في التحول السياسي لحزب زوما تجاه الصحراء المغربية

في تطور لافت على مستوى المشهد السياسي في جنوب إفريقيا، أعلن حزب “أمة الزولو”، المعروف إعلاميا بحزب زوما، تحوّله الجذري تجاه قضية الصحراء المغربية، بعد أن ظل لعقود في صف دعاية “جبهة البوليساريو” جمهورية الوهم التي صُنعت في مطابخ النظام الجزائري لتقويض الوحدة الترابية للمغرب. هذا التحول لم يكن انعطافة حزبية جنوب إفريقية فحسب، بل مثّل لحظة سياسية فارقة في مسار نزاع طال أمده بفعل تجاذبات إيديولوجية ضيقة وحسابات الحرب الباردة التي استغلها النظام العسكري الجزائري لتبرير عدائه الدفين للمغرب ولقيادته وتصدير أزماته الداخلية عبر ترويج مشروع انفصالي مهترئ. فموقف حزب زوما الجديد، الذي عبّر عن دعمه الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي وجاد للنزاع، يحمل دلالات عميقة ينبغي تفكيكها في ضوء مناهج العلاقات الدولية والقانون الدولي العام، خاصة في سياق متغيرات الجيوبوليتيك الإفريقي والاصطفافات الجديدة التي بدأت تسحب البساط من تحت أقدام جمهورية الكياطن الوهمية.
يجب أولا التأكيد على أن حزب زوما، وإن لم يكن الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، إلا أن له حضورًا سياسيًا ورمزيًا وازنًا بفضل الشخصية الجدلية ليعقوب زوما، الرئيس السابق الذي يمثل جزءًا من تركيبة الوعي السياسي لجنوب إفريقيا ما بعد الأبارتايد، ويعكس في الوقت نفسه كذلك، أصواتًا شعبية بدأت تتململ أو لربما تتخلص من التبعية الإيديولوجية التي حكمت مواقف الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني الإفريقي” تجاه قضية الصحراء المغربية . لذلك، فإن موقف حزب زوما لا يمكن قراءته كمجرد خطوة تكتيكية أو اصطفاف دعائي، بل كتحول بنيوي في المزاج السياسي لجنوب إفريقيا نفسها تجاه قضية كانت تستغل بشكل مفضوح لتصفية حسابات قديمة ضد المغرب، وتحولت بفعل الضغط الجزائري إلى عقيدة دبلوماسية تحجب عن جنوب إفريقيا إمكانيات التفاعل الواقعي مع تطورات النزاع في ضوء قرارات مجلس الأمن ومبادئ القانون الدولي.
يقف التحول إذن، على قاعدة مفادها تنامي الوعي المتزايد بواقعية مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007، والتي حظيت بتأييد متزايد من القوى الدولية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وعدد من الدول الإفريقية واللاتينية. المقترح المغربي لا ينطلق من فراغ، بل يستند إلى مبدأ تقرير المصير بالصيغة التي تطور بها في القانون الدولي المعاصر، باعتباره لا يعني الانفصال وإنما يشمل أشكالًا متعددة من تقرير المصير الداخلي، ضمن وحدة الدولة واحترام سيادتها، وهو ما يجعله أكثر انسجامًا مع المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ومع التوجهات الحديثة للجنة تصفية الاستعمار. مقابل ذلك، تبقى الأطروحة الانفصالية لجبهة البوليساريو فاقدة لأي سند قانوني جدي، بل تنبني على سردية ما بعد استعمارية متقادمة لم تعد صالحة أبدا لمقاربة النزاعات الترابية الحديثة، فضلاً عن كونها مجرد أداة جيوسياسية توظفها الجزائر خدمة لأطماعها في محاصرة المغرب إقليميًا وإضعاف نموذجه التنموي وضمان منفذ بحري للأطلسي.
