذا لم تتشبث كندا بابنه لممارسة أي مهنة ولو كانت المحاماة، وهل جرب أن يكون ابنُه إطارا محترما في الخارج كما يتباهى بذلك؟
بلغة أكثر جرحا: علاش ما ولى محامي حتى رجع البلاد اللي باه فيها وزير للعدل وله حق تقديم القوانين في القطاع….كااااع!
إن استفزاز الوزير يحلل خروج الطلبة في المدارس العمومية والخصوصية عن طورهم، ويبرر غضب الأساتذة والمعلمين في المدارس العمومية والخصوصية، ويبيح للآباء الذين اختاروا المدرسة الوطنية بشقيها العمومي والخصوصي، ومنهم من يستطيع أن «يخلص على ولادو بزاف ديال لفلوس» اللجوء إلى القضاء وطلب التحكيم الملكي في حادثة وزير يشعر بأن إهانة المغاربة واستفزازهم جزء من صلاحياته الدستورية!!!!
كل واحد منا يعرف محامين كثر اختار أبناؤهم نفس المهنة في زمن قبل زمن الوزير وأثناءه، بعضهم أثبت جدارته في الخارج وكانت أتعابه مضاعفة لكنه اختار البلاد، وبعضهم يمارس بكل تواضع إلى جانب زملائه بعد أن كان آباؤهم من خيرة المحامين الصامدين المتعففين. ومنهم من أعطي المثل حتى صار نموذجا يقدمه الآباء لأبنائهم اعتزازا وتشجيعا لهم !

لايستقيم معنى السياسي إلا بخروج وزيرين اثنين إلى الفضاء العمومي وإبداء رأيهما، ففي هذه الحادثة، نريد سماع رأي وزير التربية الوطنية، السي شكيب بنموسي ووزير التعلم العالي، السيد الميراوي، لا نكاية في الوزير (….) بل دفاعا عن المدرسة الوطنية، أيا كانت عمومية أو خصوصية جبرا لخاطر المئات الآلاف من الطلبة الذين اجتازوا الامتحان وللآباء الذين يفتخرون بمدرستنا الوطنية ويشكون قلة ذات اليد وهوانهم على …. الوزير!
من حق الوزير أو الأب أن يعلن قطيعته مع مدارس وطنه، ولكن ليس من حقه أن يفرغ على المغاربة عقدته، ولا أن يكون حطابا لإشعال الفتنة والاحتجاجات ولا أن يعمم الشعور بأن البلاد ملك لحفنة من الانتهازيين والمنتفعين وباعة الوهم السياسي والمحتالين و… «الوزراء لاباس عليهم بزاف»، ولا أن يرمي بالشك على العشرات والمئات الذين فازوا بجدارة واستحقاق في هذه المباراة ….. لكي يخفي فوز ابنه!
الوزير المكلف بالعدل، يتبجح بأنه يسعى إلى تكريس فلسفة الامتياز ويبني عليها مستقبل بلاده! وقد نجح في استفزاز المحامين، الذين يفتخر بأنه دفع المال الكثير لكي يلتحق ابنه بهم، ويريد أن يفصله عن بقية الشعب المغربي بأن يحتقر كل الآباء والأمهات والأولياء الفقراء، ليس فقط الذين تبارى أبناؤهم في المحاماة بل كل الذين يعتبرون بأن الجد والاجتهاد كاف وحده لتسلق المصعد الاجتماعي !
لدينا كمغاربة شعور حقيقي بأن العدل، منذ مدة صار …حقيبة بدون وزير ! لأن الوزير المكلف مشغول كثيرا بأحداث الجلبة بواسطة… فمه لا أفعاله المطلوبة في مرحلة يعول عليها ملك البلاد لكي ندخل دورة زمنية سياسية ومؤسساتية غير مسبوقة في حضارة المغرب منذ وُجد!
طيب الله ذكر جان بيير شوفينمان: «الوزير عليه إغلاق فمه. وإذا أراد فتحه، عليه أن يستقيل»! وكما قال مونتيكسو (ولم يكن كنديا بالمناسبة): إن أكبر ضرر يمكن للوزير أن يحدثه، ليس فقط تخريب الشعب، بل النموذج السيء الذي يمكن أن يقدمه…
لقد فشل الوزير في الترافع دفاعا عن نفسه وابنه وخيراته. وهو ما يطرح سؤالا أكبر من المباراة : سؤال حول قدرته على الدفاع عن الإصلاح وعن ملفات المغرب في المحافل الدولية وعن… معنى السياسة! ختاما، عندما يريد المغربي أن يستنكر سلوكا ما من السلوكات التي تنم عن خفة كبيرة يطرح السؤال المعروف: «واش انت لاباس..»، كناية عن الشك في قدرات التمييز بين الصح والغلط!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى