الأخبارمجتمعمستجدات

فبراير 1958.. عندما تحالف الجيش الفرنسي مع نظيره الإسباني وأباد مغاربة أبرياء في عملية ”المكنسة”

الخط :
إستمع للمقال

أعادت المناورات الفرنسية داخل البرلمان الأوروبي وغيره من المؤسسات والمنظمات الدولية، التي تستهدف المغرب لمحاولة النيل منه وابتزازه، إلى ذاكرة المغاربة الجرائم والإبادات الجماعية المرتكبة من طرف الاستعمار الفرنسي في حق المقاومة والشعب المغربي.

وتكشف بشاعة جرائم فرنسا المرتكبة في حق المغاربة الوجه الخبيث لهذه الدولة الاستعمارية، التي تحاول اليوم الظهور بمظهر “الأستاذ” الذي يجيد تقديم الدروس في مجال حقوق الإنسان واحترام مبادئ الإنسانية، فيما يثبت التاريخ خلاف ذلك.

ومن منطلق مواكبتنا في موقع “برلمان.كوم” لمختلف القضايا التي تهم وطننا، خصوصا إذا تعلق الأمر باستهداف المملكة وابتزاز مؤسساتنا الوطنية عن طريق اتهام المغرب بمزاعم لا أساس لها عمليا وعلميا لمحاولة ثنيه عن مواصلة مسيرته التنموية وعرقلته والتشويش على وحدته الترابية، ارتآينا أن نسلط الضوء على محطات من التاريخ المغربي، وعلى جرائم بشعة ارتكبتها فرنسا في حق المغاربة، وتستوجب الاعتذار، بينها معركة ”إيكوفيون” (المكنسة باللغة الإسبانية)، التي نفذت في جنوب المغرب من 10 إلى 25 فبراير عام 1958، عبر تحالف بين الجيش الاستعماري الفرنسي مع نظيره الإسباني.

الاستعداد للتحالف وسياقه

جاء التحالف الفرنسي مع الجيش الإسباني، بعدما وجد هذا الأخير نفسه محاصرا أمام الانتصارات المتتالية لجيش التحرير المغربي، على الرغم من ضعف موارده العسكرية وشنه لحملات بأسلحة خفيفة، لكن عزيمة المقاومين المغاربة كانت أقوى من الأسلحة الثقيلة لجيوش الاستعمار.

المؤرخ والمقاوم المغربي الذي شارك في معركة ”إيكوفيون”، محمد بنسعيد آيت إيدر، يقول ضمن كتابه ”هكذا تكلم محمد بنسعيد..”: ”كل المؤشرات كانت تشير إلى أن معركة كبرى وحاسمة وشيكة على الحصول فانتصارات جيش التحرير على قوتين عسكريتين عالميتين، والحشود المتواصلة لهاتين الأخيرتين في وجه جيش التحرير قليل العدد والعدة، واتفاقهما وتعاونهما العسكري المشترك، كانت كلها علامات على ذلك… أضف إلى ذلك ما كانت مصادرنا تمدنا به من معلومات عن تحركات واستعدادات الجيشين لشن هجوم كبير على مناطق مختلفة في الصحراء المغربية المحتلة”.

وذكر آيت إيدر ضمن مؤلفه، أن الإسبان كانوا يسعون آنذاك بدعم فرنسي إلى ”فك طوق الحصار المضروب على مدينة إيفني، وتسلموا قبل معركة ايكوفيون 70 طائرة حربية و25 من حاملات القنابل نوع (ب17) و (ب 29 و40 طائرة من نوع (ب15) وخمس طائرات من نوع Vautour (نسور) 2500 و20 مطاردة من نوع Morane (موران)”.