من منظور العلاقات الدولية، فإن الموقف الجديد لحزب زوما يأتي في سياق متغيرات عميقة تشهدها القارة الإفريقية، عنوانها صعود منطق البراغماتية وتراجع منطق التحالفات الإيديولوجية العمياء التي سادت خلال الحرب الباردة. إن الدول الإفريقية اليوم، لم تعد تتحمل كلفة النزاعات المصطنعة التي تعرقل مشاريع الاندماج الإقليمي وتبدد فرص التنمية، وهو ما يفسر حجم الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء وفتح العشرات من القنصليات في مدينتي العيون والداخلة، والتي جاءت كترجمة عملية لاعتراف سياسي وقانوني بكون الصحراء جزءًا لا يتجزأ من التراب المغربي. هذه الدينامية لا يمكن عزلها عن التحول النوعي الذي عرفته الدبلوماسية المغربية التي لم تعد تكتفي بخطاب المرافعة، بل انتقلت إلى سياسة الفعل الميداني وربط السياسة بالمشاريع التنموية الكبرى التي تجعل من الأقاليم الجنوبية بوابة للتعاون جنوب-جنوب.
أما على مستوى القانون الدولي، فإن التحول في موقف حزب زوما يعكس اعترافًا متزايدًا بأن الأطروحة الانفصالية لم تعد قابلة للحياة، لا على مستوى الشرعية القانونية ولا على مستوى الواقعية السياسية. فـ”جمهورية البوليساريو” ليست سوى كيان وهمي لا تتوفر فيه شروط الدولة كما هي محددة في اتفاقية مونتيفيديو لعام 1933، ولا تملك سيطرة فعلية على الأرض، ولا تعترف بها الأمم المتحدة كدولة، بل تعتبرها طرفًا في نزاع سياسي لا يرقى إلى مرتبة تقرير المصير الكلاسيكي. كما أن إصرار الجزائر على اعتبار نفسها غير معنية مباشرة بالنزاع، رغم تمويلها وتسليحها واحتضانها لهذا الكيان، بات مناقضًا لكل المبادئ المؤسسة للمسؤولية الدولية وفقًا لمسؤولية الدول عن الأعمال غير المشروعة.
الرسالة التي يبعث بها موقف حزب زوما إذن هي أن الوقت قد حان لمساءلة السردية الجزائرية المهترئة، وفضح التوظيف السياسي للقضية، كما أن ذلك سيشكل ضغطًا أخلاقيًا على النخبة السياسية في جنوب إفريقيا لمراجعة موقفها الرسمي، الذي أصبح معزولًا عن الواقع الإفريقي، ويتناقض تماما مع المصلحة القارية في تعزيز السلم والاندماج، بل ويضعها في خانة التناقض السياسي حين تدافع عن فلسطين بدعوى الحق في تقرير المصير، وفي الآن ذاته تدعم مشروعًا انفصاليا ضد دولة ذات سيادة، وتتبنى أطروحة فاشلة لمجرد أنها تزعج المغرب.
إن ما وقع ليس مجرد بيان سياسي عابر، بل هو انهيار تدريجي يمس جدار الأطروحة الانفصالية، وسحب ذكي للبساط من تحت أقدام جمهورية الوهم المهزومة التي صنعتها الجزائر كواجهة زائفة لعداء تاريخي لا يستند إلى أي مشروعية. والمغرب اليومي، إذ يمضي في تعزيز موقعه كفاعل استراتيجي في إفريقيا، فإن انتصاراته المتوالية لم تعد تكتفي باعترافات الدول بل بدأت تتغلغل داخل البُنى الحزبية والنقابية والمجتمعية الإفريقية، وهو ما يبشر بإعادة ترتيب الاصطفافات داخل الاتحاد الإفريقي وفتح أفق جديد لحل النزاع على قاعدة الواقعية السياسية والمشروعية القانونية، بعيدًا عن منطق الابتزاز والوصاية وتجارة المآسي البائرة.