علي أنوزلا.. يَختزل الوحدة الوطنية في العفو عن المجرمين

من موحشات الزمن المعاصر، أن يفتي الرويبضة في شؤون العامة، وأن يلغط علي أنوزلا كثيرا وهو يتحدث زاعما عن الوحدة الوطنية!
فعلي أنوزلا، الذي امتشق اليوم نصل القلم ليُحدثنا عن الوحدة الوطنية، وليشنِّف أسماعنا بسردية المصالحة، نسي أو ربما تناسى أنه لم يكن هو نفسه صالحا مع الوطن، ولا متصالحا مع نفسه، حتى يعطينا الدروس في حب الوطن وفي تشبيك اللحمة الوطنية.
أليس علي أنوزلا هو نفسه من كتب في تدوينة “الوحدة” لفظة “الصحراء” مجردةً وعاريةً من نعتها اللازم والمتلازم الذي يشير إليها على “أنها مغربية وستظل مغربية”؟ فمن يعطي الدروس حول الوطنية والوحدة يجب أن يكون هو نفسه أول من يدافع عن مغربية الصحراء ووحدة الوطن.
ومن باب التوضيح، عسى ذلك يبدد غبش الصورة المضبَّبة والمضللة في ذهن علي أنوزلا. فالوحدة التي يقصدها الجالس على العرش، وينشدها المغاربة، هي وحدة جامعة لا يمكن اختصارها في العفو عن المجرمين، ولا في لحظة سياسية وقتية وحصرية بأشخاص هم في وضعية خلاف مع القانون.
فالوحدة، التي حاول تجزيئها علي أنوزلا باختصارها في العفو عن أصدقائه من سدنة الطابور الخامس، هي وحدة الإقليم والمجال الترابي، وهي وحدة النسيج المجتمعي، وهي وحدة اللحمة الوطنية، وهي أيضا وحدة المصير المشترك.
وهذه الوحدة التي سيخلدها المغاربة عيدا وطنيا متجددا، لا تقصي التنوع ولا الاختلاف، بل هي وحدة جامعة لكل هذا التنوع الذي يزخر به المغرب، بل هي نقطة قوته ومحرك ديناميته في ظل التحديات والرهانات الجديدة.
لكن للأسف الشديد، اختار علي أنوزلا أن يمعن في التفرقة والتجزيء في وقت يرنو فيه المغرب للوحدة والالتحام. وهذا ليس بجديد على هذا الصحفي الذي يهيم قلبه بين الكثير من الولاءات العابرة للحدود. أليس هو من قسّم الصحفيين ذات يوم لفسطاطين: فسطاط الرفاق والطابور الخامس ممن أسبغهم بوصف “الفئة الناجية”، وفسطاط الصحفيين غير الموالين، الذين طالب بنصب المشانق الافتراضية لهم في شبكات التواصل الاجتماعي؟
أليس علي أنوزلا هو نفسه من تربص يوما بأمن المغاربة عندما أمعن في ترويعهم بنشر شريط دعائي لتنظيم إرهابي يحرض فيه على ترهيب الآمنين وترويع المؤمنين؟ فهل هناك صحفي في العالم ينشد الوحدة ويناقضها بنشر محتويات التنظيمات الإرهابية؟
إنه العبث والتناقض والتقلاز من تحت الجلابة عندما يجتمعون كافة في تدوينة يصدح ظاهرها ب”الوحدة”، بينما تعتمل في ثناياها وفي نيّاط قلب صاحبها أطماع البلقنة والتشردم.
فالوحدة التي ينشدها المغاربة لا تعني الإفلات من العقاب، ولا تعني إطلاق سراح محمد زيان الذي اختلس أموال الدعم الانتخابي وحوّلها لحسابات ذوي القربى على حساب مستحقيها من المال العام. والوحدة الوطنية لا تعني كذلك التطبيع مع الإرهاب والقتل العمد وإضرام النار والتبول على الجثث.وهي الجرائم التي ارتكبها معتقلو إكديم إيزيك.
والوحدة الترابية والمجتمعية والمجالية التي يكرّسها عيد الوحدة الجديد، في ظل “تمغرابيت”، لا تنصرف- كما يروج ذلك علي أنوزلا- إلى العفو عن المعتقلين الذين حرضوا على إضرام النار عمدا في أجساد الشرطيين في بني بوفراح وإيمزورن والحسيمة وغيرها من المدن.
فالإجرام شيء، والوحدة الوطنية شيء آخر، ومن يحاول تجسير الطريق بينهما إما أنه سفيه لا يفقه شيئا، أو ربما هو “فهلوي” يحاول أن يلعب بالبيضة والحجر للسخرية من ذكاء المغاربة.
لكن يبقى هناك سؤال أخير: لماذا عندما اختصر علي أنوزلا عيد الوحدة الجديد في العفو عن المجرمين، لم يطالب رفاقه في الطابور الخامس بالاعتذار والاعتراف بأخطاء الماضي ضد الوطن وضد النظام العام، قبل أن يتجاهر بالمطالبة بالعفو عنهم؟
ألم يكن حريا بعلي أنوزلا أن يطالب معتقلي إكديم إيزيك، بطلب الصفح من أسر شهداء الواجب ممن تم التمثيل بجثتهم في ساعات الوغى المسلح في منطقة إكديم إيزيك؟ ألم يكن جديرا به أن يوصي نفسه ورفاقه المدلّسين بالنكوص عن تغيير الحقائق التي يحرفونها في تقاريرهم الإعلامية والحقوقية كلما أثير موضوع يرتبط بقضايا المغرب.
فهذه هي الوحدة الوطنية التي ننشدها جميعا، وهي أن نحمل كلنا همّا واحداً يتمثل في سداد الوطن وسؤدده. أم اختزال الوحدة في العفو عن المجرمين والمختلسين والمغتصبين والمحرضين، فهذا ضرب من التضليل والتطبيل والتدليس على الناس في شؤون حياتهم.