صور أوردها آيت إيدر، ضمن كتابه ”التحالف الفرنسي الإسباني في معركة إيكوفيون”، الطبعة الأولى نونبر 2021

ووفقا لما أورده آيت إيدر “لم يقتصر الاستعداد على الطائرات الحربية والمواد الغذائية، بل شمل أيضا عددا مهما من الأسلحة والذخيرة الحربية ووسائل الاتصال اللاسلكي، وحوالي ألف كيلو من الأدوية تم جلبها على متن طائرة 707 من مطار مدينة مراكش، أما عن الجنوب فقد حشد الإسبان لمعركتهم الحاسمة بإيفني والساقية الحمراء ووادي الذهب جيشا يبلغ تعداده 70 ألف جندي مجهزين بأفضل الأسلحة تحت إمرة ثلاثة جنرالات في حين تلقى الجيش الفرنسي المتمركز بفم الحصن وتيندوف وبير موكراين، دعما وإمدادات كبيرة من معسكراته في أكادير ومراكش”.

وذكر المقاوم المغربي محمد بنسعيد آيت إيدر، أنه خلال شهر يونيو 1957 ”عينت الحكومة الإسبانية حاكما عاما جديدا لإفريقيا الغربية، هو الجنرال سمالو”، مضيفا: ”بمجرد تسلمه لمهامه بالمنطقة انعقد لقاء بينه وبين القائد العام للجيوش الفرنسية الجنرال بوركونت في 12 يوليوز بمدينة الداخلة، ثم كان لقاء آخر في 20 شتنبر بداكار على مستوى القيادة العامة”.

وبتابع آيت إيدر: ”في هذا اللقاء توصل الطرفان إلى اتفاق شبه نهائي، يهم التحضير لعملية عسكرية شاملة، أطلقا عليها اسم (إيكوفيون) وتعني المكنسة، وكان الاتفاق يستعجل الهجوم لاعتبارات مناخية تخص الصحراء، قد تحول دونه وتؤجله إلى وقت يكون فيه جيش التحرير قد استعد بما فيه الكفاية للمواجهة، والحقيقة أن التوقيت الذي انطلقت فيه المعركة لم يكن فيه جيشنا مستعدا لا ماديا ولا معنويا، كما لم يكن في مقدوره مواجهة قوتين استعماريتين في حجم فرنسا وإسبانيا”.

إبادة أزيد من 600 نسمة من النساء والأطفال والعجزة

مكن التحالف الفرنسي الإسباني، ضد المغاربة، من زحفهم الكبير على جيش التحرير المغربي من جميع الجهات في العاشر من شهر فبراير 1958 بقوة تناهز 40 ألف جندي مجهز بالسلاح الجوي والبري بجميع أنواعه، وفقا للمعطيات التي ذكرها آيت إيدر ضمن كتابه، وهي معطيات حررها ضمن تقرير له يوم 26 فبراير 1958، أي بعد أسبوعين من انطلاق معركة ”إيكوفيون”.

وبحسب المقاوم محمد بنسعيد آيت إيدر، شارك في هذه المعركة ”أزيد من سبعة آلاف من رجال المظلات وعدد كبير من السيارات المصفحة والدبابات والطائرات المقنبلة والمقاتلة، وقد وقع الهجوم في وقت واحد على الأماكن الآتية: (العركوب اكركر بناحية الداخلة، الكلتة، الروضة، الرغيوة وتفاريتي من بير موكراين، وتافودارت من العيون وطرفايا ومن إيفني على القوات المحاصرة له، وقد حاصر جميع الطرق الرئيسية التي تتوصل منها قواتنا بالإمدادات الحربية والغذائية”، لكن على الرغم من ذلك تكبد العدو خسائر جسيمة وأحرقت له أربع دبابات.

وبوحشية كبيرة، تكشف الوجه الخبيث للاستعمار الفرنسي، الذي تحالف ضد المغاربة مع الجيش الإسباني رغم استقلال المغرب مارس 1956، تعرض سكان نواحي مدينة سيدي إيفني التي انسحب منها الجيش لفظائع شنيعة من القوات الفرنسية؛ ففي تافودارت والروضة أعدموا عددا كبيرا من الذين ظنوا أنهم يتعاونون مع الجيش، وأحرقوا مراكز الإسعافات بالروضة وبتافودارت، وأبادوا أزيد من 600 نسمة من النساء والأطفال والعجزة وكل ما وجدوه أمامهم.

