ظاهرة انتشار “كراجات” دروس الدعم بتارودانت: بين خرق القانون والإساءة لمهنة التعليم

تعيش مدينة تارودانت في السنوات الأخيرة على وقع تنامي ظاهرة دروس الدعم الخصوصي، التي تُقدَّم في كراجات ومنازل حُوّلت إلى مراكز غير مرخصة، يديرها بعض المنتسبين إلى الحقل التربوي، ممن يشتغلون في الوقت ذاته في القطاعين العام والخاص.
وتطرح هذه الظاهرة، التي باتت تثير الكثير من الجدل في الأوساط التربوية والمجتمعية، تساؤلات قانونية وأخلاقية عميقة، خصوصاً في ظل وجود قوانين ومذكرات تنظيمية تؤطر بوضوح عدد الساعات المسموح للأطر التربوية بالاشتغال بها في المؤسسات التعليمية الخصوصية، وتمنع عليهم ممارسة أي نشاط موازٍ دون ترخيص من الجهات المختصة.
ولعل ما يثير الاستغراب هو أن عدداً من هؤلاء المدرسين يشتغلون خارج الإطار القانوني وفي أماكن غير مرخصة، وهذا كله أمام أعين السلطات المحلية، دون أي تدخل فعلي للحد من هذه الممارسات.
وتشير المعطيات المتداولة إلى أن أسعار دروس الدعم المقدمة في هذه المراكز أو الكراجات تتراوح بين 200 و300 درهم للمادة الواحدة، خاصة في المواد العلمية التي تستهدف أساساً تلاميذ مستويات البكالوريا والمستويات الإشهادية الأخرى، وهو ما يطرح إشكالاً قانونياً يتعلق بعدم أداء الضرائب المستحقة، وباستغلال حاجة الأسر والتلاميذ في ظل ضعف المراقبة المؤسساتية.
ولعل ما هو أخطر من ذلك، هو ما يُتداول بين صفوف التلاميذ أحيانا من اتهامات لبعض الأساتذة بإجبار تلاميذهم على الالتحاق بدروس الدعم التي يقدمونها، مقابل الحصول على نقاط مرتفعة في المواد التي يُدرسونها لهم داخل المؤسسات التعليمية.
هذه السلوكات، إن صحّت فإنها تمثل مساساً خطيراً بالقيم النبيلة للمهنة، وتتنافى مع مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص التي تقوم عليها المنظومة التربوية، كما تشكل إخلالاً بواجبات الموظف العمومي المنصوص عليها في القانون الأساسي للوظيفة العمومية، الذي يجرّم الجمع غير القانوني بين الوظيفة وأي نشاط مأجور آخر دون ترخيص.
وفي ظل تفاقم هذه الظاهرة، ارتفعت أصوات العديد من المواطنين وفعاليات المجتمع المدني للمطالبة بتدخل عاجل من الجهات المختصة، وعلى رأسها السلطات المحلية ومديرية الضرائب، من أجل مراقبة هذه المراكز والكراجات التي تشتغل خارج الضوابط القانونية ووضع حد لهذا العبث.
كما يدعو المهتمون إلى ضرورة تنظيم قطاع دروس الدعم الخصوصي، سواء عبر وضع إطار قانوني واضح يضمن احترام الشفافية والعدالة، أو من خلال تشديد المراقبة والزجر ضد كل من يستغل موقعه داخل المنظومة التربوية للإثراء غير المشروع أو للإساءة إلى صورة نساء ورجال التعليم الشرفاء.
إن مهنة التعليم ستظل مهنة نبيلة وشريفة، يمارسها الغيورون على تربية الأجيال وبناء الوطن، لكن استمرار بعض الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية يهدد هذه القيم في الصميم، ومن ثمّ، فإن التصدي لهذه الظاهرة لا ينبغي أن يكون فقط عبر الزجر والمحاسبة، بل أيضاً عبر إصلاح جذري وشامل لواقع التعليم والدروس الخصوصية، بما يعيد الثقة في المدرسة العمومية، ويصون كرامة الأستاذ، ويحمي المتعلم من كل أشكال الاستغلال.





