في اليوم العالمي للصحة النفسية.. بروفيسور يؤكد أن تعزيز التوازن النفسي مسؤولية جماعية تتطلب تنسيقا حكوميا شاملا

يُصادف العاشر من أكتوبر من كل سنة اليوم العالمي للصحة النفسية، وهي مناسبة دولية تدعو إلى تعزيز الوعي بأهمية التوازن النفسي في حياة الأفراد والمجتمعات، وإلى كسر حاجز الصمت المحيط بالاضطرابات النفسية، حيث أقرت منظمة الصحة العالمية هذا اليوم منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ليكون مساحة للتفكير الجماعي في سبيل تحسين الرعاية النفسية وتيسير سبل الوصول إليها، وللتأكيد على أن الصحة النفسية شرط أساسي لحياة كريمة ومتوازنة.
وفي هذا الإطار، قدم الدكتور عمر بطاس، الطبيب النفسي والأستاذ بكلية الطب بالدار البيضاء، في تصريح لموقع “برلمان.كوم“، قراءة شاملة لأهمية الصحة النفسية وتأثير السياسات الحكومية عليها، مع التوقف عند الأسباب التي جعلت الحالة النفسية للمغاربة تعرف تدهورا منذ جائحة كورونا.
واستهل البروفيسور بطاس حديثه بتوضيح معنى الصحة النفسية، قائلا إنها “حالة من الرضا والراحة النفسية تمكن الإنسان من الشعور بالطمأنينة، والتأقلم مع الوسط الذي يعيش فيه، والتفاعل معه بشكل متوازن ومتناغم”. موضحا أن الشخص الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة “يكون قادرا على تدبير عواطفه وسلوكاته وأفكاره بشكل منسجم، مما يجعله فاعلا إيجابيا في حياته الأسرية والاجتماعية والمهنية”.
وأضاف الأستاذ الجامعي: “الإنسان المتوازن نفسيا يساهم في الحياة العامة، يكون منتجا ونافعا لنفسه ولمجتمعه”. مشيرا إلى أن الصحة النفسية لا تعني بالضرورة غياب المرض النفسي، إذ يمكن أن تتدهور الصحة النفسية دون ظهور اضطراب مرضي محدد.
وحول العلاقة بين السياسات الحكومية والصحة النفسية، شدد الدكتور بطاس على أن هذا المجال لا يقتصر على وزارة الصحة وحدها، بل هو مسؤولية مشتركة بين عدة قطاعات حكومية، موضحا أن السياسات العمومية تؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية للمواطنين، لأنها تشمل عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية تساهم في خلق بيئة إما داعمة أو محبطة للصحة النفسية.
كما أكد أن غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية يُضعف المجهود الوطني في هذا المجال، قائلا: “ما نلاحظه أحيانا هو أن كل قطاع يشتغل بسياسة واستراتيجية منفصلة عن الآخر، بينما المطلوب هو تنسيق فعال بين مختلف القطاعات كالصحة، والتعليم، والثقافة، والتجهيز، والشؤون الاجتماعية، لضمان بيئة إنسانية وصحية متكاملة”.
وأضاف أن أي هشاشة اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية تنعكس سلبا على الصحة النفسية، مسجلا أن “الشخص الذي يعيش في خصاص أو هشاشة يصعب عليه أن يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية التي تمكنه من الإنتاج والمساهمة في المجتمع”.
وفي جوابه عن تدهور الحالة النفسية للمغاربة بعد جائحة كورونا، أكد الدكتور بطاس أن “هذا التدهور لم يكن خاصا بالمغرب فقط، بل مس العالم بأسره”، مستدلا بتقارير منظمة الصحة العالمية التي سجلت ارتفاعا ملحوظا في نسب الاضطرابات النفسية بعد الجائحة.
وتابع البروفيسور بطاس: “الفترة التي عاشها العالم أثناء الجائحة، من عزلة وتباعد اجتماعي وقرارات صحية صارمة، كانت ضرورية للحفاظ على الأمن الصحي، لكنها أثرت سلبا على الحالة النفسية للناس بدرجات متفاوتة”. موضحا أن أبرز الاضطرابات التي عرفتها تلك المرحلة كانت القلق، والهلع، والاكتئاب، والصدمة، واضطرابات النوم، ومتلازمة ما بعد الصدمة (Post-Traumatic Stress)، وهي حالات تزايدت بشكل لافت عالميا.
وختم الدكتور بطاس تصريحه بالتأكيد على أن الصحة النفسية مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع، مشيرا إلى أن تعزيزها لا يكون فقط عبر العلاج النفسي، بل أيضا من خلال سياسات عمومية منسقة تضمن الكرامة والعدالة الاجتماعية وفرص التنمية لجميع المواطنين.