وأكد محمد بنسعيد آيت إيدر، أن الجيش الفرنسي والإسباني “استعان في هذه الحملة ببعض الخونة الذين كانوا باعوا ضمائرهم منذ زمن وكذا ببعض الجنود الذين فروا من الجيش”، مشيرا إلى أن ”طيران الفرنسيين قتل ما يزيد عن 300 من الجمال كانت تستعمل في التنقل أوقات الخطر” .

محاولة الاستعمار تشويه صورة جيش التحرير والتفريق بين القبائل الصحراوية

“كانت معركة قاسية علينا ذقنا فيها طعم الهزيمة العسكرية، لكن دون أن تنسحب نتائجها على الوجه السياسي لحركة التحرير، وكان علينا أن نستعيد توازننا في أقل مدة ممكنة ونعيد تنظيم أنفسنا. لذلك بعد أن وصل جنودنا إلى وادي درعة، أخذنا كقيادة قرار احتلال مراكز جديدة بالقرب من الوادي وعمدنا إلى السيطرة على الخط الذي يربط البحر غربا إلى حدود منطقة تيندوف، ولم ننس أن نحتل أيضا الممرات الواصلة بين الصحراء والأراضي المستقلة، كانت الرغبة في مزيد من التحصين وتعزيز المواقع الخلفية، حيث نقلت مقاطعات الصحراء إلى طانطان وتافينيديات وتالمزونت والزاك وأسا”، يسرد محمد بنسعيد آيت إيدر تداعيات معركة ”إيكوفيون”.

وذكر المقاوم المغربي ضمن كتابه ”هكذا تكلم محمد بنسعيد..”، أن جيش التحرير، واصل مسيرة الكفاح ضد الاستعمار، بطرق أخرى جديدة، حيث تحركت قيادته على خط آخر، هو الخط الإعلامي “فقد كان لازما أن نتصدى للدعاية الاستعمارية الرامية لتفريق الصفوف بين القبائل الصحراوية، وتشويه صورة جيش التحرير”.

ويضيف آيت إيدر: ”خضنا في هذا الصدد حملة إعلامية كبيرة، فضحنا فيها ألاعيب المستعمرين وأهدافهم البعيدة وتجاوب معنا أبناء الصحراء”، مردفا: ”كان من النتائج المباشرة للمعركة، اعتراف الحكومة الإسبانية باستقلال طرفاية ولم تكن هذه الخطوة في حقيقتها إلا إقرارا بالأمر الواقع، ذلك أن جيش التحرير كان قد حرر الإقليم في مواجهاته السابقة مع الجيش الإسباني في الصحراء المغربية، وفرض حصارا خانقا على المدينة”.

وفي هذا السياق، أورد آيت إيدر، أن عدد المعارك التي خاضها جيش التحرير المغربي بآيت باعمران بلغ 50 معركة خسر فيها الجيش الإسباني أكثر من 600 قتيل وأزيد من 1000 جريح، أما معارك الصحراء المغربية فلم تتجاوز 15 معركة، فقد فيها الإسبان أكثر من 1000 قتيل، والرقم نفسه على مستوى الجرحى، ووقع بين أيدينا من الأسرى الإسبان 41 عنصرا بين ضباط وجنود، في حين وصل عدد شهداء جيش التحرير 158 شهيدا و 49 مفقودا، ووصل عدد أسرانا بيد السلطات الإسبانية 170 وطنيا ودون ريب، كانت أكبر الخسائر في معركة “ايكوفيون”، يقول المقاوم المغربي محمد بنسعيد آيت إيدر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى