

اعتقد الرئيس عبد المجيد تبون أن إسهاله اللغوي المتناثر سيثيرإعجاب الوزير الأمريكي في الخارجية انطوني بلينكن ويترك أثرا بليغا عند ضيفه..! و لكنه، كَأيِّ ممثل فاشل، أراد أن يعجبه ….فأهانه! نعم أهانه، على الأقل ثلاث مرات، بالواضح وبدون أن يدرك زلاته وهو في أوج الهذيان:
أهانه أولا، لما اعتبر بأن الولايات المتحدة الامريكية والجزائر يكادان يكونان… توأما سياميا! وقد عبر الرئيس الجزائري تبون عن ذلك بالقول «إن كثيرا من التشابه يوجد بين دولة الولايات المتحدة ودولة الجزائر»، مكرِّرا ذلك مرتين!
وبدون أن يرف له جفن، ولا أن يصاب بتمزق عضلي في الدماغ أو يتصبب عرقا، ذكر تاريخ عيد الاستقلال بين البلدين.. كنقطة تشابه كبرى.
والحال أن العيد في الجزائر هو 5 يوليوز 1962
والعيد في أمريكا هو 4 يوليوز من عام 1776، والفاصل بينهما إذن هو قرن واحد و86 سنة و 24 ساعة ….!
وهو ما يعطي فكرة عن معنى التشابه عند رئيس القوة الضاربة!
وأهانه ثانيا، لما اعتبر بأن الديموقراطية، بعد الدولة، في الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الجزائرية … تلتقيان!
فأراد أن يرفع ديموقراطية الجزائر إلى مصاف ديموقراطية عريقة مثل الديموقراطية الأمريكية التي كُتبت عنها الكتب من طرف كبار المفكرين من قبيل «اليكسيس دو طوكفيل »، فَأذلَّ هذه الأخيرة وخفَّض من مستواها، عندما جعل »ديموقراطية« العسكر، التي قاطعها 20 من الجزائريين في مرتبة ديموقراطية تاريخية.
وأهانه ثالثا، عندما أراد أن يوحي له «واجبات أمريكا» في منطقة تعرف عنها الدولة الامريكية آكثر مما يعرفه كل جنرالات الجزائر، وهم كلهم من رعيل الحرب الباردة وخريجي مدارس الاتحاد السوفياتي الطيب الذكر!
وهذه إهانة تجلت في محاولة تحقير دولة صديقة، تعتبرها الولايات المتحدة الحليف الاكثر قوة والاكثر صلابة على بوابات المحيط الأطلسي والبحر الابيض المتوسط.
كما لو أن الرئيس المعزول يملي على قوة عظمى سلوكها في المنطقة … وفي العلاقات الدولية.
لقد نسي «تبون» ، في خضم هذيانه أن بلينكن كتب، عندما وصلت طائرته الى المغرب جملة كان عليه أن يقرأها ويفهم مغزاها ويجتنب الخوض في ما له علاقة بمحتواها، وهي قولة بلينكن » لقد وصلت الى المغرب أحد أول اصدقاء امريكا».
كانت العبارة كافية لكي يلجم لسانه الطويل في حق المغرب.
وكان عليه أن يفهم أن المسؤول الامريكي وهو يحيل على أول صديق لبلاده، كان يعود إلى سنة 1777 ، وإلى أول اعتراف في العالم بدولة امريكا من خطف دولة المغرب، ويحيل على اتفاقية الصداقة، التي تعد أطول صداقة في التاريخ السياسي والديبلوماسي لأمريكا، وعلى رسالة جورج واشنطن الى الملك محمد الثالث، الذي كان يخاطبه وقتها بالامبراطور..!
لقد كتب «انطوني بلينكن» ما سبقه اليه جورج واشنطن منذ قرنين و31 سنة! عندما خاطب الملك المغربي بالقول«إلى جلالة امبراطور المغرب
وصديقي الهمام العظيم»!
وبما أن الرئيس عبد المجيد تبون اعتبر أن تونس هي الاقرب، لغاية في نفس يعقوب، يريد من خلالها ان يوهم بأن تونس قيس سعيد على ايقاع واحد مع جزائر «شنقريحة»، فلابأس بأن يقرأ ماكتبه جورج واشنطن منذ قرنين في العلاقة بينه وبين المغرب: «كما توصلت بالخطابات التي تلطفتم جلالتكم بتحريرها لصالح الولايات المتحدة إلى بشوات تونس وطرابلس، وأرفع إلى سماحتكم شكر وامتنان الولايات المتحدة على هذه الالتفاتة الكريمة الدّالة على صداقتكم.».. ولم يكن الموضوع سوى حماية التجارة والسفن الامريكية في الحوض المتوسط!
وكان على الرئيس عبد المجيد تبون أن يلقي نظرة على خريطة المغرب، الذي يتهمه كذبا وبهتانا بالتوسع، وأين كانت حدودها في التاريخ الذي يقرأه الامريكيون وأولهم الديبلوماسيون، أم يعتقد بأنهم جميعهم مثل رمطان لعمامرة أَلِفوا التزوير وتشويه التاريخ وخلق الأكاذيب ويجعلون منها حقائق تاريخية؟
لقد ردت واشنطن بما يجب على هلوسات الرئيس الجزائري، بأن اكتفت بنشر ملخص عمَّا دار بين تبون … وتبون!
فالوزير الامريكي لم ينبس ببنت شفة تذكر، اللهم من عبارات مقتضبة كرر فيها المواقف الامركية المعروفة والتي سعت صحافة الاعلام الرسمي الجزائري الى تحريفها، بما في ذلك الموقف الامريكي من سيادة المغرب على صحرائه!!!
قمة السفه واللامسؤولية والخرف السياسي..
وفي خضم هذه الترهات، انفلت لسان عبد المجيد توبن مرة واحدة، فكانت هي الكلام الوحيد الذي له معنى لما قال: منإن المغرب والجزائر «عقليتان مختلفتان»، والحقيقة هي كذلك، إذ لا مقارنة مع وجود فارق في الوعي وفي الاخلاق وفي قراءة التاريخ وفهم الحاضر وفي «الإيتيكيت» الديبلوماسي!..